أحكام الوصية

المقصد الرابع

في أحكام الوصية

وفيه مسائل:

الاولى: من المقرر في كلامهم أنه لا يشترط في الموصى به كونه موجودا ” بالفعل وقت الوصية، بل لو أوصى بما تحمله الدابة أو الشجرة في هذه السنة أو السنة المستقبلة، فانه يصح، إلا أنه لو أشار إلى معين وأوصى بجملة الموجود أو أوصى بالجمل الموجود لامته أو بحملها مطلقا في مقام تدل القرينة على ارادة الموجود وبالجملة فان الوصية تعلقت بما هو موجود، فانه يشترط أن يكون موجودا حال الوصية، ولو بمقتضى الظاهر شرعا فلو كان الحمل لامة ولدته لاقل من ستة أشهر وهي أقل الحمل من حين الوصية، علم كونه موجودا ” البتة، ولو ولدته لاكثر من أقصى الحمل من حين الوصية تبين بطلانها، لتبين عدم كونه موجودا حين الوصية، لانه إذا كان المدة من حين الوصية قد انقضت ومضت من حين الوطئ المتولد منه الحمل قبل الوصية.


[ 484 ]

ولو ولدته فيما بين أقصى مدة الحمل وأقله، احتمل وجوده حال الوصية وعدمه، قالوا: وينبغى أن ينظر حينئذ، فان كانت الامة فراشا بحيث يمكن تجددة بعد الوصية لم يحكم بصحتها، لان الاصل عدم تقدم حال الوصية، وان لم يكن فراشا بأن فارقها الواطئ المباح وطؤه لها من حين الوصية حكم بوجوده، عملا واصالة عدم وطئ غيره فيحكم به للموصى له. هذا مقتضى كلامهم كما صرح به في المسالك وغيره، وربما قيل: بأن الظاهر الغالب انما هو الولادة لتسعة اشهر تقريبا، فما تولد قبلها يظهر كونه موجودا، وان كان لها فراش، وان الخلية يمكن وطئها محللا ” بالشبهة، ومحرما لو كانت كافرة، إذ ليس فيها محذور بعد الصيانة، بخلاف المسلمة، ودفعه في المسالك بأن الحكم السابق مرتب على الاصل المقدم على الظاهر عند التعارض، إلا فيما شذ. وبالجملة فالمسألة حينئذ من باب تعارض الاصل والظاهر، فلو رجح مرجح الظاهر عليه في بعض مواردها كما يتفق في بعض نظائره لم يكن بعيدا “، ان لم ينعقد الاجماع على خلافه، وكيف كان فلا خروج عما عليه الجماعة، انتهى. أقول: أنت خبير بأن المسألة خالية من النصوص، والدليل الشرعي بالعموم والخصوص، فالحكم في هذه الصورة الثالثة محل الاشكال، ثم انه ينبغى أن يعلم أن فرض المسألة المذكورة في ولد الامة مبنى على كون الحمل مملوكا، وهو إما بكون الزوج مملوكا ” قد شرط مولى الجارية على مولاه، رق الولد، أو يكون الزوج مملوكا للموضي، وقد شرط على مولى الجارية رق الولد، أو كون الزوج حرا على القول بجواز شرط رقية الولد. ولو كان الحمل لغير الامة من البهايم قال في المسالك: صح أيضا ” واشترط وجوده حال الوصية كحمل الامة، إلا أن العلم به لا يتقيد بولادته قبل ستة أشهر، ولا انتفاء وجوده حالتها يعلم بتجاوز العشرة، لاختلاف الحيوان في ذلك اختلافا


[ 485 ]

كثيرا “، والمرجع فيها إلى العادة الغالبة لعدم ضبط الشارع حملها، كالادمي ويختلف العادة باختلاف أجناسه، فان للغنم مقدارا ” معلوما ” عاده، وللبقر مقدارا ” زايدا ” عنه، وكذا الخيل وغيرها من الحيوان، فيرجع فيه إلى العادة، لانها المحكمة عندا نتفاء الشرع، وحيث يقع الشك في الموجود حاله الوصية لا يحكم بصحتها، ويشكل مع هذا حمل الادمي على المتيقنن، والحيوان على الغالب، لاشتراكهما في المقتضي على التقديرين، انتهى. تنبيه: قد عرفت أنه لا يشترط في الموصى به كونه موجودا ” حال الوصية، فتجوز الوصية بالجدد مما تحمله المملوكة أو الشجرة، أعم من أن يكون مضبوطا بمدة كالمتجدد في هذه السنة، أو خمس سنين أو مضبوطا ” بعدد كأربعة، أو يكون مطلقا “، وعاما ” يتناول لجميع ما يتجدد من الامة أو الشجرة مدة وجودهما، كقوله كل حمل متجدد وكل ثمرة يتجدد دائما ” ونحو ذلك، وكذا لا فرق في المضبوط بين أن يتصل بالموت أو يتأخر عنه، كالسنة الفلانية ما يتجدد من السنين بعد الموت.

المسألة الثانية: إذا أوصى له بالمنافع كخدمة عبده، أو غلة بستانه، أو سكنى داره، أو ثمرة شجرته، على التأبيد أو مده معينة قيل: قومت المنفعة، فان خرجت من الثلث، وإلا كان للموصى له ما يحتمله الثلث. أقول: أما ما يدل على جواز الوصية بالمنافع مضافا ” إلى الاتفاق على ذلك فمنه رواية جعفر بن حيان (1) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أوقف غلة له على قرابة من أبيه وقرابة من أمه وأوصى لرجل ولعقبه من تلك الغلة ليس بينه وبينه قرابة، بثلاثمائة درهم كل سنة، ويقسم الباقي على قرابته من أبيه وقرابته من أمه، قال: جائز للذي أوصى له بذلك، قلت: أرأيت ان لم


(1) الكافي ج 7 ص 35 ح 29، الوسائل ج 13 ص 306 ح 8.


[ 486 ]

يخرج من غلة الارض التي وقفها إلا خمسمائة درهم، فقال: اليس في وصيته أن يعطى الذي أوصى له من الغلة ثلاثمائة درهم ويقسم الباقي على قرابته من أبيه وقرابته من أمه وقلت: نعم قال: ليس لقرابته أن يأخذوا من الغلة شيئا ” حتى يوفي الموصى له ثلاثمائة درهم، ثم لهم ما بقى بعد ذلك ” الحديث. وقال في كتاب الفقه الرضوي (1): ” وإذا أوصى لرجل بسكنى دار فلازم للورثة أن تمضى وصيته، وإذا مات الموصى له رجعت الدار ميراثا ” لورثة الميت “. وروى في الكافي والتهذيب في الصحيح عن سعد بن الاحوص (2) ” قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل أوصى إلى رجل أن يعطى قرابته من ضيعته كذا وكذا جريبا ” من طعام، فمرت عليه سنون لم يكن في ضيعته فضل بل احتاج إلى السلف والعينة أيجرى على من اوصى له من السلف والعينة أم لا، فان أصابهم بعد ذلك يجرى عليهم لما فاتهم من السنين الماضية ام لا ؟ فقال: كأني لا أبالى أن اعطاهم أو اخر، ثم يقصى ” الحديث. ولفظ ” كأنى ” ليست في رواية الكافي، وأما ما ذكره من تقدم المنفعة إلى آخر ما تقدم ذكره فالغرض منه بيان كيفية احتساب المنفعة، واخراجها من الثلث، وهذا في المنفعة الموصى بها إذا لم تكن مؤبدا ظاهر، لا خلاف فيه، لان العين تبقى لها قيمة معتبرة بعد اخراج تلك المنفعة، فتقوم المنفعة على الموصى له، والاصل بما بقى فيه من المنافع على الورثة، فإذا أوصى بمنفعة العبد مثلا ” خمس سنين، قوم العبد بجميع منافعه، وإذا قيل: قيمته مائة دينار، قوم مرة اخرى مسلوب المنفعة تلك المدة، وإذا قيل: قمته خمسون، فالتفاوت خمسون حنيئذ، وهي التى تخرج من الثلث، وتجعل ثلثا ” بالنسبة إلى ما في يدي الورثة، فلابد أن يكون بيد الورثة حينئذ مائة منها، رقبة العبد التى


(1) المستدرك ج 2 ص 515 الباب 3 من كتاب السكنى. (2) الكافي ج 7 ص 64 ح 24 مع اختلاف يسير، التهذيب ج 9 ص 237 ح 922 الوسائل ج 13 ص 481 ح 1.


[ 487 ]

قيمتها خمسون في المثال المذكور، وانما الخلاف في المنفعة المؤبدة، وقد اختلفوا فيها على أقوال ثلاثة، والسبب في هذا الاختلاف مع عدم النص خلو العين من المنافع عند بعض، فالوصية بمنافعها في قوة الوصية بها، وثبوتها عند بعض كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى بيانه، وقد نقل هذه الاقوال الثلاثة الشيخ في المبسوط ومن تأخر عنه، والظاهر أنها كلها للعامة. احدها أن تقوم العين بمنافعها ويخرج مجموع القيمة من الثلث، فان خرجت من الثلث لزمت الوصية في منفعتها، وان لم تخرج من الثلث وضاق الثلث عنها لزمت الوصية في القدر الذى يخرج منه، فيكون للموصى له من العبد بقدر ما يخرج من الثلث، والباقى للورثة. احتج من قال بهذا القول: بأن استحقاق المنفعة على التأبيد بمنزلة اتلاف الرقبة، لان الغرض من الاعيان انما هو المنافع، فيجب أن تقوم الرقبة، ولان تقويم المنفعة متعذر لانه غير معلومة، ولا محدودة لان مدة العمر غير معلومة فلا يمكن تقويمها إلا بتقويم العين، وبالجملة فانها لسلب جميع منافعها قد خرجت عن التقويم، فقد فات على الورثة جميع القيمة، فكانت العين هي الغاية.

وثانيها تقويم المنفعة من الثلث على الموصى له، والرقبة على الورثة، وان كانت مسلوبة المنافع، ومرجعه إلى ان المعتبر ما بين قيمتها بمنافعها أو قيمتها مسلوبة المنافع، وعلى هذا تحسب قيمة الرقبة عن التركة. احتج القائل بهذا القول بأن الرقبة تنتقل إلى الورثة كما تنتقل المنفعة إلى الموصى له، فوجب أن يقوم على من انتقلت إليه، وبأن الوارث يقدر على الانتفاع بها بالعتق لو كان مملوكا، وبيعها عن الموصى له أو مطلقا، وهبتها، والوصية بها، فلا وجه لاحتسابها على الموصى له كما ادعاه القائل الاول، ويمكن الانتفاع من البستان بما ينكسر من جزوعه وييبس، ومن الدار بآلاتها إذا خربت وخرجت عن صلاحية السكنى، ولم يعمرها الموصى له بمنفعتها، فحينئذ


[ 488 ]

تقوم العين بما لها من المنافع مع صلاحيتها لما ذكرناه من المنافع المعدودة في كل بنسبته، فإذا قيمتها على الاول مائة درهم، وعلى الثاني عشرة دراهم، علم أن قيمة المنفعة الموصى بها تسعون، فيجب أن يكون مع الورثة ضعفها، ومن جملته الرقبة بعشرة، قال في المسالك، وهذا هو الاصح.

وثالثها تقويم المنفعة على الموصى له فتحسب من الثلث، وأما الرقبة فلا تقوم على الموصى له، ولا على الورثة، أما الموصى له فظاهر، لانها ليست له وأما الوارث فللحيلولة بينه وبينها، وسلب قيمتها بسلب منافعها فكأنها تالفة. ومنه يعلم وجه الاحتياج على القول المذكور، ومرجعه إلى أن الرقبة لا قيمة لها من حيث سلب منافعها، فتكون من قبيل الحشرات ونحوها مما لا قيمة فيه، وما لاقيمة له لا معنى لاحتسابه على أحد، وفيه ما عرفت في توجيه القول الثاني.

تذنيب: يشتمل على مسئلتين:

الاولى: قالوا: إذ أوصى بخدمة عبد بعد مدة معينة، فنفقته على الورثة، لانها تابعة للملك. ولا اشكال في الحكم المذكور لو كانت المنفعة الموصى بها معينة بوقت، ولا ريب ولا خلاف في بقاء العين على ملك الورثة، والنفقة تابعة للملك. وانما الكلام فيما إذا كانت المنفعة الموصى بها مؤبدة، فمن الذي تلزمه نفقة العبد، قيل: فيه وجوه. أحدها وهو اختياره في المسالك أنه الوارث، لما ذكر من أنها تابعة للملك، والوراث هو المالك للرقبة، وهذا القول يتفرع على القول الثاني من الاقوال الثلاثة المتقدمة، ولهذا انه في المسالك اختار هنا كونها على الوارث الذي هو المالك، لاختياره في ذلك القول بتقويم العين على الورثة، وأنها تكون ملكا لهم.


[ 489 ]

الثاني أنه الموصى له، لكونه مالكا ” للمنفعة مؤبدا، وهذا الوجه مما يتفرع على القول الاول من الاقوال المتقدمة، فينبغي أن يعلل وجوب النفقة على الموصى له بما علل به تقويم العين عليه، وعلل هنا زيادة على ذلك بأنه لما كان مالكاز للمنفعة مؤبدا ” كان كالزوج، ولان نفعه له، فكان ضرره عليه، كالمالك لها جميعا “، ولان اثبات لمنفعة للموصى له، والنفقة على الوارث اضرار به منفي، ورد هذا التعليل المذكور هنا بأن ملك المنفعة لا يستبتع النفقة شرعا ” كالمستأجر، والقياس على الزوج باطل مع وجود الفارق، فان الزوجة غير مملوكة، والنفقة في مقابلة التمكنى من الاستمتاع، لا في مقابلة المنافع، وثنوت الضرر بايجابها على الوارث ممنوع، لانتفائه مع اليسار، وانتفائها مع عدمه.

الثالث انه من بيت المال. أقول: وهذا مما يتفرع على القول الثالث، حيث انه تضمن أن الرقبة لا تقوم على الموصى له، ولا على الورثة بالتقريب المتقدم، ولهذا قالوا هنا ان الوجه في هذا الاحتمال هو أن الوارث لانفع له، والموصى له غير مالك، وبيت المال معد للمصالح، وهذا منها. وأورد على بأن النفقة من بيت المال مشروطة بعدم المالك المتمكن، وهو هنا موجود، ومجرد كونه لا نفع له لا يدفع الملك، ولا يرفعه والنفقة تابعة للملك كما عرفت. ومنه تظهر قوة الوجه الاول وان كان اصل المسألة لخلوها من النص لا يخلو من الاشكال. قال في المسالك: واعلم انه لا فرق بين العبد و غيره من الحيوانات المملوكة. وأما عمارة الدار الموصى بمنافعها وسقي البستان وعمارته من حرث وغيره إذا أوصى بثماره، فان تراضيا عليه أو تطوع أحدهما به فذلك، وليس للاخر منعه، وان تنازعا لم يجبر أحد منهما، بخلاف نفقة الحيوان، لحرمة الروح،


[ 490 ]

ويحتمل طرو الخلاف في العمارة، وسائر المؤن، بناء على وجوب ذلك على لمالك حفظا ” للمال، والفرق واضح. نعم لو كانت المنفعة موقتة اتجه وجوبها على المالك، اجباره عليها حفظا ” لماله عن اضياع، لان منفعته به مترقبة ان أوجبنا أصلاح المال.

الثانية: قالوا: وللموصى له التثف في المنفعة، وللورثة التصرف في الرقبة ببيع وعتق وغيره ولا يبطل حق الموصى له بذلك. أقول: فيه إشارة إلى ما تقدم في القول الثاني من أن الوصية بجميع المنافع لا تستلزم عدم نفع بالكلية، بل هنا منافع تابعة للملك مثل العتق والهبة والبيع ونحوها باقية، والوصية بمنافع العبد من خدمته وغلة البستان وسكن الدار، ونحو ذلك لا ينافي بقاء هذه المنافع للمالك، وأنه يتصرف في العين بذلك. وبالجملة فانه لما كانت القربة ملكه، فانه يجوز له عتقها لو كان عبدا إذ لا مانع منه بوجه، ولا يستلزم بطلان حق الموصى له من تلك المنافع، لان حق المالك هو الرقبة، ولا يملك اسقاط حق الموصى له من تلك المنافع، وليس للعتيق الرجوع على الورثة بشئ في مقابلة تفويت منافعه عليه، لان تفويت المنافع ليس من قبل الورثة وانما هومن قبل الموصي، وهو متقدم على العتق، وأما بيعه فان كانت المنفعة الموصي بها محدودة بوقت، فجوازه واضح، لعدم المانع كما يجوز بيع العبد المؤجر، وان كان المشتري انما له التصرف بعد انقضاء مده الاجارة. وان كانت الاجارة مؤبدة ففي جوازه عندهم مطلقا أو على الموصى له خاصة أو المنع مطلقا أوجه. قال في المسالك: أجودها الجواز، حيث تبقى له منفعة كالمملوك لامكان عتقه وتحصيل الثواب به أعظم المنافع ولانه يتوقع استحقاق الارش بالجناية عليه، أو الحصة منه وقد تقدم في بيع المعمر ما يحقق موضع النزاع ويرجح الجواز له ولو لم تبق له منفعة كبعض البهائم، فالمنع أجود، لانتفاء المالية عنه بسلب


[ 491 ]

المنافع كالحشرات، نعم لو أصى بنتاج الماشية مؤيدا صح بيعها، لبقاء بعض المنافع والفوائد كالصوف واللبن والظهر، وانما الكلام فيما استغرقت الوصية قيمته، انتهى. أقول: قد قدمنا في مسألة بيع المعمر عنه (قدس سره) ما يؤذن بالتوقف، حيث ان جملة من الاصحاب صرحوا بالمنع، ومنه من الستشكل، وقد أوضحنا قوة القول بالجواز بالنص الصريح في ذلك، ومنه تظهر قوة القول بالجواز هنا أيضا، الله العالم.

المسألة الثالثة: قال الشيخ في المبسوط: إذا قال أعطوه قوسا من قسي، وله قوس نشاب، وهو قوس العجم، وقوس نبل، وهو قوس العرب، ويكون له قوس حسبان، وهو الذي يدفع النشاب في مجرى، هو الوتر مع المجرى، ويكون له قوس جلاهق، وهو قوس البندق، ويكون له قوس الندف، فان هذا الاطلاق يحمل على قوس النشاب والنبل والحسبان، فان كان له شئ منها، فالورثة بالخيار يعطون أي قوس من هذه الثلاثة شاؤا، وان لم يكن له إلا الجلاهق وقوس الندف فالورثة بالخيار، يعطونه أي القوسين شاؤا، وتبعه ابن حمزة. وقال ابن ادريس: الذي أرى أن الورثة بالخيار في اعطائهم أي قوس شاؤا من الخمسة، وتخصيص كلام الموصي العام يحتاج إلى دليل. قال في المختلف بعد نقل ذلك عن الشييخ وابن ادريس: أقول: ولعل الشيخ (رحمة الله عليه) نقل عرفا ” لغويا ” أو عاميا في أن القوس أنما يطلق حقيقة على الثلاثة السابقة، إنتهى. أقول ما ذكره الشيخ هو الذى عليه المتأخرون، قال المحقق في الشرايع: ولو أوصى له بقوس انصرف إلى قوس النشاب والنبل والحسبان إلا مع القرينة تدل على غيرها. وقال شيخنا في المسالك بعد نقل قولي الشيخ وابن ادريس، ونعم ما قال:


[ 492 ]

وفي كل واحد من القولين نظر، لان الذاهب إلى التخيير بين الثلاثة يتعرف باطلاق اسم القوس على الخمسة، ولكن يدعى غلته في الثلاثة عرفا، وبذلك يقتضى اتباع العرف في ذلك، وهو يتلف باختلاف الاوقات والاصقاع، ولا ريب أن المتبادر في زماننا هو القوس العربية خاصة، وقوس الحسبان لا يكاد يعرفه أكثر الناس، ولا ينصرف إليه فهم أحد من أهل العرف، فمساواته للاولين بعيد، ونظر ابن ادريس إلى الاطرق اللغوي جيد، ولكن العرف مقدم عليه. والاقوى أنهان وجدت قرينة تخصص أحدها حمل عليه، مثل أن يقول: أعطوه قوسا يندف به، أو يعيش به وشبهه، فينصرف إلى قوس الندف، أو قوس يغزا به، فيخرج قوس الندف والبندق ان لم يكن معتادا ” في الغزو، وان انتفت القرائن اتبع عرف بلد الموصى، فان تعدد تخير الوارث، ولو قال: أعطوه ما يسمى قوسا ” ففي تخيره بين الخمسة، أو بقاء الاشكال كالاول وجهان: أجودهما الأول، انتهى. أقول: ومما يؤيد الاشتراك بين المعاني الخمسة لغة ما ذكره في كتاب المصباح المنير حيث قال: وتضاف القوس إلى ما يخصصها، فيقال: قول ندف، وقوس جلاهق، وقوس نبل وهي العربية، وقوس النشاب وهي الفارسية، وقوس الحسبان بقي الكلام في أنه هل يدخل الوتر في اطلاقه، فلو قال أعطوه قوسا فهل يصدق مع عدم الوتر أم لا ؟ اشكال، قيل: بالدخول. فانه لا يصدق إلا به، لان المقصود منه لا يتم إلا به، فهو كالفص بالنسبة إلى الخاتم، والغلاف بالنسبة إلى السيف، بل أولى، لانه بدونه بمنزلة العصا، وقيل: بالعدم نظرا إلى أن الظاهر الصدق بدونه عرفا، وعلى هذا فالاجود الرجوع إلى العرف أو القرينة، وإلا فلا يدخل.


[ 493 ]

تنبيهات:

الاول: كل لفظ وقع على أشياء وقوعا متساويا سواء كان بطريق الاشتراك، أو التواطؤ، فان للورثة الخيار في تعيين ما شاؤا من الافراد، وهي قاعدة كلية في هذا المقام وغيره مما تقدم، لان الموصى به لفظ يقع على أشياء وقوعا متساويا، إما لكونه متواطئا، بأن تكون الوصية بلفظ له معنى، وذلك المعنى يقع على أشياء متعددة كالعبد مثلا، أو لكون ذلك اللفظ مشتركا ” بين معان متعددة كالقوس، فان للورثة الخيار في تعيين ما شاؤا، أما في التواطؤ فلان الوصية به وصية بالماهية الكلية، وخصوصيات الافراد غير مقصودة أولا، بل تبعا، فيتخير الوارث في تعيين أي فرد شاء، لوجود متعلق الوصية في جميع الافراد وأما المشترك فلان متعلق الوصية هو الاسم، وهو صادق عليا لمعاني المتعددة حقيقة، فيتخير الوارث أيضا، وربما قيل في المشترك بالقرعة، هو بعيد.

الثاني: لو قال: أعطوه قوسى بالاضافة الي نفسه، وليس له إلا قوس واحدة، انصرفت الوصية إليها، لان ما تقدم من التخيير بين الافراد الثلاثة أو الخمسة انما هو مع اطلاقه اعطاء القوس من غير أن يضيفه إلى نفسه، فانه مشترك متعد، بخلاف مالو قال: أعطوه قوسى بالاضافة، وليس له إلا أحدها، فانه تتصرف الوصية إليه من أي نوع كان لتقييده بالاضافة. بقي الكلام فيما لو قال: أعطوه قوسي وله قسي متعددة، فان علم أختصاصه بواحد منها من أي نوع كان انصرفت الوصية إليه، كالمصحف والخاتم في الحبوة، وإلا فاشكال، ويحتمل الروع إلى ما تقدم من التخيير.

الثالث: لو أوصى برأس من مماليكه، كان الخيار في التعيين إلى الورثة، بأن يعطوا صغيرا أو كبيرا ذكرا أو أنثى صحيحا أو مريضا مسلما أو كافرا، لان اللفظ من الالفاظ المتواطئة بالنظر إلى ما تحت معناه من الافراد المعدودة، فيتخير


[ 494 ]

الوارث في اعطاء أيها شاء، لوقوع الاسم على كل واحد منها، وانما يتخير مع وجود المتعدد في التركة، وإلا تعين الموجود، ولو لم يوجد له مملوك بطلت الوصية. وهل الاعتبار بالوجود عند الوصية أو الموت ؟ وجهان: استجود ثانيهما في المسالك، قال: لانه وقت الحكم بالانتقال وعدمه، كما أعتبر المال حينئذ، ووجه الاول اضافة المماليك إليه المقتضية لوجود المضاف، انتهى. ولو ماتت مماليكه بعد وفاته إلا واحدا ” تعين للدفع في الوصية، فان ماتوا كملا ” بطلت الوصية أما لو قتلوا لم تبطل، وكان للورثة أن يعينوا من شاؤا، ووجه البطلان مع موت الجميع فوات متعلق الوصية، بخلاف القتل، لبقاء المالية بثبوت القيمة على القاتل، وهي بدل عن العين، فيكون للموصى له، فكل فرد عينه الورثة يثبت له قيمته.

المسألة الرابعة: لا خلاف ولا اشكال في ثبوت الوصية بشهادة العدليل من المسلمين، لان ذلك مما يثبت به جميع الحقوق عدا ما استثنى مما يتوقف على أربعة، بل دائرة حكم الوصية أوسع، ومن ثم تثبت بشهادة المرأة الواحدة على بعض الوجوه، وشهادة عدول أهل الذمة كما دلت عليه الاية، واستفاضت به الرواية، إلا أن ظاهر الاية اشتراط قبولها بالسفر، وتحليفها مع الريبة في شهادتهما بعد الصلاة، قائلين ما دلت عليه الاية (1) ” لا نشتري به ثمنا قليلا ولو كان ذا قري ولا نكتم شهادة الله انا إذا لمن الاثمين وأنه متى عثر على بطلان شهادتهما فليس له نقضها حتى يأتي بشاهدين يقومان مقام الشاهدين الاولين (2) ” فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهماو ما اعتدينا إنا إذا ” لمن الظالمين “. والاصل فيما ذكرناه من هذه القيود ما رواه ثقة الاسلام في الكافي عن علي بن ابراهيم (3) عن رجاله رفعه ” قال: خرج تميم الداري وابن بيدى وابن


(1) و (2) سورة المائدة الاية 105 و 106. (3) الكافي ج 7 ص 5 ح 7، الوسائل ج 13 ص 394 الباب 21.


[ 495 ]

أبى مارية في سفر وكان تميم الدار مسلما “، وابن ابى مارية وابن بيدى نصرانيين وكان مع تميم الدارى خرج له فيه متاع، وآنية منقوشة بالذهب، وقلادة أخرجها إلى بعض أسواق العرب للبيع، فاعتل تميم الدارى علة شديدة، فلما حضره الموت دفع ما كان معه إلى ابن بيدى وابن أبى مارية وأمرهما أن يوصلاه إلى ورثته، فقدما المدينة وقد أخذا من المتاع الانية والقلادة، وأوصلا سائر ذلك إلى ورثته، فافتقد القوم الانية والقلادة، فقال أهل تميم لهما: هل مرض صاحبنا مرضا ” طويلا ” أنفق فيه نفقة كثيرة ؟ فقالا: لا، ما مرض إلا أياما ” فلائل، قالوا: فهل سرق منه شي ؟ في سفره هذا ؟ قالا “: لا، قالوا: فهل اتجر تجارة خسر فيها ؟ قالا: لا، قالوا: افتقدنا أفضل شئ، كان معه آنية منقوشة مكللة بالجواهر. وقلادة، فقالا: ما دفع الينا فقد أدينا اليكم، فقد موهما إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأوجب رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليهما اليمين، فحلفا فخلى عنهما ثم ظهرت تلك الانية والقلادة عليهما فجاء أوليا ؟ تميم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: يا رسول الله قد ظهر على ابن بيدى وابن أبى مارية ما ادعيناه عليهما، فانتظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الله تعالى الحكم في ذلك. فأنزل الله تبارك وتعالى (1) ” يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر احدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو اخران من غيركم ان أنتم ضربتم في الارض ” فأطلق الله تعالى شهادة أهل الكتاب على الوصية فقط، إذا كان في سفر، ولم يجد المسلمين ” فاصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان باللهان ارتبتم لا نشترى به ثمنا ولو كان ذا قرى، ولا نكتم شهادة الله إنا لمن الاثمين ” فهذه الشهادة الاولى التي جعلها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فان عثر على انهما استحقا اثما ” أي أنهما حلفا على كذب فآخران يقومان مقامهما، يعنى من أولياء المدعي من الذين استحق


(1) سورة المائدة الاية 105.


[ 496 ]

عليهما الاوليان، فيقسمان بالله، يحلفان بالله أنهما أحق بهذه الدعوى منهما، وأنهما قد كذبا فيما حلفا بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا ” لمن الظالمين فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أولياء تميم الداري أن يحلفوا بالله على ما أمرهم به، فحلفوا فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) القلادة والانية من ابن بيدى وابن أبى مارية وردهما إلى اولياء تميم الداري: ذلك ادنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد ايمانهم “. ورواه المرتضى (رضي الله عنه) في رسالة المحكم والمتشابه، نقلا ” من تفسير النعماني (1) باسناده عن علي عليه السلام نحوه إلا قال: تحسبونهما من بعد الصلاة يعنى صلاة العصر، ورواه علي بن ابراهيم (2) في كتاب التفسير، ونقل في المسالك عن أكثر الاصحاب ومنهم المصنف أنهم لم يعتبروا في قبول شهادة الذميين السفر، بل جعلوه في الاية والاخبار انما خرج مخرج الغالب، وكذا لم يعتبروا الحلف، وتقل عن العلامة أنه أوجب الحلف بعد العصر بصورة الاية، واستحسنه في المسالك. أقول: لا يخفى الخبر المذكور على اشتراط السفر لقوله عليه السلام ” فأطلق الله شهادة اهل الكتاب على الوصية فقط إذا كان في سفر، ولم يجد المسلمين ” وهو دال بمفهوم الشرط الذي هو حجة شرعية عندنا بالاخبار، وعند محققى الاصوليين بالاعتبار على أنه لو لم يكن في سفر أو وجد أحدا ” من المسلمين لم تقبل شهادتهما. ومن الاخبار الظاهرة بل الصريحة في ذلك ما رواه في الكافي والتهذيب عن حمزة بن حمران (3) عن أبى عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله تعالى (4) ” ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم ” ؟ قال: فقال: اللذان منكم مسلمان،


(1) و (2) الوسائل ج 13 ص 394 الباب 21. (3) التهذيب ج 9 ص 179 ح 718، الكافي ج 7 ص 399 ح 8، الوسائل ج 13 ص 392 ح 7. (4) سورة المائدة الاية 105.


[ 497 ]

واللذان من غيركم من أهل الكتاب، فقال: إذا مات الرجل المسلم بأرض غربة، فطلب رجلين مسلمين ليشهدهما على وصيته، فلم يجد مسلمين فليشهد على وصيته رجلين ذميين من أهل الكتاب مرضيين عند اصحابهما “. وعن هشام بن الحكم في الصحيح (1) وبسند آخر في الموثق عن أبى عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل ” أو آخران من غيركم ” قال: إذا كان الرجل في أرض غربة لا يوجد فيها مسلم، جازت شهادة من ليس بمسلم على الوصية “. وما رواه المشايخ الثلاثه (نور الله مراقدهم) عن يحيى بن محمد (2) ” قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تعالى (3) ” يا ايها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم ” قال: اللذان منكم مسلمان، واللذان من غيركم، من أهل الكتاب، فان لم تجدوا من أهل الكتاب فمن المجوس، لان رسول الله (صلى الله عليه وآله) سن في المجوس سنة أهل الكتاب في الجزية، وذلك إذا مات الرجل في أرض غربة فلم يجد مسلمين أشهد رجلين من أهل الكتاب، يجلسان بعد العصر ” فيقسمان بالله تعالى لا نشترى به ثمنا ولو كان ذا قربى، ولا نكتم شهادة الله إنااذا لمن الاثمين ” قال: وذلك إذا ارتاب ولي الميت في شهادتهما فإن عثر على أنهما شهدا بالباطل فليس له ان يبقض شهادتهما حتى يجئ بشاهدين فيقومان مقام الشاهدين الاولين، (فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين ” فإذا فعل ذلك نقض شهادة الاخرين يقول الله تعالى (4): ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم “.


(1) الكافي ج 7 ص 398 ح 6، التهذيب ج 9 ص 180 ح 725. (2) الكافي ج 7 ص 4 ح 6، التهذيب ج 9 ص 178 ح 715، الفقيه ج 4 ص 142 ح 487. وهما في الوسائل ج 13 ص 391 ح 4 و 6. (3) و (4) سورة المائدة الاية 105 و 108.


[ 498 ]

وما رواه في كتاب بصائر الدرجات لسعد بن عبد الله بسنده فيه عن المفضل بن عمر (1) ” عن أبي عبد الله عليه السلام في كتابه إليه، قال: وأما ما ذكرت أنهم يستحلون الشهادات بعضهم لبعض على غيرهم فان ذلك لا يجوز ولا يحل، وليس هو على ما تأولوا إلا لقوله عزوجل ” يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم أن أنتم ضربتم في الارض فأصابتكم مصيبة الموت ” وذلك إذا كان مسافرا ” فحضره الموت أشهد بالله اثنين ذوي عدل من أهل دينه،، فان لم يجد فآخران ممن يقرأ القرآن من غير أهل لايته، تحبسونهما من بعد الصلاة، ” فيقسمان بالله ان ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم وشهادة الله إنااذا لمن الاثمين ” فان عثر على أنهما استحقا اثما ” فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الاوليان من أهل ولايته فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما، وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين، ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم، واتقوا الله واسمعوا. وهذه الاخبار كلها كما ترى ظاهرة بل صريحة في اعتبار السفر، وأنه لا تقبل في السفر إلا مع فقد المسلمين، وما ربما يوجد من الاخبار المطلقة يجب حمله على هذه الاخبار الصريحة في الاشتراط. وقال في المسالك بعد نقل القول الذي نقله عن الاكثر من عدم اشتراط السفر: ويمكن استنادهم في عدم اشتراط السفر إلى موثقة هشام بن الحكم (2) عن ابى عبد الله عليه السلام في قوله تعالى ” وآخران من غيركم ” قال: إذا كان الرجل في بلد ليس فيها مسلم جازت شهادة من ليس بمسلم على الوصية، قال: فانها متناولة باطلاقها للسفر والحضر، وأنه حيث قد دلت الاخبار التي ذكرناها على


(1) الوسائل ج 13 ص 393 الباب 20 ح 8. (2) الكافي ج 7 ص 398 ح 6، الوسائل ج 13 ص 391 ح 4.


[ 499 ]

الاشتراط كما عرفت، فوجه الجمع بين هذه الرواية وبين تلك الاخبار بحمل هذه الرواية على ما إذا سافر المسلم إلا بلد ليس فيها مسلم، لانه من سكانها وأهلها، والقرينة فيما ذكرناه واضحة، لان سكنى المسلم وحده في بلد الكفر اختيارا ” نادر، بل غير جائز شرعا إلا من ضرورة.

وتستفاد من هذه الاخبار عدة فوائد:

الاولى ما ذكرناه وان كان خلاف ما صرح به الاكثرون اشتراط القبول بالسفر، فلا تقبل في الحضر، والوجه فيه ما عرفت من وجود المسلمين في الحضر، حيث ان المسلم لا يسكن إلا في بلاد الاسلام.

الثانية اشتراط الحلف وأن يكون بالكيفية التي دلت عليها الاية، كما يدل عليه خبر يحيى بن محمد المذكور، ومثله مرفوع علي بن ابراهيم، وخبر المفضل، وما تقدم نقله عن العلامة من أنه يحلف بعد العصر، قد دل عليه مرفوع علي بن ابراهيم برواية النعماني عن علي عليه السلام كما تقدم، ورواية يحيى بن محمد كما في بعض نسخ المشايخ المذكورين، وفي بعض آخر بلفظ الصلاة بقول مطلق، وينبغى حمل الاطلاق على العصر لما عرفت.

الثالثة ان ظاهر أكثر الاخبار المذكورة هو قبول الشهادة على الوصية، أعم من ان يكون بمال أو ولاية، إلا أن مورد الاية والقضية التي نزلت فيها كما دل عليه مرفوع علي بن ابراهيم إنما هو المال، وهو الظاهر أيضا من كلامه في المسالك، حيث قال بعد أن صرح بثبوت الوصية بشهادة عدلين مسلمين: ولا فرق في قبولها بها بين كونها بمال أو ولاية، ومع عدم وجود عدول المسلمين تقبل شهادة عدول أهل الذمة بالمال، للاية والرواية، ودعوى نسخها لم يثبت، وهو ظاهر في أن الوصية تقبل بشهادة عدول المسلمين في المال والولاية، وأما عدول أهل الذمة ففي المال خاصة، وعلى هذا فينبغي حمل اطلاق تلك الاخبار على مورد القصة.


[ 500 ]

الرابعة لا خلاف بين الاصحاب (رحمهم الله) في اشتراط العدالة في الذميين بالمعنى المعروف عندهم، واليه يشير قوله عليه السلام في رواية حمزة بن حمران مرضيين عند أصحابهما.

الخامسة ما دل عليه خبر يحيى بن محمد من أنه مع عدم وجود أهل الكتاب فمن المجوس، لم اقف عليه في غيره من الاخبار، ولم يصرح به أحد من أصحابنا فيما حضرني من كلامهم، والخبر متى دل على حكم ولا معارض له وجب القول به، وان لم يقل به قائل كما هو مقتضى التحقيق في المسألة. السادسة قال: في المسالك ولو وجد مسلمان فاسقان، والذميان العدلان، فالذميان العدلان أولى للاية، أما المسلمان المجهولان فيبنى على اعتبار ظهور العدالة، كما هو المشهور أو الحكم بها مال لم يظهر خلافها، كما ذهب إليه جماعة من الاصحاب، فعلى الثاني لا ريب في تقديم المستور من المسلمين لانه عدل، وعلى الاول ففي تقديمه على عدل أهل اذمة وجهان: واختار العلامة تقديم المسلمين بل قدم الفاسقين إذا كان فسقهما بغير الكذب والخيانة، وفيه نظر، انتهى. أقول: أما ما ذكره من الفرد الاول فغلا اشكال في أن الحكمفيه كما ذكروا، أما المسلمان المجهولان فالكلام فيهما مبني على أن العدالة هل هي أمر زائد على مجرد الاسلام، كما هو المشهور، والمويد المنصور، أو أنها عبارة عن مجرد الاسلام كما هو اختياره في المسألة ؟ فعلى الثاني لا اشكال أيضا لحصول العدالة المشروطة في الاية، وعلى الاول فالاشهر الاظهر عدم الثبوت إلا بعد الفحص وظهور العدالة، وما نقل عن العلامة ضعيف لا يلتفت إليه، لان الاية والرواية مصرحان باشتراط العدالة، ووجود المسلم بدونها في حكم العدم، والله العالم.

وينبغى التنبيه على امور:

الاول: لا ريب أنه كما تثبت الوصية بالشاهدين تثبت أيضا فيما إذا كانت مالا بشاهد ويمين، أو شاهد وامرأتين، وهو موضع وفاق في المال، وصية كان


[ 501 ]

أو غيرها، وقد دل قوله تعالى (1) ” فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ” على الاكتفاء بالرجل والامرأتين والاخبار بذلك مستفيضة، يأتي ان شاء الله تعالى في موضعها اللائق بها، وكذا تثبت فيما إذا كانت مالا بشهادة الواحدة ربع ما شهدت به، وبشهادة اثنتين، النصف، وبثلاث ثلاثة أرباع، وبالاربع الجميع، روى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن ربعى (2) عن أبي عبد الله عليه السلام في شهادة أمرأة حضرت رجلا يوصى ليس معها رجل ؟ فقال: يجاز ربع ما أوصى بحساب شهادتها “. وما رواه في الفقيه (3) في الصحيح عن حماد بن عيسى عن ربعي مثله بأدنى تفاوت. وعن محمد بن قيس (4) في الصحيح عن أبى جعفر عليه السلام ” قال: قضى امير المؤمنين عليه السلام في وصية لم تشهدها إلا المرأه فقضى أن تجاز شهادة المرأة في ربع الوصية “. ورواه بسند آخر عن محمد بن قيس (5) ايضا مثله إلا أنه ” زاد إذا كانت مسلمة غير مريبة في دينها “. وعن أبان (6) عن أبى عبد الله عليه السلام أنه ” قال في وصية لم تشهدها إلا امرأة فأجاز شهادة المراة في الربع من الوصية حساب شهادتها “. وأما ما رواه الشيخ في التهذيب عن ابراهيم بن محمد الهمداني (7) ” قال: كتب أحمد بن هلال إلى أبى الحسن عليه السلام امرأة شهدت على وصية رجل لم يشهدها غيرها، ووفي الورثة من يصدقها، وفيهم من يتهمها فكتب عليه السلام: لا، إلا أن يكون رجل وامرأتان، وليس بواجب ان تنفذ شهادتها “. وما رواه محمد بن اسماعيل بن بزيع (8) في الصحيح ” قال: سألت الرضا عليه السلام


(1) سورة البقرة الاية 282. (2) و (3) و (4) و (5) و (6) الكافي ج 7 ص 4 ح 4 و 5، التهذيب ج 9 ص 180 ح 719 و 723، الفقيه ج 4 ص 142 ح 486. (7) و (8) التهذيب ج 6 ص 268 ح 719 وص 280 ح 771. وهذه الروايات في الوسائل ج 13 ص 395 ح 1 وص 396 ح 4 و 3 و 2 وص 397 ح 8 وج 18 ص 266 ح 40.


[ 502 ]

عن امرأة ادعى بعض أهلها أنها أوصت عند موتها من ثلثها بعتق رقبة لها أيعتق ذلك وليس على ذلك شاهد إلا النساء ؟ قال: لا تجوز شهادة النساء في هذا ” فحملهما الشيخ في التهذيبين على عدم نفاذها في الجميع، وان نفذت في الربع، وجوز في الاستبصار الحمل على التقية أيضا. اقول: وهو الظاهر، فان الاول بعيد عن سياق لفظ الخبرين المذكورين، وهل يتوقف بثوت ما ذكر بشهادتهن على اليمين، المشهور العدم، لاطلاق النصوص المذكور فانها ظاهرة في ثبوت ذلك بمجرد الشهادة، ولا بعد فيه، وان كان مخالفا ” لحكم غيره من الحقوق، فانها متلفة بحسب الشهادة اختلافا كثيرا، ونقل عن العلامة في التذكرة توقف الحكم في جميع الاقسام على اليمين، كما في شهادة الرجل الواحد، ورد بأن اليمين مع شهادة الواحد توجب ثبوت الجميع، فلا يلزم مثله في البعض، ولو فرض انضمام اليمين إلى الاثنتين والثلاث ثبت الجميع، لقيامهما مقام الرجل، أما الواحدة فلا يثبت بها سوى الربع مطلقا، انضمت اليمين لها أم لا، على أن في ثبوت الجميع بانضمام اليمين إلى الاثنتين أو الثلاث إشكالا أيضا، لان مقتضى النصوص انما هو النصف في ا لاول، وثلاثة أرباع في الثاني، بمجرد الشهادة، ووجود اليمين حيث لم يعتبرها الشارع هنا في حكم العدم، وقيام الاثنتين مقام الرجل في بعض الموارد لا يستلزم قياس ما نحن فيه عليه، حتى أنه يخرج عن مقتضى ظواهر النصوص بذلك. وبالجملة فالظاهر هو الوقوف على ظاهر النصوص المذكورة ولو شهد رجل واحد ففى ثبوت النصف بشهادته من غير يمين نظرا ” إلى قيام شهادته مقام اثنتين، أو الربع خاصة، لانه متيقن من حيث انه لا يقصر عن المرأة، أو سقوط شهادته أصلا وقوفا فيما خالف الاصل على مورده أوجه، قال في المسالك: اوسعها الاوسط. أقول: بل أظهرها الاخير لما ذكر، واختياره الاوسط باعتبار أنه لا يقصر


[ 503 ]

عن المرأة لمجرد خيال، والاحكام الشرعية لا تبنى على تقريبات العقول، فكم من حكم يقربه العقل تحكم النصوص بخلافه، وكم من حكم يبعده العقل تحكم به النصوص. وهل يشترط في قبول شهادة المرأة في الوصية تعذر الرجال ؟ المشهور العدم، عملا بعموم النصوص المتقدمة، ونقل عن ادريس وقبله ابن الجنيد الاشتراط، وهو ضعيف.

الثاني: المشهور في كلام الاصحاب بل الظاهر أنه لا خلاف فيه كما نقله في المسالك عدم قبول شهادة النساء منفردات في الولاية، وعلل بأنها ليست وصية بمال، بل هي تسلط على تصرف فيه، وليست أيضا مما يخفى على الرجال غالبا، وذلك هو ضابط محل قبول شهادتهن منفردات. والمشهور أيضا بل الظاهر أنه لا خلاف في إلا ما يظهر من المحقق في الشرايع حيث تردد في ذلك هو أنه لا تثبت الوصية بالولاية بالشاهد واليمين، وذلك لان ضابط الثبوت بالشاهد واليمين ما كان من حقوق الادميين مالا أو المقصود منه المال، وولاية الوصاية لا تدخل في ذلك. ونقل عن الشيخ في المبسوط أنه قوى قبول الوصية بالولاية بالمرأتين مع الشاهد، ونقل عن ابن الجنيد أيضا وأورد عليه أن اللازم من ذلك قبولها بالشاهد واليمين أيضا، لان كل ما ثبت بشاهد وامرأتين، ثبت بشاهد ويمين، وقيل في وجه تردد المحقق هنا: أن منشاؤه مما ذكر، ومن أن الوصية بالولاية قد يتضمن المال، كما إذا أراد أخذ الاجرة أو الاكل بالمعروف بشرطه ولما فيه من الارفاق، والتيسير، فيكون مرادا ” للاية والرواية. قال في المسالك: ولا يخفى ما فيه، وقد قطع الاصحاب بالمنع من غير نقل خلاف في المسألة ولا تردد، ووافقهم المصنف في المختصر، على القطع، وأبدل هذا التردد بالتردد في ثبوت الوصية بالمال بشاهد ويمين، وكلاهما كالمستغني


[ 504 ]

عنه، للاتفاق على الحكم، والقاعدة المفيدة للحكم فيهما، انتهى وهو جيد.

الثالث: قالوا: لواشهد انسان عبدين له على حمل أمته وأنه منه، ثم مات وأعتق المملوكان ثم شهدا بذلك فانه تقبل شهادتهما، وهل يسترقهما المولود حينئذ ؟ قيل: بالمنع، وقيل: بالجواز على كراهة. أقول الاصل في هذه المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (1) ” عن أبى عبد الله عليه السلام في رجل مات وترك جارية ومملوكين، فورثه أخ له فأعتق العبدين، وولدت الجارية غلاما ” فشهدا بعد العتق أن مولاهما كان أشهدهما أنه كان يقع على الجارية وأن الحمل منه، قال: تجوز شهادتهما، ويردان عبدين كما كانا “. وما رواه المشايخ الثلاثة عن داود بن فرقد في الموثق (2) ” قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل كان في سفر ومعه جارية له وغلامان مملوكان فقال لهما: أنتما حران لوجه الله، وأشهد أن ما في بطن جاريتي هذه مني فولدت غلاما، فلما قدموا على الورثة أنكروا ذلك واسترقوهما، ثم ان الغلامين عتقا بعد ذلك، فشهدا بعدما أعتقا أن مولاهما أشهدهما أن ما في بطن جارته منه،: قال تجوز شهادتهما للغلام، ولا يسترقهما الغلام الذي شهدا له، لانهما أثبتا نسبه “. قيل: والاستدلال بالخبرين مبني إما على قبول شهاده المملوك مطلقا أو على مولاه، لانهما بشهادتهما للولد والحكم بها صارا رقا له، لتبين أن معتقهما لم يكن وارثا، أو على أن المعتبر حريتهما حال الشهادة، وان ظهر خلافها بعد ذلك، أو على أن الشهادة للمولى لا عليه، فتقبل. وأورد على الاخير بأن الحكم بكون الولد مولى موقوف على شهادتهما


(1) التهذيب ج 6 ص 250 ح 642. (2) التهذيب ج 9 ص 222 ح 870، الكافي ج 7 ص 20 ح 16، الفقيه ج 4 ص 157 ح 544. وهما في الوسائل ج 13 ص 460 ح 1 وص 461 ح 2.


[ 505 ]

على كونه مولى، ليكون الشهادة له دارا. أقول: الوجه عندي هو الاول، فان الروايات وان اختلف في قبول شهادة المملوك إلا أن مادل على المنع محمول على التقية، والاظهر هو الجواز فلا ضرورة إلا ارتكاب ما ذكر من التعليلات في الوجه الباقية. ونقل عن الشيخ أنه خص الحكم بالوصية، فان أمرها أخف من غيرها من الحقوق، كما قبلت فيها شهادة أهل الكتاب، وفيه أنه لا ضرورة إلى التخصيص فان اطلاق الخبرين المذكورين مع صحة الاول بالاصطلاح المحدث ” وعد الثاني في الموثق إنما هو بواسطة الحسن بن فضال الذي لا يقصر حديثه عندهم عن الصحيح، مضافا ” إلى اتفاق الاصحاب على الحكم المذكور مع عدم معارض ولا مخالف أقوى دليل على العموم. بقي الكلام في استرقاقهما للولد الذي شهدا له، وبذلك صرحت صحيحة الحلبي، وبالعدم صرحت موثقة، حيث نهى عن استرقاقهما، وطريق الجمع حمل النهي على الكراهة، كما يؤذن به التعليل المذكور، وملخصه أنه يكره له استرقاقهما، لانهما كانا سببا ” في حريته بعد الرقية، فلا يكون سببا ” في رقيتهما بعد الحرية. والمحقق في الشرايع قد فرض المسألة كما دلت عليه صحيحة الحلبي، والعلامة في القواعد قد فرضها بما دلت عليهموثقة داود، وكيف كان فشهادتهما بعتق المولى لهما في رواية داود شهادة لانفسهما، فلا تسمع كما هو مقتضى القاعدة. وأنت خبير بأن هذه المسألة لا مناسبة لذكرها في هذا المقام إلا من حيث أن الشيخ قد خصها بالوصية، كما قدمنا نقله عنه، والظاهر ان الاصحاب انما ذكروها هنا تبعا ” له في ذلك، ان خالفوه في العمل باطلاق الخبر من المذكورين كما ذكرنا، والله العالم.

الرابع: قالوا: لا تقبل شهادة الوصي فيما هو وصي فيه، ولا ما يجر فيه


[ 506 ]

نفعا ” أو يستفيد به ولاية، قالوا: والضابط أنه متى كان لنفسه حظ في الشهادة لم تقبل. وعدوا من ذلك أمورا: منها أن يشهد بما هو وصي فيه بأن يجعله الموصي وصيا على مال معين، فينازعه فيه منازع فيشهد به للموصي. ومنها أن يجربه نفعا ” بأن جعله وصيا ” في تفرقة ثلثه، فشهد بمال للمورث، فانه يجربه نفعا ” باعتبار زيادة الثلث. ومنها أن يجعله وصيا ” عل ولده الصغير، فيشهد للولد بمال، فانه يستفيد بها ولاية على المال. وأنت خبير بما في ذلك من تطرق المناقشة، لعدم ورود نص بشئ مما ذكروه، والى ما كرناه يميل كلاما بن الجنيد حيث نقل عنه أنه قال: ” شهادة الوصي جائزة لليتيم في حجره وان كان هو المخاصم للطفل، ولم يكن بينه وبين الشهود عليه ما يرد شهادته عليه ” ومال إليه المقداد في شرحه. قال في المسالك بعد نقله ذلك: ولا بأس بهذا القول، لبعد هذه التهمة من العدل، حيث انه ليس بمالك، وربما لم تكن له أجرة على عمله في كثير من الموارد إلا أن العمل بالمشهور متعين، انتهى. أقول: ان كان تعين العمل بالمشهور من حيث الشهرة فهي ليست بدليل شرعي، بل الاجماع لو ادعي كما اعترف به في غير موضع من شرحه هذا، وتقدم نقله عنه، وسيأتى ان شاء الله في بعض مسائل هذا الكتاب، وان كان لدليل آخر، فليس في الباب ما يدل على ذلك، وإلا لذكره واستند إليه، وهذا مع أن الاحكام منوطة بالنصوص، ومقيدة بها على العموم أو الخصوص، ولا نص في المقام سوى هذه التعليلات العلية، وقد عرفت ما فيها، وبالجملة فكلامه (قدس سره) لا يخلو من المجازفة. ثم ان مما فرعوا على ذلك أيضا أنه لو كان وصيا في اخراج مال معين،


[ 507 ]

فشهد للميت بما يخرج به ذلك المال من ا لثلث لم تقبل، كما لو أوصى باخراج ألف درهم والتركة ظاهرا ألفان، فشهد الوصي أن للميت على أحد ألفا مثلا، فان قبول هذه الشهادة يستلزم اخراج الالف المجعول وصيا فيها من الثلث، ونفوذ الوصية، فلا تقبل وأنت خبير بما فيه بعد الاحاطة بما ذكرناه. نعم ربما يقال: انه قد وردت هنا أخبار فيمن ترد شهادتهم، وعد منها المتهم، فمن ذلك رواية عبد الله بن سنان (1) ” قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام ما يرد من الشهود ؟ قال: فقال: الظنين والمتهم “. وفي رواية أبى بصير (2) ” قال: سالت أبا عبد الله عليه السلام عن الذي يرد من الشهود ؟ قال: الظنين والمتهم والخصم “. ومثلها غيرهما، والوصي في هذه الصور المفروضة يدخل في المتهم بالتقريب الذي ذكروه. وفيه أنه لا يخفى أن التهمة عرفا ” إنما تتحقق بما يوجب جزا النفع إلى نفسه، لا إلى غيره، كما هو المفروض في هذه الفروض، ومجرد صرفه الوصايا عن الميت والقيام بأطفاله ونحو ذلك لا يتحقق له به نفعه دنيوى، بل ربما أوجب الضرر الدنيوي له بما يوجبه من اشتغاله بذلك، عن قضاء حوائجه، والسعى في مطالبه وأموره، وكلما كثرت الوصايا واتسعت الدائرة فيها وفي أموال الاطفال كان الضرر أعظم، والمنع له عن السعي في أموره أتم، ولهذا أن الشارع جوز له الاكل بالمعروف من أموالهم في مقابلة القام بأحوالهم. قال في كتاب المصباح المنير: والتهمة بسكون الهاء وفتحها: الشك والريبة، واتهمته ظننت به سوء، ولا يخفى أن هذا كله انما يترتب على ما يحصل به جر النفع إلى نفسه، وايثارها، وإلا فأي سوء وأي ريبة في قيامه بوصايا


(1) و (2) الكافي ج 7 ص 395 ح 1 و 2، التهذيب ج 6 ص 242 ح 601 و 598، الوسائل ج 18 ص 274 ح 1 وص 275 ح 3.


[ 508 ]

الغير، وصرفة لها في مصارفها ما لم يتعد فيها الحدود الشرعية، وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لكل ناظر، ومن وراء جميع ذلك اتصافه بالعدالة المانعة من تطرق ما ينافيها. وبالجملة فان الاقرب عندي هو ما نقل عن ابن الجنيد ومن تبعه، ولا اشكال عندهم في القبول لو كان المشهود عليه خارجا ” عما هو وصي فيه، كما لو جعله وصيا على غلة أطفاله، فيشهد لهم بدين أو جعله وصيا على تفريق مال معين، فيشهد للورثة بحق آخر لمورثهم، ونحو ذلك، والله العالم.

المسألة الخامسة: في الوصية بالعتق، ولذلك صور عديدة، منها من أوصى بعتق عبيده وليس له سواهم، فان رتبهم في الوصية أعتق الاول فالاول حتى يتم الثلث، ولو بجزء عبد فيعمل فيه ما يأتي ذكره، وتبطل الوصية فيمن بقي وإلا أعتق ثلثهم بالقرعة، بأن يجعلهم أثلاثا ولو بتعديلهم بالقيمة، ثم يقرع، بين تلك السهام الثلاثة، ويعتق الثلث الذي أخرجته بالقرعة، وروي (1) ” أن النبي (صلى الله عليه وآله) فعل ذلك في ستة عبيد أعتقهم مولاهم عند موته، ولم يكن له غيرهم، فجزاهم أثلاثا ” ثم أقرع بينهم “، نقل ذلك الاصحاب في كتب الفروع، والظاهر أن الرواية عامية، فانها غير موجودة في كتب أخبارنا، إلا أن الظاهر أن الحكم لا اشكال فيه، لان القرعة لكل أمر مشكل، وهذا من جملتها، ولو توقف التعديل على ادخال جزء من أحدهم، فان خرجت القرعة على الثلث الذي فيه ذلك الجزء أعتق من العبد بحسابه، وسرى العتق في الباقي، وسعى في باقي قيمته، كما في كل مبعض. قالوا: وانما لم يحكم بعتق ثلث كل واحد مع ان كان كل واحد منهم بمنزلة الموصى له، وقد قرروا أن الوصايا إذا وقعت دفعة قسط عليها الثلث بالنسبة للحديث النبوي المتقدم ذكره، فانه (صلى الله عليه وآله) انما جزى العبيد أثلاثا، وأعتق


(1) سنن البيهقي ج 6 ص 272.


[ 509 ]

الثلث الذي خرجب فيه القرعه، ولم يحكم في ثلث كل واحد واحد، وأيضا فان العتق على هذا الوجه موجب للاضرار بالورثة، لانعتاق الجميع حينئذ، فانه متى انعتق ثلث كل واحد ووجوب السعي في قيمته صار حرا فيصير الجميع أحرارا. أقول: ومن هنا يعلم أن المسألة غير خالية من شوب الاشكال، لان الخبر غير ثابت كما عرفت والاضرار بالورثة غير مسموع إذا اقتضته القواعد الشرعية ان ثبت ما ذكوره من تلك القاعدة المذكورة، والظاهر ثبوتها كما سيأتي ان شاء الله تعالى في محله، هذا كله إذا لم يجز الورثة، وإلا فلا اشكال. ومنها ما لو أوصى بعتق عدد مخصوص من عبيده، وفيه قولان: فقيل: انه يستخرج ذلك العدد بالقرعة، وقيل: انه يتخير الوارث في ذلك المقدار، فيعينه فيمن أراد، وجه الاول أن العتق للمعتق، ولا ترجيح فيه لبعضهم على بعض، فوجب التوصل إليه بالقرعة. ووجه الثاني أن متعلق الوصية متواطئ، فيتخير ا لوارث في تعيينه كغيره ولان المتبادر من اللفظ الاكتفاء بأي عدد كان من الجميع وهو اختيار المحقق في الشرايع: والشارح في المسالك قال: وهذا أقوى، وان كانت القرعة أعدل. ومنها مالو أعتق مملوكه عند الوفاة منجزا وليس له غيره، قيل: عتق كله وقيل ينعتق ثلثه، ويسعى للورثة في باقى قيمته، ولو أعتق ثلثه سعى في باقيه ان لم يكن للمعتق مال غيره، فاضل من مستثنيات الدين، وإلا سرى العتق عليه في ثلث المال الفاضل. أقول: أما المسألة الاولى فهي أحد جزئيات مسألة منجزات المريض، والخلاف فيها بين كون ذلك من الاصل أو الثلث مشهور، وسيأتى تحقيق الحال فيها ان شاء الله تعالى في المسائل الاتية. واما المسألة الثانية فالوجه في سعي العبد في باقى قيمته بالشرط المذكور،


[ 510 ]

ان ذلك قاعدة كلية في كل موضع يصير بعضه حرا، فانه يجل عليه السعي في فك رقبته من جميع ما يكتسبه فاضلا عن مؤنته، لا أنه يختص بنصيب الحر خاصة، كما صرحوا به. وأما الوجه في فك العتق له كان له مال فاضلا عما ذكرناه، فلان سبب السراية هو العتق الذي وقع المال، وقد وقع في حال المرض كما هو المفروض، واعتبر من الثلث، فيكون مسببه وهو السراية كذلك، يكون من الثلث، هذا خلاصة ما ذكروه في المقام. ومنها مالو أوصى بعتق رقبة مؤمنة وجب، فان لم يجد أعتق من لا يعرف بنصب، والمراد بالمؤمنة هو الايمان الخاص، وهو القول بامامة الائمة الاثنى عشر عليهم السلام وأنه مع تعذر ذلك يعتق من لا ينصب، والمراد بهم المستضعفون، والجاهلون بأمر الامامة، وهم أكثر الناس في زمان الائمة عليهم السلام كما استفاضت به الاخبار من تقسيم الناس يومئذ إلى الاصناف الثلاثة، مؤمن، وضال وهو من لا يعرف ولا ينكر، وكافر، وهو من انكر الولاية، وقد تقدم تحقيق ذلك في مواضع، ولا سيما في كتاب الطهارة، وهذا القسم أعنى أهل الضلال مما صرحت الاخبار بأنهم من المسلمين، وليسوا بالمؤمنين، ولا الكافرين، وأنهم في الدنيا يعاملون بمعاملة المسلمين، وتجرى عليهم أحكام الاسلام، وفي الاخرة من المرجئين لامر ا لله، إما يعذبهم، وإما يتوب عليهم، بل ربما دلت بعض الاخبار على دخولهم الجنة بسعة الرحمة الالهية، وأما المنكرون للامامة وهم المشار إليهم في الاخبار بالنصاب، فهم من الكافر الحقيقيين، خلافا للمشهور بين علمائنا المتأخرين، ولتحقيق المقام محل آخر. وكيف فمما يدل على الحكم المذكور ما رواه ثقة الاسلام في الكافي عن علي بن ابى حمزة (1) ” قال: سألت عبدا صالحا عن رجل هلك فأوصى بعتق


(1) الكافي ج 7 ص 18 ح 10 بزيادة كلمة مسلمة، الوسائل ج 13 ص 462 ح 2.


[ 511 ]

نسمة بثلاثين دينارا فلم يوجد له بالذي سمى ؟ ما أرى لهم أن يزيدوا على الذي سمى، قلت: فان لم يجدوا ؟ قال: يشترون من عرض الناس ما لم يكن ناصبا “. وما رواه الصدوق في الفقيه عن على بن أبى حمزة (1) عنه عليه السلام أنه قال ” فليشتروا من عرض الناس ما لم يكن ناصبيا “. وما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح أو الحسن إلى على بن أبى حمزة (2) ” قال سألت ابا الحسن عليه السلام عن رجل أوصى بثلاثين دينارا يعتق بها رجل من أصحابنا فلم يوجد بذلك قال: يشترى من الناس فيعتق “. وشيخنا في المسالك لم يورد دليلا ” على القول المذكور إلا الرواية الاخيرة، ثم اعترضها بضعف السند بعلي بن أبي حمزة، قال فالحكم بها مع مخالفة مقتضى الوصية ضعيف، ثم قال: ومع ذلك فليس في الرواية تقييد بعدم النصب، لكن اعتبره الجماعة نظرا إلى أن الناصبي كافر، وعتق الكافر غير صحيح، فالقيد من خارج، إلى ان قال: والاقوى أنه لا يجزى غير المؤمنة مطلقا، فيتوقع المكنة، انتهى. أقول: أما الرد بضعف السند فليس بمسموع عندنا، ولا عند المتقدمين، ولا معتمد مع أن أصحاب هذا الاصطلاح متى اتفق الاصحاب على العمل بالخبر تلقوه بالقبول، والامر كذلك إذ لا مخالف في الحكم فيما أعلم، على أنه قد تقدم منه قريبا في مسألة عدم قبول شهادة الوصي مع التهمة، ما يدل على تمسكه بالشهرة وان كانت خالية من الدليل بالكلية، فان بعد أن استحسن مذهب ابن الجنيد عدل منه إلى المشهور من حيث الشهرة لاغير، كما تقدم ايضاحه. وأما طعنه في الرواية بأنها خالية من التقييد بعدم النصب، ففيه أن الروايتين


(1) الفقيه ج 4 ص 159 ح 554. (2) الكافي ج 7 ص 18 ح 9، التهذيب ج 9 ص 220 ح 863، الفقيه ج 4 ص 159 ح 355، وهما في الوسائل ج 13 ص 462 ح 2 و 1.


[ 512 ]

الاخيرتين قد صرحتا بما ذكره الاصحاب من الشرط المذكور. فان قيل: ان الروايتين لا دلالة لهما على كون الرقبة الموصى بها مؤمنة كما هو المدعى، ولعله لهذه الجهة لم يورد شيخنا المذكور هذين الخبرين. قلنا: هذا غلط محض، فان المسئول عنه وان كان مجملا، لكن الحمل على المؤمنة معلوم من جوابه عليه السلام، وهو قرينة على أن المسئول عن يومئذ إنما هو الرقبة المؤمنة، وذلك فان الامر بالشراء بعد تعذر المأمر به بتلك القيمة لمن كان من عرض الناس، إلا أن يكون ناصبيا، ظاهر في كون المأمور به رقبه مؤمنة، والتفضيل فيه جار على ما قدمناه من تقسيم الناس إلى تلك الاقسام الثلاثة في وقتهم عليهم السلام، وان المراد بهذا الذى هو من عرض الناس هم الضلال الذين لا يعرفون ولا ينكرون، فانا قد أشرنا سابقا إلى أن المفهوم من الاخبار أن جل الناس في وقتهم كانوا من هذا الصنف. وبالجملة فان الحكم بما هو مشهور صحيح، ولا يعتريه فتور ولا قصور وما يدل على جواز عتق المستضعفين المشار إليهم في هذه الاخبار بعرض الناس اختيارا لانهم من المسلمين، فتجرى عليهم أحكام الاسلام التى من جملتها العتق. صحيحة الحلبي (1) ” قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: الرقبة تعتق من المستضعفين ؟ قال: نعم ” إلا أن الظاهر تقييده بما إذا لم تكن الرقبة مشروطا ” فيها أن تكون مؤمنة. ومنها أنه لو أوصى بعتق رقبة بثمن معين فلم يجدها بذلك الثمن، بل وجدها بأكثر منها لم يجب شراؤها، ولم تجب عليه الزيادة، ويدل عليه ما تقدم في رواية علي بن أبى حمزة، حيث قال السائل ” فلم توجد بالذى سمي، فقال عليه السلام: ما أرى لهم أن يزيدوا على الذى سمي ” وحينئذ فيجب عليه الصبر، وتوقع


(1) الكافي ج 6 ص 182، الوسائل ج 16 ص 23 ح 1.


[ 513 ]

وجودها بما على له، فان يئس من ذلك ففي بطلان الوصية أو صرفه في البر أو شراء شقص به، فان تعذر فأحد الامرين أوجه، استجود في المسالك شراء الشقص قال: لانه أقرب إلى مراد الموصي من عدمه، ولعموم ” فأتوا منه ما استطعتم “. أقول: لا يخفى أن الاظهر بناء على ما تقدم في نظائر هذه المسألة هو الصرف في وجوه البر، إلا أن يجعل ما ذكره من شراء الشقص داخلا في وجوه البر، وتكون هذه الوجوه التى ذكرها مؤيدة. وكيف كان فالظاهر هو الصرف في وجوه البر كيف كان، ونقل عن التذكرة الميل إلى القول بالبطلان، حيث نفى عنه البأس، وفيه ما عرفت في أصل المسألة المتقدمة من صون هذا القول، لان هذه الصورة أحد جزئيات تلك المسألة، ولو وجدت بأقل اشتراها وأعتقها، ورفع ما بقي من الموصى به. ويدل على الحكم المذكور ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في الصحيح إلى سماعة، فيكون الموثق (1) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أوصى أن يعتق عنه نسمة بخمسمائة درهم من ثلثه، فاشترى الوصي نسمة بأقل من خمسمائة درهم، وفضلت فضلة، فما ترى ؟ قال: تدفع الفضلة إلى النسمة من قبل أن تعتق، ثم تعتق عن الميت “. قال في المسالك: والرواية مع ضعف سندها بسماعة دلت على اجزاء الناقصة وان أمكنت المطابقة، لانه لم يستفصل فيها، هل كانت المطابقة ممكنة أم لا ؟ وترك الاستفصال من وجوه العموم، إلا أن الاصحاب نزلوها على تعذر الشراء بالقدر، ولا باس بذلك مع الياس من العمل بمقتضى الوصية، لوجوب تنفيذها بحسب الامكان، واعطاء النسمة الزايد صرف له في وجوه البر، وهو في محله حينئذ، وتبقى الرواية شاهدا ان لم تكن حجة، لان سماعة وان كان واقفيا


(1) الكافي ج 7 ص 19 ح 13، التهذيب ج 9 ص 221 ح 868، الفقيه ج 4 ص 159 ح 557، الوسائل ج 13 ص 465 الباب 77.


[ 514 ]

لكنه ثقة، فتبنى حجيتها على قبول الموثق، أو على جبر الضعف بالشهرة، وعلى ما بيناه لا ضرورة إلى ذلك، لموافقة مضمونها للقواعد إذا قيدت باليأس من تحصيل النسمة بالشرط، انتهى. أقول: الظاهر والله سبحانه وأولياؤه أعلم أن الموصي أوصى بشراء نسمة تكون مما يساوى هذا الثمن عرفا “، واتفق حصول بعض أفراد هذا النوع بأقل من هذا الثمن، فلا الحكم فيه ما ذكر من صحة الشراء واعطاء الزائد النسمة. أما صحة الشراء فلان المفروض أنه من النوع الذى أمر به، وان اتفق حصوله بأقل من الثمن المعين، لان الموصي انما قصد بتعيين الثمن بيان النوع الذى يريده، بمعنى أنه يكون من الانواع التى تكون قيمتها بحسب العرف والعادة خمسمائة درهم، فالغرض إنما هو بيان النوع، والذى اشتراه الوصي من هذا النوع، إلا أنه اتفق له بأقل من الثمن المحدود، وحينئذ فزيادة الثمن ونقصانه غير ملحوظ، في الامر بالشراء، وانما الملحوظ تعيين النوع، وقد حصل، فلا مخالفة في الرواية بوجه من الوجوه، ولا يحتاج إلى تنزيلها على تعذر الشراء بالقدر، كما نقله عن الاصحاب، ولا إلى الحمل على اليأس من العمل بمقتضى الوصية كما ذكره، لان العمل بمقتضى الوصية قد حصل بشراء تلك النسمة، حيث انها من النوع الذي إراده الموصي، والثمن لا مدخل له في ذلك حيث أنه إنما ذكر لبيان ذلك النوع ومعرفته، لان أنه ملحوظ له أولا وبالذات كما توهمه حتى أنه بالنقصان عنه قد خالف مقتض الوصية، وما ذكرناه بحمد الله سبحانه صحيح، لا قصور ولا ريب يعتريه. وأما صرف الزائد فهو يرجع إلى صرفه في وجوه البر، كما هو المقرر في مثله.


[ 515 ]

بقي الكلام في أن الرواية دلت على إنه المعتق بعد اعطاء الزائد النسمة والمفهوم من كلام الاصحاب عدم التقييد بذلك، وأنه لا فرق في دفع الزائد إلى النسمة بين كونه قبل العتق أو بعده، والله العالم. ومنها أنه لو أعتق رقبة بظن أنها مؤمنة، ثم بانت بخلاف ذلك، قالوا: أجزأت عن الموصى له، وعلله في المسالك بأنه متعبد في ذلك بالظاهر، لا بما في نفس الامر، إذ لا يطلع على السرائر إلا الله، فقد امتثل الامر، وهو يقتضى الاجزاء، انتهى وهو جيد. أقول: ويدل عليه أيضا ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله تعالى مراقدهم) عن عمار بن مروان (1) عن أبى عبد الله عليه السلام في حديث قال فيه ” قلت: وأوصى بنسمة مؤمنة عارفة فلما أعتقناه بان لنا أنه لغير رشدة، فقال: فقد أجزأت عنه ” وزاد في الكافي الفقيه ” إنما ذلك مثل رجل اشترى اضحية على انها سمينة فوجدها مهزولة، فقد أجزأت “، والمراد بقوله ” لغير رشدة ” يعنى ولد الزنا وفي الخبر اشارة واضحة إلى عدم ايمان ولد الزنا كما هو حق عندي في المسألة، وقد تقدم تحقيق القول فيه في كتاب الطهارة.

المقصد الخامس

في الموصى له

وفيه مسائل:

الاولى: الظاهر أنه لا خلاف بين الاصحاب (رضوان الله عليهم) في أنه يشترط في الموصى إليه الوجود حال الوصية لميت بطلت، وكذا لو أوصى لمن يظن وجوده، ثم تبين أنه قد مات حال الوصية، قالوا، والوجه في ذلك أن الوصية لما كانت عبارة عن تمليك عين أو منفعة كما تقدم من تعريفها بذلك، فلا بد من أن يكون الموصى له قابلا ” للتمليك، ليتحقق مقتضاها، فلا تصح الوصية للميت ولا لما تحمله المرأة، ولا لمن علم موته حين الوصية، للعلة المذكورة.


(1) الكافي ج 7 ص 62 ح 17، التهذيب ج 9 ص 236 ح 920، الفقيه ج 4 ص 172 ح 603، الوسائل ج 13 ص 481 ح 2.


[ 516 ]

قال في المسالك: وأما الوصية لمن سيوجد، فقد أطلق الاصحاب وغيرهم المنع منه، ولو بالتبعية للموجود، مع أنه قد تقدم جواز الوقف على المعدوم تبعا للموجود، ودائرة الوقف أضيق من دائرة الوصية، كما يعلم من أحكامها، ويمكن الفرق بينهما لافتراقهما في هذا الحكم بأن الغرض من الملك في الوقف ملك العين على وجه الحبس، واطلاق الثمرة، والموقوف حقيقة هو العين، وملكها حاصل للموقوف عليه الموجود، ثم ينتقل منه إلى المعدوم، وان كان يتلقى الملك من الموقوف، ففائدة الملك المقصودة منه متحققة فيهما، بخلاف الوصية فانه لو أوصى إلى موجود، ثم إلى معدوم بلك الموصى به أولا “، فان مقتضى الوصية تمليك الموصى له، فيكون الموصى به ملكا لذلك الموجود يتصرف فيه كيف يشاء، ولو ببيعه واخراجه عن ملكه، وهذا مما ينافي الوصية للمعدوم بها، لان الوصية له يقتضى تمليكه أيضا “، والحال أن العين الموصى بها قد صارت ملكا للاول، ويلزم أيضا انه بالوصية إلى المعدوم من أول الامر ينتقل العين الموصى بها إليه، كما هو مقتضى الوصية، معأنه معدوم في ذلك الوقت ولا يصلح للتملك. نعم لو كانت الوصية بثمرة بستان لزيد، ولاولاده المتجددين من بعده وهذا موضع شبهة في المقام، فانه وان لم يأت فيه ما تقدم من المحذور الاول، إلا أن الثاني آت فيه، لانه بالوصية إلى زيد ولاولاده ينتقل الموصى به إلى كل منهما، وكل منهما يوصى له بطريق الاستقلال لان الثمرة التي تملكها الاول بالوصية غير الثمرة التي تملكها الاخر في زمانه، ومقتضى الوصية التمليك، فيلزم بمجرد الوصية تملك المعدوم، مع أنه غير قابل للتملك، ولو بالتبعية، بخلاف الوقف، لان الملك متحقق للموجود في الاصل، ابتداء، ومنه نتقل إلى المعدوم بعد وجوده، ويزيد ذلك تأييدا أو تعليلا وتشييدا أن الوصية كما عرفت من المملكات موجبة لنقل الملك من الموصى إلى الموصى له، فلابد من الدليل الشرعي على صحة تملك الوصية، ليترتب عليها الاثر المذكور، والذى عليم من الادلة والاخبار الواردة في


[ 517 ]

باب الوصية هو تخصيص ذلك بالوصية إلى الموجود، والحكم بالصحة في المعدوم يتوقف على الدليل، وليس فليس.

الثانية: الظاهر أنه لا خلاف بين الاصحاب (رضي الله عنهم) في صحة الوصية للوارث والاجنبى وغير الوارث من الا رقاب، والخلاف هنا إنما هو من الجمهور، فان أكثرهم على عدم جوازها للوارث، ورووا في ذلك عنه (1) (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه ” قال: لا وصية لوارث ” ويدل على ما ذكره الاصحاب الاية، وهي قوله عزوجل (2) ” كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت ان ترك خيرا ” الوصية للوالدين والاقربين ” ومن الظاهر أن الوالدين يكونان وارثين البتة، فهي صريحة في جواز الوصية للوارث، والاقارب قد يكونوا وارثين أيضا ” فتدل الاية ايضا على ذلك باطلاقها، فالمراد بقوله في الاية ” كتب ” ليس للوجوب، بل المراد التأكيد والحث على ذلك. وقد اضطرب كلام العامة في المقتضى عن الاية والجواب عنها، فقيل: بأنها منسوخة بآية المواريث وقد رواه العياشي في تفسيره عن ابن مسكان عن أبى جعفر عليه السلام في قوله تعالى ” كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت ان ترك خيرا ” الوصية للوالدين والاقربين ” قال: هي منسوخة نسختها آية الفرائض التي هي المواريث وجملة من أصحابنا حملوا هذه الرواية على التقية، لما عرفت من أن المنع مذهب العامة. ويحتمل قريبا حمل النسخ فيها على نسخ الوجوب، فان ظاهر الاية الوجوب وأنه قد نسخ بآية الموارث، فلا ينافي الجواز بل الاستحباب. ومنهم من حمل الوالدين على الكافرين، وباقى الاقارب على غير الوارث


(1) الجامع الصغير ج 2 ص 204 الطبعة الرابعة دار الكتب العلمية. (2) سورة البقرة الاية 180. (3) تفسير العياشي ج 1 ص 77 ح 167، الوسائل ج 13 ص 376 الباب 15 ح 15.


[ 518 ]

منهم جميعا “، ومنهم من جعلها منسوخة فيما يتعلق بالوالدين خاصة. قال في المسالك: ويبطل الاول بأن الشئ انما ينسخ غيره إذا لم يمكن الجمع بينهما، وهو هنا ممكن بحمل الارث على ما زاد عن الثلث، كغيرها من الوصايا، وبه يبطل الباقي، قال: والخبر على تقدير تسليمه يمكن حمله على نفي وجوب الوصية الذي كان قبل نزول الفرائض، أو على نفي الوصية مطلقا، بمعنى امضائها، وان زادت عن الثلث، كما يقتضيه اطلاق الاية، والمراد نفي الوصية عما زاد عن الثلث. ثم ان مما يدل على الوصية للوارث الاخبار المتكاثرة، ومنها ما رواه في الكافي عن أبى بصير (1) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الوصية للوارث، فقال: تجوز. وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن أبي ولاد الحناط (2) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الميت يوصى للوارث بشئ ؟ قال: نعم، أو قال جائز له “. وما رواه في الكافي عن محمد بن مسلم (3) في الصحيح ” عن أبى جعفر عليه السلام قال: الوصية للوارث لا بأس بها “. وعن محمد بن مسلم (4) في الموثق ” قال: سألت ابا عبد الله عليه السلام عن الوصية للوارث ؟ قال: تجوز “. وما رواه المشايخ الثلاثة عن محمد بن مسلم (5) في الموثق عن أبى جعفر عليه السلام ” قال: سألته عن الوصية للوارث ؟ فقال: تجوز، قال: ثم تلا هذه الاية ” ان ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين “. وفي هذا الخبر ما يؤذن بحمل خبر العياشي على المعنى الثاني، وهو أن


(1) و (2) و (3) و (5) الكافي ج 7 ص 9 ح 1 و 2 و 3 وص 10 ح 4 و 5، التهذيب ج 9 ص 199 ح 791 و 798، الفقيه ج 4 ص 144 ح 493. وهذه الروايات في الوسائل ج 13 ص 374 ح 3 وص 373 ح 1 وص 374 ح 4 و 5 وص 373 ح 2.


[ 519 ]

المراد نسخ الوجوب، فان الامام عليه السلام قد استدل بها على جواز الوصية للوارث، ومادان إلا باعتبار حمل قوله ” كتب ” على تأكيد الاستباب. وأما ما رواه الشيخ عن القاسم بن سليمان (1) ” قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اعترف لوارث بدين في مرضه، فقال: لا تجوز وصية لوارث ولا اعتراف ” فقد أجاب عنه الشيخ في التهذيبين بالحمل على التقية، قال لموافقته مذاهب العامة ومخالفته للقرآن، وحمله في الفقيه على أكثر من الثلث.

الثالثة: اختلف الاصحاب في جواز الوصية للذمي على أقوال: فقيل: بالصحة مطلقا ” رحما ” كان أو غيره، وهو قول ابن ادريس ومن بتعه، ومنهم المحقق والعلامة. وقيل: بالعدم مطلقا وهو القاضى ابن البراج، وقيل: تصح إذا كان رحما “، ولا تصح ان كان أجنبيا “، نقله الشيخ في ا لخلاف عن بعض أصحابنا. ويدل على الاول قوله عزوجل (2) ” لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين.. إلى قوله أن تبروهم ” والوصية بر. ومن الاخبار ما رواه المشايخ الثلاثة. قدس الله أرواحهم) عن محمد بن مسلم (3) في الصحيح ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أوصى بماله في سبيل الله فقال: أعطه لمن اوصى به له، وان كان يهوديا ” أو نصرانيا ” أن الله تبارك وتعالى يقول (4): فمن بدله بعد ما سمعه فانما إثمه على الذين يبدلونه “. وما رواه في الكافي والتهذيب بسند صحيح غير الاول عن محمد بن مسلم (5)


(1) التهذيب ج 9 ص 200 ح 799، الوسائل ج 13 ص 375 ح 12. سورة الممتحنة الاية 8. (3) التهذيب ج 9 ص 203 ح 808، الكافي ج 7 ص 14 ح 1، الفقيه ج 4 ص 48 ح 514، الوسائل ج 13 ص 411 الباب 32. (4) سورة البقرة الاية 181. (5) الكافي ج 7 ص 14 ح 2، التهذيب ج 9 ص 201 ح 804، الوسائل ج 13 ص 411 الباب 32 ذيل الرواية الاولى.


[ 520 ]

عن أحدهما عليها السلام مثله بأدنى تفاوت. وما رواه المشايخ الثلاثة ايضا عن يونس بن يعقوب (1) ” أن رجلا كان بهمدان ذكر أن أباه مات، وكان لا يعرف هذا الامر، فأوصى بوصية عند الموت وأوصى أن يعطى شئ في سبيل الله فسئل عنه أبو عبد الله عليه السلام كيف يفعل به ؟ فأخبرناه أنه كان لا يعرف هذا الامر، فقال: لو أن رجلا أوصى الي أضع في يهودي أو نصراني لوضعته فيهما، أن الله عزوجل يقول ” فمن بدله بعد ما سمعه فانما إثمه على الذين يبدلونه ” فانظروا إلى من يخرج إلى هذا الوجه يعنى ” بعض الثغور ” فابعثوا به إليه “. واستدل للثاني بان الوصية تستلزم المودة، وهي محرمة بالسنبة إلى الكافر، بقوله تعالى (2) ” لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الاخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبنائهم ” وهي متناولة للارحام وغيرهم. ورده في المسالك فقال: ويضعف بمعارضته بقوله تعالى (3) ” لا ينهاكم الله ” الاية والذمي مطلقا داخل فيها، وبما تقدم من الاخبار، وبقوله (3) (صلى الله عليه وآله وسلم) (4) ” على كل كبد حراء أجرا “، وينتقض بجواز هبته واطعامه ويمنع كون مطلق الوصية له موادة، لان الظاهر أن المراد منها موادة المحاد لله من حيث هو محاد لله بقرينة ما ذكر من جواز صلته، وهو عين المتنازع، لانا لا نسلم أنه لو أوصى للكافر من حيث انه كافر لا من حيث أنه عبد لله وذو روح من أولاد آدم المكرمين لكانت الوصية باطلة ثمانه اختار القول بالصحة مطلقا


(1) الكافي ج 7 ص 14 ح 2، التهذيب ج 9 ص 201 ح 804، الوسائل ح 13 ص 414 ح 4. (2) سورة المجادلة الاية 22. (3) سورة الممتحنة الاية 8. (4) الكافي ج 4 ص 57 ح 2 وفيه ” افضل الصدقة ابراد كبد حرى ” وفي هامش الجامع الصغير ج 2 ص 68 عن صحيح الترمذي لك بكل ذات كبد حراء أجر الوسائل ج 6 ص 330 الباب 49.


[ 521 ]

للاية المتقدمة، والاخبار المذكورة معها. أقول: لقائل أن يقول: ان الاخبار المذكورة لا دلالة فيها على أزيد من وجوب تنفيذ الوصية كما أوصى به الموصي، وهو لا يستلزم جواز ذلك، بل من الممكن أن يكون ما فعله محرما ” يأثم عليه وان وجب تنفيذه على الوصي، واليه تشير الاخبار المذكورة، فان الظاهر من الاخبار أن معنى سبيل الله هو جميع وجوه البر كما تقدم بيانه، وان تفسيره بالجهاد إنما هو مذهب العامة، ولهذا انه عليه السلام في خبر يونس بن يعقوب أمر بصرفه في ذلك لكون الموصي مخالفا. وبالجملة فان النهي عن موادة الذمي وصلته التى من جملتها الوصية له لا ينافي وجوب تنفيذها بالاية المذكورة، ألا ترى أن البيع بعد النداء يوم الجمعة محرم يأثم فاعله مع أنه صحيح لو وقع، ومرجع ذلك إلى أن الاية قد دلت على أنه يجب تنفيذ ما أوصى به حسبما أوصى به، سواء كان ما فعل من الوصية جائزا أو محرما، واثم تحريمه انما يتعلق به، لا بالموصي، نعم تبقى المعارضة بين الايتين المذكورتين، والجمع بينهما مشكل، وقد مر فقي كتاب الوقف مزيد كلامه في ذلك: وأما استناده فيما ذكره إلى الخبر النبوي المذكور، وإلى أنه تجوز هبته واطعامه فهو ناش من الغفلة عن مراجعة النصوص الواردة في هذا الباب، وذلك فانه قد روى ثقة الاسلام في الكافي النهي عن اطعام الكافر، عن أبى يحيى (1) عن بعض أصحابنا ” عن أبى عبد الله عليه السلام قال: من أشبع مؤمنا ” وجبت له الجنة، ومن أشبع كافرا ” كان حقا ” على الله أن يملاء جوفه من الزقوم، مؤمنا ” كان أو كافرا “. وروى الصدوق قدس سره في كتاب معاني الاخبار بسنده فيه عن النهيكى (2) رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام ” أنه قال من مثل مثالا أو اقتنى كلبا فقد خرج من الاسلام فقلت له: هلك إذا كثير من الناس، فقال: انما عنيت ؟ بقولى ” من مثل


(1) اصول الكافي ج 2 ص 200 ح 1، الوسائل ج 16 ص 523 ح 1. (2) معاني الاخبار ص 181، الوسائل ج 16 ص 523 ح 2.


[ 522 ]

مثالا ” من نصب دينا ” غير دين الله ودعى الناس إليه، وبقولي ” من اقتنى كلبا مبغضا لاهل البيت اقتناه فأطعمه وسقاه من فعل ذلك فقد خرج عن الاسلام “. وعن معلى بن الحسين (1) عن أبى عبد الله عليه السلام في حديث ” قال: من أشبع عدوا لنا فقد قتل وليا لنا “. وفي وصيته (صلى ا لله عليه وآله وسلم) لابي ذر المنقولة في كتاب مجالس الشيخ (2): ” يا اباذر لا يأكل طعامك إلا تقي.. إلى أن قال: أطعم طعامك من يحب في الله، وكل طعام من يحبك في الله “. وروى في التهذيب عن عمر بن يزيد (3) ” قال سألته عن الصدقة على النصاب وعلى الزيدية، فقال: لا تصدق عليهم بشئ ولا تسقهم من الماء ان استطعت، وقال: الزيدية هم النصاب “. وعن ابن أبى يعفور (4) ” قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك ما تقول في الزكاة ؟ إلى أن قلت: فيعطى السؤال منها شيئا ” ؟ قال: فقال: لا والله إلا أن ترحمه فان رحمته فاعطه كسرة ثم أومى بيده فوضع ابهامه على أصول أصابعه “. وفي رواية ابى بصير (5) ” عن الصادق عليه السلام قال: أبو عبد الله عليه السلام أترون أنما في المال الزكاة وحدها، ما فرض الله في المال من غير الزكاة أكثر، تعطى منه القرابة والمعترض لك ممن يسألك فتعطيه ما لم تعرفه بالنصب، فإذا عرفته بالنصب فلا تعطه إلا أن تخاف لسانه فتشتري دينك وعرضك منه “. إلى غير ذلك من الاخبار الكثيرة الدلالة على ذلك، وهي مؤيدة لما دلت


(1) معاني الاخبار ص 365. (2) امالي الشيخ الطوسي ج 2 ص 148 ط النجف الاشرف. (3) و (4) التهذيب ج 4 ص 53 ح 141 و 142. (5) الكافي ج ص 551 ح 2. وهذه الروايات في الوسائل ج 16 ص 524 ح 3 و 4 وج 6 ص 288 ح 2 وص 153 ح 6 وص 170 ح 1.


[ 523 ]

عليه الاية المذكورة أعنى قوله تعالى (1) ” لا تجد قوما ” الاية ويعضده هذه الاية أيضا قوله عزوجل (2) ” يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جائكم من الحق ” إلى ان قال ” ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل ان يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا اليكم أيديهم والسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون “. وأنت خبير بما فيها من التسجيل على النهي عن الموادة لهم على أبلغ وجه وأكده، ولا ريب أن الوصية لهم نوع محبة كما لا يخفى، وبما ذكرناه من الاعتضاد بهذه الاية والاخبار المذكورة يظهر ترجيح العمل بآية ” لا تجد قوما ” على الاية الاخرى وهي (3) ” لا ينهاكم الله ” الاية. ومن المحتمل قريبا تخصيص هذه الاية بمعنى لا ينافي ما دلت عليه تلك الايات والاخبار، كما ذكره الطبرسي في كتاب مجمع البيان، قال: اي ليس ينهاكم الله عن مخالطة أهل العهد الذين عاهدوكم على ترك القتال، وبرهم ومعاملتهم بالعدل، وهو قوله (4) ” ان تبروهم وتقسطوا إليهم ” أي وتعدلوا فيما بينكم وبينهم من الوفاء بالعهد، نقل ذلك عن الزجاج، وإذا قام هذا الاحتمال فلا دلالة في الاية على المخالفة، ثم نقل قولا بأنها منسوخة بآية (5) ” اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ” عن أبن عباس والحسن وقتادة وعلى هذا فلا اشكال أيضا ” إلا أن ظاهر كلامه الاخير يؤذن بالمخالفة، وقد تقدم نقله في كتاب الوقف. والمراد بالناصب في هذه الاخبار هو المخالف الغير المستضعف، ولا الجاهل بالامامة لا ما يتوهمه متأخر وأصحابنا من المعلن بعداوة أهل البيت عليهم السلام كما


(1) سورة المجادلة الاية 22. (2) سورة الممتحنة الاية 1. (3) و (4) سورة الممتحنة الاية 8. (5) سورة التوبة الاية 5.


[ 524 ]

تقدم تحقيقه في غير مقام، ولا سيما في كتب العبادات. وبذلك يظهر لك ما في قوله ” انا لا نسلم أنه لو أوصى للكافر من حيث انه كافر لكانت الوصية باطلة ” فان فيه ما عرفت من أنه لا منافات بين انفاذ الوصية بعد وقوعها، وعدم جواز الوصية له، ومحل البحث إنما هو جواز الوصية، وقد دلت الاخبار التى سردناها على عدم جواز صلة الكافر، والوصية من جملة ذلك، فلا يجوز حينئذ، ولكن بعد وقوعها وإن أثم الموصى بذلك لا تجوز مخالفته لمقتضى الاخبار المذكورة المعتضدة بالاية الدالة على النهي عن التبديل والمخالفة لما أوصى به. واستدل للقول الثالث بما ورد من الحث على صليه الرحم مطلقا، فيتناول الذمي، ورد بأن ذلك غير مناف لما دل على صلة غيره. أقول: هذا الجواب انما يتم لودل الدليل على صلة غيره ممن هو محل البحث، وأما على ما ذكرناه من عدم جواز ذلك كما عرفته، فالقول المذكور وما علل به جيد لا باس به، إلا أنه يمكن أن يقال: انه قد تعارض هنا عمومان: أحدهما ما دل على صلة الرحم متدينا ” كان أو غيره، وثانيهما ما دل على المنع من صلة الكافر مطلقا رحما كان أو غيره، كما عرفت من الاخبار التي ذكرناها، وتخصيص أحد العمومين بالاخر يحتاج إلى دليل، ومن ذلك يظهر أن الاظهر هو القول بالمنع مطلقا، ويؤيده أنه الاحوط من هذه الاقوال، والاحتياط أحد المرجحات الشرعية في مقام التعارض بين الادلة، هذا بالنسبة إلى الذمي، وأما الحربي والمراد به ما هو أعمك من الوثني أو الذمي الذى لا يقوم بشرائط الذمة، والظاهر أن المشهور بينهم هو عدم صحة الوصية له، واستدل عليه بقوله تعالى (1) ” انما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين ” الاية، والحربي ناصب نفسه لذلك.


(1) سورة الممتحنة الاية 9.


[ 525 ]

قال في المسالك: وفيه نظر ولان الحربي قدلا يكون مقاتلا ” بالفعل بل ممتنعا من التزام شرائط اللذمة فلا يدخل في الآية وقوله عليه السلام في الخبر السابق اعطه لمن أوصى له وان كان يهوديا أو نصرانيا واستشهاده بالآية يتناول بعمومه الحربى لان من عامة في المتنازع وكذلك اليهودي والنصراني شامل للذمي وغيره، حيث للذمي وغيره، حيث لا يلتزم بشرائط الذمة، انتهى. أقول: من المحتمل قريبا ” بل الظاهر انه هو المراد أن المراد بالقتال في الدين انما هو بعد طلبهم إلى الدخول في الدين أو القيام بالجزية ان كانوا من أهل الكتاب بمعنى انهم إذا طلبتموهم إلى ذلك قاتلوكم ولم يجيبوا دعوتكم ونصبوا لكم القتال لا أن المراد أنهم يبتدوئكم بالقتال وينصبون لكم الحرب وان لم تدعوهم إلى الاسلام إذ من الظاهر أن أهل مكة الذين هم مورد الآية وغيرهم انما قاتلوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد الدعوة إلى الاسلام وطلبهم إلى الدخول فيه وإلا فلو كف عنهم لكفوا عنه ولم يقاتلوه بالكلية وأما الاستناد إلى ما ذكره من قوله عليه السلام في الخبر السابق اعطه لمن أوصى له وان كان يهوديا ” فان فيه ما قدمنا تحقيقه من أنه لا يلزم من وجوب التنفيذ صحة الوصية بل يجب على الوصي انفاذ ما أوصى به وان كان أصل الوصية منهيا عنه، جمعا بين الايات والاخبار الدالة على النهي عن صلة الكافر وموادته، الوصية من قبل ذالك، وبين الاخبار المشار إليها الدالة صريحا على وجوب تنفيذ ما أوصى به، وليس فيما ذكرناه من هذا القول ما يطعن به عليه، إلا كونه خلاف المشهور بينهم، وإلا فالقواعد الشرعية لا تنافيه بل تعضده، كما تقدمت الاشارة إليه. ثم اما استدل به على عدم صح الوصية للحربي وكذا الوقف عليه أن مال الحربي فئ للمسلمين، فلا يجب دفعه إليه لانه غير مالك، فلو جازت


[ 526 ]

الوصية له لكان إما أن يجب على الوصي دفعه إليه وهو باطل لما تقدم، أو لا يجب وهو المطلوب، إذ لا معنى لبطلان الوصية إلا عدم وجوب تسليمها إلى الموصى له. واعترضه في المسالك بأن فيه منع استلزام عدم وجوب دفع الوصية إليه بطلانها، لان معنى صحتها ثبوت الملك له إذا قبله فيصير حينئذ ملكا من أملاكه يلزمه حكمه، ومن حكمه جواز أخذ المسلم له، فإذا حكمنا بصحة وصيته، وقبضه الوصي ثم استولى عليه من جهة أنه مال الحربي، لم يكن منافيا لصحة الوصية، وكذا لو منعه الوارث لذلك، وان اعترفوا بصحة الوصية. وتظهر الفائدة في جواز استيلاء الوصي على العين الموصى بها الحربي، فيختص بها دون الورثة، وكذا لو استدلى عليها بعض الورثة دون بعض، حيث لم يكن في أيديهم ابتداء، ولو حكمنا بالبطلان لم يأت هذا، بل يكون الموصى به من جملة التركة، لا يختص بأحد من الورثة. أقول: يمكن أن يقال: أن مراد المستدل المذكور هو أنه لما اباح الشارع ماله وجعله فيئا للمسلمين، دل ذلك على كونه غير أهل للملك، بمعنى أنه لا يدخل شئ في ملكه، بأي نحو كان، وأن هذا المال الذي كان عنده انما هو بمنزلة الاشياء المباحة للناس، كل من سبق إليه وحازه ملكه دون غيره، وكونه في يده قبل الاستيلاء عليه بالقهر والغلبة من المسلمين، لا يدل على الملك، وعلى هذا فلا يجوز ادخال شئ في ملكه بوصية أو غيرها، حتى أنه بعد الدخول في ملكه يصير فيئا للمسلمين، كما ذكره (قدس سره) بل تصبر ؟ الوصية إليه باطلة، ويكون الموصى به من جملة التركة كما ذكره أخيرا، وهو احتمال قريب وجيه لا بد لنفيه من دليل.

الرابعة: قالوا: لا تصح الوصية لمملوك الأجنبي ولا لمدبره، ولا لام ولده، ولا لمكاتبه المشروطة، أو الذي لم يود من مكاتبته شيئا، وان أجاز مولاه. أقول: أما عدم جواز الوصية لمملوك الغير قنا كان أو مدبرا أو أم ولد،


[ 527 ]

فاستدلوا عليه بانتفاء أهلية الملك بالنسبة إلى هؤلاء، وهو شرط في صحة الوصية. وفيه أن هذا إنما يتم على القول بأن المملوك لا يملك شيئا ” مطلقا، كما هو أحد الاقوال في المسألة، وأما على القول بأنه يملك وان كان في التصرف محجورا إلا باذن المولى، فانه لا مانع من صحة الوصية له، فيعتبر قبوله كغيره، وربما استدل على عدم الصحة برواية عبد الرحمن بن الحجاج (1) عن أحدهما عليهما السلام ” قال: لا وصية لمملوك “. وفيه أن الخبر كما يحتمل نفي الوصية من الغير له، كذلك يحتمل نفى أن يوصى المملوك لغيره، لاحتمال أن يكون الاضافة هنا إلى الفاعل، أو المفعول. وأما بالنسبة إلى مكاتب الغير إذا كان مشروطا أو مطلقا ولم يود شيئا بالكلية، فالمشهور أن الحكم فيه كما في سابقه، لبقاء المملوكية. وقيل: بصحة الوصية للمكاتب مطلقا، لانقطاع سلطنة المولى عنه، ولهذا يصح بيعه واكتسابه، وقبول الوصية نوع من الاكتساب. أقول: والذي وقفت عليه من الروايات المتعلقة بالمكاتب ما رواه المشايخ الثلاثة (قدس الله ارواحهم) في الصحيح عن محمد بن قيس (2) عن أبى جعفر عليه السلام في مكاتب كذا في كتابي الكافي والتهذيب وفي الفقيه ” عن أبى جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في مكاتب كانت تحته امرأة حرة، فأوصت له عند موتها بوصية فقال: أهل الميراث لا نجيز وصيتها له، انه مكاتب لم يعتق ولا يرث، فقضى أنه يرث بحساب ما اعتق منه، ويجوز له من الوصية بحساب ما أعتق منه، وقضى في مكاتب أوصى له بوصية وقد قضى نصف ما عليه فأجاز له نصف الوصية وقضى في مكاتب قضى ربع ما عليه فأوصى له بوصية فأجاز ربع الوصية، وقال في رجل حر أوصى لمكاتبه، وقد قضت سدس ما كان عليها وأجاز بحساب ما أعتق منها “.


(1) التهذيب ج 9 ص 216 ح 852. (2) الكافي ج 7 ص 28 ح 1، التهذيب ج 9 ص 223 ح 874، الفقيه ج 4 ص 160 ح 558. وهما في الوسائل ج 466 13 ح 2 وص 468 الباب 80.


[ 528 ]

وشيخنا في المسالك بناء على ما حصل له من الوهم في محمد بن قيس في أمثال هذا السند من كونه مشتركا، والحديث به ضعيف، رد هذه الرواية بذلك، بعد أن أوردها دليلا للقول الاول، واختار القول الثاني وجعله الاقوى، وهو ضعيف، فان محمد بن قيس في هذا السند وأمثاله هو الثقة، كما قطع به جملة من تأخر عنه، ومنهم سبطه السيد السند في شرح النافع، فتكون الرواية صحيحة بحسب العمل بمقتضى هذا الاصطلاح، هذا مع تأيدها بجملة من الاخبار الدالة على أن المكاتب إذا أوصى صحت وصيته بقدر ما أعتق منه خاصة، ومقتضى كلامه المتقدم صحة وصيته مطلقا، ولا نقطاع سلطنة المولى عنه إلى آخر ما ذكره، مع أن الاخبار قد قصرت الصحة على قدر ما انعتق منه. ومنها صحيحة محمد بن قيس (1) ” عن أبى جعفر عليه السلام قال قضى امير المؤمنين عليه السلام في مكاتب قضى بعض ما كوتب عليه أن يجاز من وصيته بحساب ما أعتق عنه، وقضى في مكاتب قضى نصف ما عليه فأوصى بوصية فأجاز نصف الوصية، وقضى في مكاتب قضى ثلث ما عليه، وأوصى بوصية فاجاز ثلث الوصية “. وصحيحة أبان (2) عمن حدثه ” عن أبى عبد الله عليه السلام أنه قال: في مكاتب أوصى بوصية، قد قضى الذي كوتب عليه الاشياء يسيرا فقال: تجوز بحساب ما أعتق منه “. ورواية محمد بن قيس (3) ” عن أبى جعفر عليه السلام في حديث قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في وصية مكاتب قد قضى بعض ما كوتب عليه أن تجاز من وصيته بحساب ما أعتق منه “. وبذلك يظهر لك مزيد ضعف القول المذكور.

تنبيهات:

الاول: قال في المختلف: المشهور أنه لا تصح الوصية لعبد الغير ولا لمكاتبه المشروط وغير المؤدي، وقال الشيخ في المبسوط وتبعه ابن البراج: إذا أوصى


(1) و (2) التهذيب ج 9 ص 223 ح 876 و 875، الوسائل ج 13 ص 468 ح 1 وص 469 الباب 81 ح 2 وص 468 الباب 81 ح 1. (3) هذه الرواية تكرار منه (قدس سره).


[ 529 ]

لعبد نفسه أو لعبد ورثته كان ذلك صحيحا، لان الوصية للوارث عندنا تصح، وكذا ان أوصى لمكاتبه أو لمكاتب ورثته كان الوصية صحيحة، ولو أوصى لعبد الأجنبي لم تصح الوصية، لما ورد في الخبر في ذلك، وفي كلامه نظر، فان الوصية للعبد ان كانت وصية لمولاه صحت، وان كان العبد لاجنبي، لانه تصح الوصية له وان لم يكن يبق فرق بين الوارث والاجنبى، وبالجملة فهذا التفصيل مشكل، انتهى.

الثاني: قال في المختلف: قال الشيخ المفيد (رحمة الله عليه) إذا أوصى لعبد له كاتبه جاز مما أوصى له بحساب ما أعتق عنه، ويرجع الباقي إلى مال الورثة، وكذا قال سلار، وقال ابن البراج: يصح أن يوصى لمكاتبه، وهو المشهور، فان قصد المفيد برجوع الباقي إلى الورثة من غير أن يسقط من مال الكتابة بقدره بل يكون لهم مجانا، لزم إبطال الوصية للمكاتب سواء كان الموصى المالك أو غيره، وهو مخالف لظاهر فتوى الاصحاب، وان قصد رجوعه إليهم واسقاط ما يقابله من ماله الكتابة، فهو حسن، على أن ابطال الوصية للمكاتب الغير المشروط لا يخلو عندي من نظر، انتهى. أقول: ما نقله عن الشيخ المفيد (قدس الله روحه) هو القول الاول الذي دلت عليه صحيحة محمد بن قيس المتقدمة، وهي الاولى من رواياته، وما نقله عن ابن البراج هو القول الثاني، وظاهره أنه المشهور بينهم، وقد عرفت اختيار صاحب المسالك له، وعرفت ما فيه. وأما ما أورده على الشيخ المفيد من أن حكمه برجوع الباقي من الوصية على الورثة مجانا يعنى من غير احتساب ذلك من مال الكتابة الذي يستحقونه يلزم منه ابطال الوصية. ففيه أنه يجب أولا تحقيق البحث في المسألة كما قدمنا ذكره من أنه هل الوصية للمكاتب مطلقا ” صحيحة، أم لا ؟ بل تكون مراعاة بأنه في المطلق ان لم


[ 530 ]

ينعتق منه شئ فهي غير صحيحة، وان انعتق منه شئ فيصح بنسبة ما انعتق منه، وأنت قد عرفت أنه لا دليل للقول بالصحة مطلقا، إلا ما ذكره في المسالك من ذلك التعليل الاعتباري العليل، وأن القول الثاني هو مدلول الصحيحة المتقدمة كما عرفت المعتضدة بما ذكرناه من الاخبار الاخر، وما ذكره من لزم ابطال الوصية لا ضير فيه إذا اقتضته الادلة الشرعية، على أن الابطال بالكلية انما يتجه لو لم ينعتق منه شئ بالكلية، وإلا فانه يكون العتق بالنسبة. وبالجملة فقول الشيخ المفيد هو الموافق الاخبار الاخر، وما ذكره من أن كلام الشيخ المذكور مخالف لفتوى الاصحاب فلا ضير فيه إذا اعتضدته الادلة الشرعية، خلا ما ذكره الاصحاب كما عرفت في الباب.

الخامسة: اختلف الاصحاب (رحمهم الله) في صحة وصية الانسان لمملوكه فقال الشيخ المفيد في المقنعة والشيخ في النهاية: إذا أوصى الانسان لعبده بثلث ماله ينظر في قيمة العبد قيمة عادلة، وان كانت قيمته أقل من الثلث أعتق وأعطى الباقي، وان كانت مثله أعتق وليس له شئ، ولا عليه شئ، وان كانت القيمة أكثر من الثلث بقدر السدس أو الربع أو الثلث أعتق بمقدار ذلك، واستسعى في الباقي لورثته، وان كانت قيمته على الضعف من ثلثه، كانت الوصية باطلة، وتبعهما ابن البراج في كتابي الكامل والمهذب. وقال الشيخ في الخلاف أذا اوصى لعبد نفسه صحت الوصية، وقوم العبد وأعتق إذا كان ثمنه أقل من الثلث، وان كان ثمنه أكثر من الثلث استسعى العبد فيما يفضل للورثة، وأطلق، وكذا قال أبو الصلاح. وقال سلار: ان كانت أقل من الثلث عتق وأعطى ما فضل، وان كانت أكثر بمقدار الربع والثلث من الثلث عتق بمقدار الثلث، واستسعى في الباقي. وقال الشيخ علي بن الحسين بن بابويه: إذا أوصى لمملوكه بثلث ماله، قوم المملوك قيمة عادلة، فان كانت أثر من الثلث استسعى في الفضل ثم أعتق وان كانت قيمته أقل من الثلث أعطى ما فضلت قيمته عليه، ثم أعتق.


[ 531 ]

وقال ابن الجنيد: لو أوصى للمملوك بثلث ماله، فقد روي (1) ” عن أبى عبد الله عليه السلام أنه قال: فان كانت الثلث أقل من قيمة العبد بقدر ربع القيمة استسعى العبد في ربع القيمة، وان كان الثلث أكثر من قيمة العبد أعتق العبد، ودفع إليه ما فضل من الثلث بعد القيمة “. ويخرج الثلث من جميع التركة، ولو كانت الوصية للمملوك بمال مسمى لم يكن لعتاقه يجوز اخراج ذلك من غير رقبته، ولو كانت جزء من التركة كعشر أو نحوه كان العبد بما يملكه من ذلك الجزء من رقبته متحررا، أو باقية كما قلنا، واختار ابن ادريس مذهب الشيخ في الخلاف. قال في المختلف بعد نقل هذه الاقوال: والمعتمد أن نقول ان كانت الوصية بجزء مشاع كثلث أو نصف أو ربع قوم العبد واعتق عن الوصية، فان فضل من قيمته شئ استسعى في الفاضل للورثة، سواء كان الفاضل ضعف قيمته أو أقل أو أزيد، وان قضى عتق وأخذ الفاضل، فان ساواه عتق، ولا شئ له ولا عليه، وان كانت الوصية بعين بطلت ولا شي له، ولا يعتق منه شئ. وقال المحقق في الشرايع: ويعتبر ما أوصى به المملوك بعد خروجه من الثلث، فان كان بقدر قيمته أعتق، وان كان قيمته أقل أعطى الفاضل، وان كانت أكثر سعى للورثة فيما بقي ما لم يبلغ قيمته ضعف ما اوصى له به، فان بلغت ذلك بطلت الوصية، وقيل: تصح ويسعى في الباقي كيف كان وهو حسن، انتهى. أقول: والذى وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه الشيخ في التهذيب عن الحسن بن صالح الثوري (2) ” عن أبى عبد الله عليه السلام في رجل أوصى لمملوك له بثلث ماله، قال: فقال: يقوم المملوك بقيمة عادلة، ثم ينظر ما يبلغ ثلث الميت، فان كان الثلث أقل من قيمة العبد بقدر ربع القيمة استسعى العبد في ربع القمية استسعى العبد في ربع القيمة، وان كان الثلث أكثر من قيمة العبد أعتق العبد ودفع إليه


(1) و (2) التهذيب ج 9 ص 216 ح 851، الوسائل ج 13 ص 467 ح 2.


[ 532 ]

ما فضل من الثلث بعد القيمة “. وما رواه الرضا عليه السلام في كتاب الققه الرضوي (1) حيث قال: ” وان أوصى لمملوكه بثلث ماله قوم المملوك قيمة عادلة، فان كانت قيمته أكثر من الثلث استسعى في الفضلة ثم أعتق ” وهذه عين عبارة الشيخ علي بن بابويه المتقدمة، إلا أنه عليه السلام لم يذكر ما إذا كانت قيمته أقل، ولعل هذه الزيادة كانت في نسخة الكتاب الذى عند الشيخ المزبور، ويحتمل أنها من كلامه (رحمة الله) تتميما لمعنى الكلام.

 وكيف كان فينبغي أن يعلم أن الكلام هنا في مقامين:

الاول أن مقتضى الروايتين وهو صريح العلامة في المختلف وابن الجنيد، وظاهر الشيخين فيما تقدم نقله عنهما، وكذا الشيخ علي بن بابويه هو الفرق بين ما إذا كانت الوصية بجزء مشاع كثلث أو نصف أو ربع، فان الحكم فيه ما ذكر من التفصيل، وبينما إذا كانت الوصية بعين، فانه تبطل الوصية من رأس، لان المملوك لا يملك، وعلى تقدير ملكه فالنه لا يجوز التخطي إلى غير ما أوصى به، لانه يكون تبديلا للوصية فالتخطي إلى رقبته تبديل للوصية حينئذ، فلا يجرى فيه الحكم المذكور في الخبرين. وحكم الوصية بالمعين وان غير مذكور في كلام المشايخ الثلاثة المذكورين، إلا أن تخصيصهم هذا التفصيل بالوصية بالمشاع، ظاهر في أنه لا يجرى في المعين، وليس بعده إلا البطلان، وظاهر كلام الاكثر كالشيخ في الخلاف وابن ادريس والمحقق فيما نقلناه عنه وغيرهم هو العموم، ولهم في تعليل ذلك كلمات عليلة، والظاهر هو القول الاول عملا بالخبرين المذكورين. وانما يبقى الكلام في صحة الوصية له بالمعين وعدمها، وهو مبني على صحة تملك العبد وعدمه، وإلا فالتخطي إلى الرقبة على تقدير الصحة مشكل


(1) فقه الرضا (عليه السلام) ص 40.


[ 533 ]

لما عرفت، ونحن انما صرنا إلى التخطي إلى الرقبة فيما إذا كانت الرصية بجزء مشترك، للخبرين المتقدمين، وبيان الوجه فيما دلا عليه، ما ذكره في المختلف وهو أن الجزء المشاع يتناول نفسه. أو بعضها، لانه من جملة الثلث الشايع، والوصية له بنفسه صحيحة، والفاضل قد إستحقه بالوصية، لانه يقير جزء، فيملك بالوصية فيصير كأنه قال أعتقوا عبدى من ثلثي، وأعطوه ما فضل منه، انتهى، وهذا كله مفقود في صورة التعيين.

الثاني أن المفهوم من كلام الشيخين المتقدم أنه في صورة ما كاذا كانت قيمته أكثر من الثلث الموصى له بقدر ضعف ما أوصى به، كما لو كانت قيمته مائتين الموصى له به يبلغ مائة. فانه تبطل الوصية في هذه الصورة، وانما تصح فيما إذا كانت أقل من الضعف ولو يسيرا ” فيعتق منه بقدر الوصية ان خرجت من الثلث، وإلا فبقدر الثلث، ويستسعى للورثة في الباقي كما لو أوصى له بمائة وخمسين، وقيمته مائتان، فانه ينعتق منه بالوصية ثلاثة أرباعه، ويسعى للورثة في ربع قيمته، وهو خمسون. وظاهر كلام المحقق وهو اختياره في المسالك أيضا، أنه لا فرق بين الامرين بأن يكون قيمته بقدر ضعف ما أوصى له به أو أقل، فانه ينعتق بحساب ما أوصى له به مطلقا، ما لم يزيد عن الثلث، فان زاد فبحساب الثلث، وهذا هو ظاهر كلام الشيخ في الخلاف، وأبى الصلاح والشيخ علي بن بابويه وابن ادريس، ونقله الشهيد في نكت الارشاد عن المحقق في النكت، قال: واستدل عليه الشيخ باجماع الفرقة. قال في المسالك بعد ايراد رواية حسن بن صالح المتقدمة دليلا للشيخين فيما ذهب إليه: ووجه دلالة الرواية من جهة مفهوم الشرط في قوله فيها ” فان كان الثلث أقل من قيمة العبد بقدر ربع القيمة استسعى العبد في ربع القيمة ” فان مفهومه أنه لو لم يكن أقل بقدر الربع لا يستسعى، وانما يتحقق عدم


[ 534 ]

الاستسعاء مع البطلان، ولا يخفى عليك ضعف هذا التنزيل، فان مفهومهما أن الثلث ان لم يكن أقل من قيمة العبد بقدر ربع القيمة لا يستسعى في ربع القيمة، لا أنه لا يستسعى مطلقا، وهذا مفهوم صحيح لا يفيد مطلوبهم، فلا ينافي القول بأنه يستسعى بحسابه، فان كان أقل بقدر الثلث يستسعى في الثلث أو بقدر النصف، فيستسعى في النصف، وهكذا وأيضا ” فلو كان المفهوم الذى زعموه صحيحا لزم منه أنه متى لم يكن الثلث أقل من قيمته بقدر الربع لا يستسعى بل تبطل الوصية، وهذا شامل لما لو كان القيمة قدر الضعف وأقل من ذلك إلى أن يبلغ النقصان قدر الربع فمن أين خصصوا البطلان بما لو كانت قيمته قدر الضعف ؟ ما هذا إلا عجيب عجاب من مثل هذين الشيخين الجليلين، انتهى وهو جيد وجيه.

السادسة: إذا كان على الانسان دين وأوصى بعتق مملوكه، وليس له سواه أو أعتقه منجزا فقد اختلف كلام الاصحاب (رضى الله عنهم) في ذلك فقال الشيخ المفيد (قدس سره) في كتاب المقنعة إذا كان على الانسان دين، ولم يخلف إلا عبدا أو عبيدا فأعتقهم عند الموت، نظر في قيمة العبد أو العبيد وما عليه من الدين فان كان أكثر من قمية العبد بطل العتق، وبيع العبيد وتحاص الغرماء بثمنهم، وكذا إن أستويت القيمة والدين، فان كانت قيمة العبد أكثر من الدين السدس أو الثلث ونحو ذلك بيع العبد، وبطل العتق، وان كان قيمة العبد ضعف الدين، كان للغرماء النصف منهم، وللورثة الثلث، وعتق منهم السدس، لان لصاحبهم الثلث من تركته يضع به ما يشاء، فوصيته نافذة في ثلث مماليكه، وهو السدس، بهذا جاء الاثر من آل محمد عليهم السلام. وقال الشيخ في النهاية: إذا أوصى لانسان بعتق مملوك له، وكان عليه دين فان كان قيمة العبد ضعف الدين استسعى العبد في خسمة أسداس قيمته، ثلاثة أسهم للديان، وسهمان للورثة، وسهم له، وان كانت قيمته أقل من ذلك بطلت الوصية وبذلك قال ابن البراج.


[ 535 ]

وقال ابن ادريس: الذي يقتضيه المذهب أنه لا وصية قبل قضاء الدين، بل الدين مقدم على الوصية، والتدبير عندنا وصية، فلا تمضى الوصية إلا بعد قضاء الدين، فان عمل عامل بهذه الرواية يلزمه أن يستسعى العبد، سوأ ؟ كانت قيمته ضعفي الدين أو أقل من ذلك، لانه متى كانت قيمته أكثر من الدين بأي شئ كان فان الميت الموصى قد استحق في الذي فضل عن الدين مثله، فتمضى وصيته في ذلك الثلث، ويعتق ا لعبد، ويستسعى في دين الغرماء وما فضل عن ثلثه الباقي للورثة، ولي في ذلك نظر، فان أعتقه في الحال، وبت عتقه قبل موته، مضى العتق وليس لاحد من الديان، ولا الورثة عليه سبيل، لانه ليس بتدبير، وانما هو عطية منجزة في الحال، وعطاياه المنجزة صحيحة، على الصحيح من المذهب، لا تحسب من الثلث بل من الاصل. وقال العلامة في المختلف: والمعتمد أن تقول أن أحاط الدين بقيمة العبد بطل العتق، سواء كان قدنجزه من مرض موته أو أوصى به، وان قصرل الدين عن قيمته عتق ثلث الفاضل، واستسعى في الباقي. وقال المحقق في الشرايع: ولو أوصى بعتق مملوكه وعليه دين، فان كانت قيمة العبد بقدر الدين مرتين أعتق المملوك، وسعى في خمسة أسداس قيمته، وان كانت قيمته أقل بطلت الوصية بعتقه، والوجه أن الدين يقدم على الوصية فيبدأ به، ويعتق منه الثلث فيما فضل عن الدين، أما لو نجز عتقه عند موته كان الامر كما ذكر أولا، عملا برواية عبد الرحمن عن أبى عبد الله عليه السلام أقول: والوجب أولا نقل ما وصل الي من الاخبار في المسألة المذكورة، ثم الكلام فيها بما وفق الله سبحانه لفهمه منها، فمن ذلك ما رواه في الكافي والتهذيب عن عبد الرحمن بن الحجاج (1) في الصحيح ” قال: سألني أبو عبد الله عليه السلام


(1) الكافي ج 7 ص 26 ح 1، التهذيب ج 9 ص 217 ح 854، الوسائل ج 13 ص 423 ح 5.


[ 536 ]

هل يختلف ابن أبى ليلى وابن شبرمة ؟ فقلت: بلغني أنه مات مولى لعيسى بن موسى وترك عليه دينا كثيرا وترك مماليك يحيط دينه بأثمانهم فأعتقهم عند الموت فسألهما عيسى بن موسى عن ذلك، فقال ابن شبرمة: أرى أن يستسعيهم في قيمتهم، فتدفعها إلى الغرماء، فانه قد أعتقهم عند موته، وقال ابن أبى ليلى: أرى أن أبيعهم وأدفع أثمانهم إلى الغرماء، فانه ليس له أن يعتقهم عند موته، وعليه دين يحيط بهم، وهذا أهل الحجاز اليوم يعتق الرجل عبده وعليه دين كثير، فلا يجيزون عتقه إذا كان عليه دين كثير، فرفع ابن شبرمة يده إلى السماء فقال: سبحان الله يا ابن أبى ليلى متى قلت هذا القول ؟ والله ما قلته إلا طلب خلافي، فقال أبو عبد الله عليه السلام: فعن رأي أيهما صدر الرجل ؟ قال: قلت: بلغني أنه أخذ برأي ابن أبى ليلى، وكان له هوى في ذلك، فباعهم وقضى دينه، قال: فمع أيهما من قبلكم، قلت له: مع ابن شبرمة، وقد رجع ابن أبى ليلى إلى رأي ابن شبرمة بعد ذلك، أما والله ان الحق لفي الذى قال ابن أبى ليلى وإن كان قد رجع عنه، قلت: هذا ينكسر عندهم في القياس فقال: هات قايسنى فقلت: أنا أقايسك ؟ فقال: لتقولن بأشد ما يدخل فيه من القياس، فقلت له: رجل ترك عبدا لم يترك مالا غيره، وقيمة العبد ستمائة درهم، ودينه خمسمائة درهم فأعتقه عند الموت، كيف يصنع ؟ قال: يباع العبد ويأخذ الغرماء خمسمائة درهم، ويأخذ الورثة مائة درهم، فقلت: أليس قد بقي من قيمته العبد مائة درهم عن دينه ؟ فقال: بلى، فقلت: أليس للرجل ثلثه يصنع به ما شاء، قال: بلى، قلت: أليس قد أوصى للعبد بالثلث من المائة حين أعتقه، فقال: ان العبد لا وصية له، انما ماله لمواليه، فقلت له: فإذا كان قيمة العبد ستمائة درهم، ودينه أربعمائة، قال: كذلك يباع العبد، فيأخذ الغرماء أربعمائة درهم، ويأخذ الورثة مائتين، فلا يكون للعبد شئ قلت له: فأن قيمة العبد ستمائة درهم ودينه ثلاثمائة درهم فضحك وقال: من هاهنا أتى أصحابك فجعلوا الاشياء شيئا واحدا،


[ 537 ]

ولم يعملوا السنة، إذا استوى مال الغرماء مو مال الورثة أو كان مال الورثة أكثر من مال الغرماء لم يتهم الرجل على الوصية، وأجيزت وصيته على وجهها، فالان يوقف هذا، فيكون نصفه للغرماء ويكون ثلثه للورثة، ويكون له السدس ” وما رواه في الكافي عن زرارة (1) في الحسن أو الصحيح عن أحدهما عليهما السلام في رجل أعتق مملوكه عند موته، وعليه دين، قال: ان كان قيمته مثل الدين الذي عليه ومثله، جاز عتقه، وإلا لم يجز “. ورواه الشيخ في التهذيب في الصحيح أو الحسن عن زرارة الحديث مقطوعا، ورواه في الفقيه عن ابن أبى عمير عن جميل عن أبى عبد الله عليه السلام مثله. وما رواه في التهذيب عن حفص بن البخترى (2) في الصحيح ” عن أبى عبد الله عليه السلام قال: إذا ملك المملوك سدسه استسعى وأجيز “. قال في الوافي: لعل الحكم مختص بما إذا كان العتق عند الموت أو بعده وكان على مولاه دين كما يظهر من سائر أخبار الباب وإلا يلزم تقييد أخبار السراية الماضية كلها بذلك، وهو مشكل، انتهى. وما رواه في التهذيب عن زرارة (3) في الصحيح ” عن أبى عبد الله عليه السلام قال: إذا ترك الدين عليه ومثله أعتق المملوك واستسعى “. وما رواه في الكافي عن الحسن بن الجهم (4) في الموثق ” قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: في رجل أعتق مملوكا له وقد حضره الموت، وأشهد له بذلك وقيمته ستمائة درهم، وعليه دين ثلاثمائة درهم ولم يترك شيئا ” غيره، قال:


(1) الكافي ج 7 ص 27 ح 2، التهذيب ج 9 ص 218 ح 856، الفقيه ج 4 ص 166 ح 580. (2) و (3) التهذيب ج 9 ص 169 ح 689 و 688. (4) الكافي ج 7 ص 27 ح 3، التهذيب ج 9 ص 218 ح 855. وهذه الروايات في الوسائل ج 13 ص 425 ح 6 وص 422 ح 1 وح 2 وص 423 ح 4.


[ 538 ]

يعتق منه سدسه، لانه انما له منه ثلاثمائة درهم، ويقضى منه ثلاثمائة درهم فله من الثلاثمائة درهم ثلثها وله السدس من الجميع و رواه الشيخ في التهذيب مثله، ” الا أن الذي فيه ” لانه إنما له منه ثلاثمائة و له السدس من الجميع ” وما بينهما لم يذكره. وما رواه في الفقيه والتهذيب عن الحلبي (1) في الصحيح ” عن أبى عبد الله عليه السلام أنه قال: في الرجل يقول: ان مت فعبدي حر وعلى الرجل دين قال: ان توفي وعليه دين قد احاط بثمن العبد بيع العبد، وان لم يكن أحاط بثمن العبد استسعى العبد في قضاء دين مولاه، وهو حر إذا وفاه “. والشيخ في التهذيبين قيده بما إذا كان الدين أنقص من ثمن العبد بمقدار النصف جمعا بينه وبين الاخبار المذكورة قبله.

أقول: وتحقيق الكلام في المقام هنا يقع في موضعين:

الاول: لا يخفى أنه من القواعد المقررة بينهم كما تقدم ذكره أن الوصية المتبرع بها إنما تنفذ من ثلث المال، وأن الدين يقدم أولا “، ثم تعتبر الوصية من ثلث ما بقى بعد الدين، وأن المنجزات المتبرع بها في مرض الموت بحكم الوصية في خروجها من الثلث عند الاكثر، ولا ريب أن العتق من جملة التبرعات. وعلى هذا فإذا أوصى بعتق مملوكه تبرعا ” أو أعتقه منجزا ” بناء على أن المنجزات من الثلث، وكان عليه دين، فان كان الدين يحيط بالتركة بطل العتق والوصية به، وهو مما لا خلاف فيه، ولا اشكال نصا ” وفتوى، وان فضل من التركة فضل بعد الدين وان قل، فمقتضى القواعد المذكورة صرف ثلث الفاضل في الوصايا فيعتق من العبد بحساب ما يبقى من الثلث، ويسعى في باقي قيمته سواء كانت قيمته بقدر الدين مرتين أو أقل، لان العتق تبرع محض، فيخرج من الثلث والمعتبر منه ثلث ما يبقى من المال بعد الدين على تقديره، كغيره من التبرعات.


(1) التهذيب ج 9 ص 218 ح 857، الفقيه ج 3 ص 70 ح 22، الوسائل ج 13 ص 423 ح 3.


[ 539 ]

وبهذا قال جماعة من الاصحاب، بل أكثر المتأخرين كما ذكره في المسالك، ومنهم العلامة في المختلف وابن ادريس على ما ذكره من التردد، والمحقق بالنسبة إلى الوصية والقول الثاني وهو أنه انما يصح العتق إذا كانت قيمته ضعفي الدين، وسعى في خمسة أسداس قيمته، ثلاثة للديان وسهمان للورثة للشيخ المفيد والشيخ في النهاية والقاضى استنادا ” إلى ما قدمناه من الروايات الصحيحة الصريحة في ذلك، والاصحاب لم يوردوا منها إلا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، فمنهم من وقف عليها، وخص الحكم بتنجيز العتق، كما هو مورد الرواية دون الوصية، وقوفا ” فيما خالف الاصل على مورده. ومنهم من رده، واطرحها لمخالفتها للرواية الدالة على تلك القواعد، قال: في المسالك بعد ذكر صحيحة عبد الرحمن: وروي عن زرارة في الحسن مثله، إلا أن الرواية به مقطوعة، فلذا لم يذكرها المصنف هنا، واقتصر على رواية عبد الرحمن لصحتها. أقول: عذره في ذلك واضح، وهو أنه اقتصر على مراجعة التهذيب وهى في بعض مواضعه كما ذكره حسبما قدمنا ذكره، وإلا فهي في الكافي بسنده إلى الامام عليه السلام ونحوها الروايات الاخر، وهي صريحة صحيحة، ولكنهم لم يقفوا عليها، وبذلك يظهر لك أن الاظهر هو الوقوف عليها، والعمل بمقتضاها، وبها تخصص أخبار تلك القواعد ان ثبتت. نعم احتج القائلون بالقول الاول بصحيحة الحلبي المتقدمة، ولهذا ان الشيخ تأولها بما قدمنا نقله عنه، جمعا ” بين الاخبار وهو جيد. أقول: ويمكن أن يقال: ولعله الاقرب العارى عن وصمة القيل والقال أن ما ذكروه من الاشكال والمخالفة في هذه الروايات لمقتضى القواعد المقررة مبني على أن المنجزات في حكم الوصية مخرجها الثلث، وإلا فلو قلنا بأن مخرجها الاصل كما هو ظاهر كلام ابن ادريس المتقدم، وهو الحق الظاهر من الاخبار


[ 540 ]

كما سيأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى في المسألة عند ذكرها، فلا اشكال بحمد الملك المتعال، وعلى تقديره فالظاهر أنه لا يقيد بكون القيمة ضعف الدين أو غيره وبالجملة فانه يندفع بذلك ما ذكروه من الاشكال الذى أوردوه على هذه الروايات، وان بقي فيها اشكال من وجه آخر على هذا القول. وكيف كان فالعمل على ما دلت عليه والوقوف على مواردها حسب، هذا بالنسبة إلى المنجزات. وأما الوصية فلم يتعرضوا عليهم السلام لها في شئ من النصوص المذكورة، كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى وما حققناه يظهر لك صحة ما أشرنا إليه في غير موضع مما تقدم أن الاظهر هو الوقوف في الاحكام على موارد الاخبار، ولا يلتفت إلى ما يدعونه من القواعد في مقابلتها، فان هذه القواعد غير معلومة، وان دلت الاخبار على بعض أفرادها ومع ثبوت كونها قواعد فالتخصيص فيها ممكن، لا منافاة فيه .

الثاني: أن مورد الروايات المتقدمة هو العتق المنجز، وهو الذي صرح به الشيخ المفيد ومن تبعه، والشيخ في النهاية ومن تبعه عدوا الحكم إلى الوصية بالعتق. قال في المسالك: ولعله نظر إلى تساويهما في الحكم وأولويته في غير المنصوص، لان بطلان العتق النجز على تقدير القيمة عن ضعف الدين مع قوة المنجز لكونه تصرفا من المالك في ماله، والخلاف في نفوذه من الاصل يقتضى بطلانه في الاضعف، وهو الوصية بطريق أولى انتهى، ولا يخفى ما فيه. وأورد أيضا ” على الشيخ القائل بتعديها: بصحيحة عبد الرحمن إلى الوصية، معارضتها فيها بصحيحة الحلبي المتقدمة، فانها تدل باطلاقها على انعتاقه متى زادت قيمته عن الدين، وهو الموافق لما تقرر من القواعد، فلا وجه لعمل الشيخ بتلك الرواية مع عدم ورودها في مدعاه، واطراح هذه الرواية ومن الجائز اختلاف حكم المنجز والموصى به في مثل ذلك كما اختلفا في كثير من الاحكام


[ 541 ]

على تقدير تسليم حكمها في المنجز، انتهى. أقول: لا يخفى ان تلك الرواية وان كانت غير ظاهرة في مدعى الشيخ كما ذكره إلا أن صحيحة الحلبي المذكورة أيضا ” لا تخلو من الطعن في متنها بما لا يقولون به، فانها دلت على أنه يستسعى العبد في دين مولاه، وأنه يكون حرا ” إذا وفاه، ولم يتعرض في الرواية لحق الورثة، مع أن لهم في قيمته مع زيادتها عن الدين حقا، والروايات المتقدمة متفقة على أنه يستستعى في الدين وفي حق الورثة. وبذلك يظهر أن أن ما تدل عليه الرواية لا يقولون به، وما يقولون به لا تدل عليه، ولو قيل: بأن الرواية وان لم تدل عليه لكنه يضم إليها بدليل من خارج، وتخصيص الامر بوفاء الدين لا تنافيه. قلنا، هذا انما يتم لو كانت الرواية مطلقة، وأما مع النص فيها بأنه باداء الدين يكون حرا “، فهذا التقييد مناف لما دلت عليه، ومنه يعلم أن هذه الرواية على ما هي عليه لا تصلح المعارضة الخبر المذكور، فكيف مع انضمام تلك الاخبار الصحاح الصراح إليه، كما عرفت، فالاظهر حملها على ما قدمنا ذكره عن الشيخ (رحمة الله عليه). وقد تلخص ما ذكرناه أن الاقوال في العتق المنجز ثلاثة:

الاول مذهب الشيخ المفيد ومن تبعه، وهو توقف العتق على بلوغ قيمة العبد ضعف الدين وإلا فهو باطل، وهذا مدلول الاخبار المتقدمة.

الثاني قول العلامة والمحقق ومن تبعهما، وهو أنه ينعتق من ثلث الباقي كائنا، ما كان ولا يتقيد بضعف الدين، وفي هذا القول تقديم حق الديان من ثلث الباقي، ويستسعى فيما يخص الديان، والوارث بالنسبة، مثلا لو كانت قيمته ثلاثمائة درهم، وعلى المولى من الدين مائتا درهم، فانه يكون للديان منه مائتان، تبقى مائه له ثلثها، وهي ثلاثة وثلاثون وثلث، وثلثاها للورثة، وهذه الثلاثة


[ 542 ]

والثلاثون وثلث تسع الثلاثمائة، فعلى هذا ينعتق منه التسع، ويسعى في ستة أتساع للديان، وفي تسعين للوارثة، وحجة هذا القول كما عرفت صحيحة الحلبي، وقد عرفت ضعفها عن المعارضة متنا وعددا.

الثالث قول ابن ادريس وهو تنفيذ العتق من الاصل وسقوط الدين، وهذا القول وان كان جيدا بالنظر إلى الاخبار الدالة على أنه منجزات المريض من الاصل كما سنتلوها عليك ان شاء ا لله تعالى بعد ذكر المسألة، أعنى مسألة العتق منجزا ” مع الدين، يجب الوقوف فيها على هذه الروايات، لانها أخص من تلك، والقاعدة تقتضي تقديم الخاص والعمل به، والله العالم.

السابعة: لا خلاف بين الاصحاب (رضي الله عنهم) في صحة الوصية لام الولد، ولا خلاف أيضا في انعتقها على ولدها من حصته بعد موت سيدها، ولم يوص لها بشي، وانما الخلاف فيما إذا أوصى لها بشى فهل يعتق مما أوصى لها به أو من نصيب الولد أو من غيرهما ؟ أقوال أربعة. أحدها ما ذهب إليه الشيخ في النهاية من أنها تعتق من نصيب ولدها على تقدير وفاء نصيب ولدها بقيمتها، ويعطى ما أوصى لها به، وهو مذهب المحقق في نكت النهاية ونقل عن العلامة في المختلف، وعلل ذلك أن التركة تنتقل من حين الموت إلى الوارث، لعدم صلاحية الميت للتملك، وعدم انتقالها للديان، والموصى لهم اجماعا، وعدم بقائها بغير مالك، فتعين الوراث، وحينئذ فيستقر ملك ولدها على جزء من أمه، لانها من التركة، فتعبق عليه، وتستحق الوصية.

وثانيها أنها تعتق من الوصية، فان فضل منها شئ عتق من نصيب ولدها، وهو مذهب ابن ادريس، والمحقق في باب الاستيلاد من الشرايع، وفي هذا الباب تردد بين القولين المذكورين، ووجه القول بكونها تعتق من الوصية، لامن نصيب ابنها استنادا ” إلى أن الارث مؤخر عن الدين، والوصية بمقتضى الاية (1)


(1) سورة النساء الاية 11.


[ 543 ]

” من بعد وصية يوصى بها أو دين ” فلا يحكم لابنها بشئ حتى أنه يحكم لها بالوصية، فان وقت الوصية بقيمتها اعتقت كملا، وان قصرت أكملت من نصيب ولدها، وأورد عليه بأن المراد بالايات استقرار الملك بعد المذكورات، بمعنى أنه لا يملك الوارث ملكا ” مستقرا إلا بعد الوصية بالدين، وإلا فاللازم من ذلك بقاء التركة من غير مالك، لما عرفت من أن الميت غير صالح للملك، والديان والموصى إليه لا يملك، فلم يبق إلا الوارث، أو صيرورة التركة بغير مالك، والثاني ممتنع، فتعين الاول.

وثالثها أنها تنعتق من ثلث الميت، وتأخذ الوصية، وهو مذهب الشيخ أبى جعفر محمد بن علي بن بابويه نقله شيخنا الشهيد في شرح الارشاد، واستدل له بصحيحة أبى عبيدة الاتية عن أبى عبد الله عليه السلام.

ورابعها انها تعتق من الوصية أو نصيب الولد، وتعطي بقية الوصية وهو، مذهب ابن الجنيد. والذي وقفت عليه من الاخبار في المقام ما رواه المشايخ الثلاثة (رحمهم الله) في الصحيح عن أبى عبيدة (1) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل كانت له أم ولد وله منها غلام فلما حضرته الوفاة أوصى لها بألفي درهم أو بأكثر للورثة أن يسترقوها، قال: فقال: لا، بل تعتق من ثلث الميت، وتعطى ما أوصى لها به ” وزاد في الكافي والتهذيب وفي كتاب العباس ” يعتق من نصيب ابنها، وتعطى من ثلثه ما أوصى لها به “. وشيخنا الشهيد في شرح الارشاد روى عن الشيخ (رحمة الله عليه) في التهذيب عن أحمد بن محمد عن علي بن محبوب عن جميل بن صالح عن أبى عبيدة (2) ” عن أبى الحسن عليه السلام في رجل أوصى لام ولده بألفي درهم فقال: يعتق


(1) الكافي ج 7 ص 29 ح 4، التهذيب ج 9 ص 224 ح 880 عن جميل بن صالح الفقيه ج 4 ص 160 ح 559، الوسائل ج 13 ص 470 ح 4 (2) لم نعثر عليه في التهذيب بهذا السند.


[ 544 ]

من ثلث الميت ويعطى ما أوصى لها به ” وفي كتاب العباس إلى آخر ما تقدم، ولم أقف على هذه الرواية في الوافي، ولا في الوسائل فيحتاج إلى مراجعة التهذيب وظاهره أن هذا خبر آخر غير خبر أبى عبيدة المرونى عن أبى عبد الله عليه السلام، فانه جعل هذا الخبر المروى عن أبى الحسن عليه السلام دليلا للقول الاول، والخبر المروى عن أبى عبد الله عليه السلام دليلا للقول الثالث، والظاهر تغاير الخبرين، فان المروي عنه في أحدهما غير الاولى والمتن مختلف أيضا “. فيكونان خبرين، فينبغي الملاحظة، لانى لم أقف على من نقله غيره، ومدلولهما أنها تعتق من الثلث، وتعطى ما أوصى لها به. ونحوهما أيضا ” ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن احمد بن محمد بن أبى نصر (1) ” قال: نسخت من كتاب بخط أبى الحسن عليه السلام فلان مولاك توفي ابن أخ له، وترك أم ولدله، ليس لها ولد، فأوصى لها بألف هل تجوز الوصية ؟ وهل يقع عليها عتق وما حالها ؟ رأيك فدتك نفسي في ذلك، فكتب عليه السلام يعتق من الثلث، ولها الوصية ” واستدل في المختلف لابن بابويه أيضا زيادة على صحيحة أبى عبيدة الاولى ووجه الاشكال فيها هو أن العتق من الثلث هنا، لا يظهر له وجه، ولهذا ان العلامة حمل الخبرين على ما إذا أوصى بعتقها، وحملها آخر على ما لو كان نصيب ولدها بقدر الثلث، ولا يخفى ما فيه. وبالجملة فهذان الخبران ظاهران فيما ذهب إليه الصدوق، وأن الاشكال فيها بما عرفت ظاهر. نعم ما نقل من كتاب العباس من رواية الخبر بهذه الكيفية ظاهر في الدلالة على القول الاول، وظاهر شيخنا الشهيد في شرح الارشاد الميل إلى مذهب الشيخ في النهاية، قال: والاقرب اختيار الشيخ، لبناء العتق على التغليب والسراية، ولهذا لو لم يكن ثمة وصية ولا مال للميت سواها عتق منها بنصيب ولدها، وسعت


(1) الكافي ج 7 ص 29 ح 1، التهذيب ج 9 ص 224 ح 877، الفقيه ج 4 ص 160 ح 560، الوسائل ج 13 ص 469 ح 1.


[ 545 ]

في الباقي لبقية الورثة. وشيخنا في المسالك طعن في رواية كتاب العباس بأنها بمجرد وجودها في الكتاب المذكور لايتم الاستدلال، ولو صح السند، ثم قال: ورواية أبي عبيدة مشكلة، على ظاهرها، لانها إذا أعطيت الوصية لا وجه لعتقها من ثلثه، لانها حينئذ تعتق من نصيب ولدها كما ذكر في الحملين المتقدمين، وقال: كلامها بعيد، إلا ان الحكم فيها باعطائها الوصية كاف في المطلوب إذ عتقها من نصيب ولدها يستقاد من دليل خارج صحيح، ويبقى ما نقل عن كتاب أبى العباس شاهدا ” على المدعى، ولعل هذا أجود، انتهى. والمسألة لا تخلو من شوب الاشكال لما عرفت، وان كان ما استجوده شيخنا المذكور لا تخلو من قرب، وملخصه أن أقصى ما يمكن العمل به من هذه الاخبار هو أعطاها ما اوصى لها به، فتعطي في ذلك، وأما عتقها فيرجع فيه إلى الاخبار الاخر الدالة على انعتاق أم الولد على ولدها من نصيبه بعد موت المولى، وكل من الامرين المذكورين حق مطابق للقواعد الشرعية. واما اعتبار الثلث فلا يظهر له هنا وجيه يترتب عليه العتق وهو ظاهر، والله العالم “.

الثامنة: قد صرح الاصحاب بأن اطلاق الوصية يقتضى التسوية، فإذا أوصى لاولاده أو لاخوانه وأخواته وأخواله وخالاته وأعمامه وعماته، فان الجميع أسوة في الوصية، ولا خلاف في ذلك إلا في صورة الوصية لاعمامه وأخواله. وعلل الاول بأن نسبة الوصية إليهم على السواء، وليس في كلام الموصي ما يدل على التفضل، وحينئذ فلا فرق بين الذكر منهم والانثى، ولا الصغير ولا الكبير، ولا الاعمام ولا الاخوال، لما ذكرنا واختلافهم في استحقاق الارث أمر خارج، بدليل من خارج، فلا يقاس عليه، ما يقتضى التسوية بمجرده، إلا أن الخلاف هنا وقع فيما لو أوصى لاعمامه وأخواله، فان الشيخ وجماعة ذهبوا إلى


[ 546 ]

أن للاعمام الثلثين، وللاخوال الثلث، استنادا ” إلى ما رواه الشمايخ الثلاثة بأسانيدهم وفيها الصحيح والحسن والموثق عن زرارة (1) ” عن أبى جعفر عليه السلام في رجل أوصى بثلث ماله في أعمامه وأخواله، فقال: لا عمامه الثلثان، ولاخواله الثلث “. وإلى هذه الرواية أشار في الشرايع بأنها مهجورة، قال: ولو اوصى إلى أعمامه وأخواله كانوا سواء على الاصح، وفيه رواية مهجورة، وحملت على ما لو أوصى على كتاب الله، وعلى ذلك حملها غيره أيضا “، ولا يخفى ما فيه من البعد. ويؤيد الخبر المذكور أيضا ” ما رواه المشايخ الثلاثة (قدس الله أرواحهم) عن سهل (2) عن أبى محمد عليه السلام في حديث ” قال: وكتبت إليه: رجل له ولد ذكور وأناث فأقر لهم بضيعة أنها لولده، ولم يذكر أنها بينهم على سهام الله عزوجل وفرائضه، الذكر والانثى فيه سواء ؟ فوقع عليه ينفذون فيها وصية أبيهم على ما سمي، فان لم يكن سمي شيئا ” ردوها إلى كتاب الله عزوجل ان شاء الله تعالى ” والظاهر أنه إلى هذه الرواية أشار في المسالك بقوله، وفي رواية أخرى ضعيفة، يقتضى قسمة الوصية بين الاولاد الذكور والاناث على كتاب الله، وهي مع ضعفها لم يعمل بها أحد. أقول: أشار بالضعف فيها إلى كون الراوي لها سهل بن زياد، وهو ضعيف. وفيه أولا ” أن ضعفها بهذا الاصطلاح المحدث لا يقتضى ضعفها عند المتقدمين الذين لا أثر عندهم لهذا الاصطلاح، فلاضير فيه، وان أراد عدم العمل به من المتقدمين، فان مقتضى ما حرر الصدوق في صدر كتابه كونه عاملا ” بها، حيث نقلها ولم يتعرض للطعن فيها ولا ردها، وقد اشتهر بينهم نسبة المذاهب إليه في الفقيه بذلك، وثالثا ” أنه لا يخفى على المنصف أن الاحكام الشرعية توقيفية، لا مسرح للعقول فيها على السماع والورود من صاحب الشرع، ورد الاخبار بعد ورودها


(1) و (2) الكافي ج 7 ص 45 ح 3 و 1، التهذيب ج 9 ص 214 ح 845 و 846 الوسائل ج 13 ص 454 لباب 62 وص 355 ح 2.


[ 547 ]

من غير معارض لها من الاخبار بل بمجرد هذه الاعتبارات العقلية والتعليلات التخريجية لا يخلو من الجرأة على صاحب الشريعة. نعم لو كان هنا نص يدل إلى ما ادعوه من أن الاطلاق يقتضى التسوية لتم ما ذكروه، ووجب التأويل فيما عراضه، ولكن ليس الامر كذلك. وبالجملة، فانه يجب العمل بما دلت عليه النصوص المذكورة، وفيما خرج عن موضع النصوص اشكال، والاقرب أنه كذلك أيضا “، لان الظاهر أن ذكر الاعمام والاخوال في الصحيحة المتقدمة انما خرج مخرج التمثيل، ويؤيده أن ظاهر الثانية كون ذلك قاعدة كلية، وهو أنه ان سمي وعين التسوية أو التفصيل اتبع، وان أطلق رد إلى كتاب الله عزوجل، ولكن الالف بالمشهورات ولا سيما إذا زخرفت بالاجماعات ربما أوجب طرح الروايات كما في هذا الموضع وغيره، والله العالم.

التاسعة: لو أوصى لذوي قرابته أو لاهل بيته أو عشيرته أو قومه أو جيرانه، فانه يجب الرجوع فيه إلى معاني هذه الالفاظ، وما ينصرف إليه اطلاقها. فنقول أما لفظة القرابة فقد اختلف كلام أصحابنا، بل الواحد منهم في تحقيق معناه المراد منه لعدم النص الوارد منه في ذلك، والاكثر منهم على الرجوع فيه إلى العرف. قالوا: لانه المحكم في مثل ذلك حيث لا نص، ومرجعه إلى المعروفين بنسبته عادة، سواء في ذلك الوارث وغيره، وقيل: لمن يتقرب إليه إلى آخر أب أو أم له في الاسلام. فقال الشيخ في النهاية إذا أوصى لقرابته كان ذلك في جميع ذوى نسبته الراجعين إلى آخر أب أو أم في الاسلام بالتسوية، وكذا قال الشيخ المفيد، إلا أنه قال: ولا يرجع على من يتعلق بمن نأى عنهم في الجاهلية. وقال في الخلاف إذا أوصى بثلثه لقرابته فمن أصحابنا من قال: يدخل فيه


[ 548 ]

كل من تقرب إليه إلى آخر أب وأم في الاسلام، واختلف الناس في القرابة. فقال الشافعي: إذا أوصى بثلثه لقرابته ولاقربائه ولذي رحمه، فالحكم واحد، فانه ينصرف إلى المعروفين من أقاربه في العرف، فيدخل فيه كل من يعرف في العادة أنه من قرابته، سواء كان وارثا ” أو غير وارث، قال: وهذا قريب يقوى في نفسي، وليس لاصحابنا فيها نص عن الائمة عليهم السلام وقال في المبسوط: قال قوم: ان هذه الوصية للمعروفين من أقاربه في العرف فيدخل فيه كل من يعرف في العادة أنه من قرابته، سواء كان وارثا ” أو غير وارث وهو الذى يقوى في نفسي، وقال قوم: انه يدخل فيه كل ذى رحم محرم، وأما من ليس بمحرم له فانه لا يدخل فيه، وان كان له رحم مثل بنى الاعمام أو غيرهم، وقال قوم: انها للوارث من الاقرارب، وأما من ليس بوارث فانه لا يدخل فيه، والاول أقوى، لان العرف يشهد به، وينبغى أن يصرف في جميعهم، وفي أصحابنا من قال: انه يصرف ذلك إلى آخر أب وأم له في الاسلام، ولم أجد به نصا ” ولا عليه دليلا ” مسخرجا ” ولا به شاهدا “. وقال ابن الجنيد: ومن جعل وصية لقرابته وذوى رحمه غير مسمين كان لمن تقرب إليه من جهة ولده أو والديه، ولا اختار أن يتجاوز بالتفرقة ولد الاب الرابع، لان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يتجاوز ذلك في تفرقه سهم ذوى القربى من الخمس. وابن ادريس في هذه المسألة اختار ما ذهب إليه الشيخ في الخلاف والمبسوط وكذا ابن البراج، وهو المشهور في كلام المتأخرين. قال في المختلف: والمعتمد قول الشيخ في المبسوط والخلاف، حملا للفظ على المعنى العرفي عند تجرده عن الوضع الشرعي، كما هو عادة الشرع في ذلك والقول الذي اختاره في النهاية قد اعترف في المبسوط بأنه لم يجد عليه نصا ” ولا عليه دليلا ” ولا به شاهدا “، وكفى به حجة على نفسه.


[ 549 ]

والمراد من هذا القول الارتقاء بالقرابة بالادنى إلى ما قبله، وهكذا إلى أبعد جد وجدة له في الاسلام، وفروعهما، ويحكم للجميع بالقرابة، ولا يرتقى إلى آباء الشرك وان عرفوا بقرابته، وربما استدل على التخصيص بالاسلام والانقطاع بالكفر بقوله (صلى الله عليه وآله) (1) ” قطع الاسلام أرحام الجاهلية “، وقوله عزوجل لنوج في حق ابنه (2) ” انه ليس من أهلك ” ولا دلالة في ذلك على مطلوب الشيخ، لان قطع الرحم للجاهلية لا يدل على قطع القرابة مطلقا “، مع أصناف الكفار، وكذا قطع الاهلية في ابن نوح، والعرف واللغة يشهدان بأن من بعد جدا ” كالاجداد البعيدة لا يدخل في القرابة، وان كان مسلما “، ومن قرب جدا ” دخل وان كان كافرا ” إلا أن تدل القرينة على ارادة المسلم. ولم أقف في هذا المقام على شئ من الاخبار إلا على ما رواه الشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبى نصر (3) ” قال: نسخت من كتاب بخظ أبى الحسن عليه السلام رجل أوصيب لقرابته بألف درهم وله قرابة من قبل أبيه وأمه ما حد القرابة يعطى من كان بينهو بينه قرابة ؟ أو لها حد ينتهى إليه رأيك فدتك نفسي ؟ فكتب عليه السلام: ان لم يسم أعطاها قرابته “، وهذا لجواب وان كان لا يخلو من نوع اجمال، إلا أن الظاهر أن المعنى فيه أنه لم يسم شخصا ” بعينه ولا صنفا ” بعينه، فانه يعطى من شملته القرابة عرفا “، وفيه تأييد للمعنى المشهور حينئذ. وأما ما ذهب إليه ابن الجنيد فقيل عليه ان ما ذكره من عدم تجاوز الرابع غير لازم، وفعل النبي (صلى الله عليه وآله) بالخمس ذلك، لا يدل على نفي القرابة مطلقا ” عما عداه ذلك: فان ذلك معنى آخر للقربى، فلا يلزم ذلك في حق غيره، حيث يطلق. وكيف كان فانه يدخل فيه الذكر والانثى، والقير والغني، والوارث


(1) مسالك الافهام ج 1 ص 409 وما عثرنا على هذه الرواية بعد الفحص في مظانه. (2) سورة هود الاية 46. (3) التهذيب ج 9 ص 215 ح 748، الوسائل ج 13 ص 459 الباب 68.


[ 550 ]

وغيره، والقريب والبعيد، ولا فرق بين قوله أوصيت لاقاربي، أو قرابتي: أو لذوى قرابتي أو لذوى رحمى، لان مرجع الجميع إلى معنى واحد. وأما أهل بيته فقد قال المحقق في الشرايع: لو قال لاهل بيته دخل فيه الاباء والاولاد ولاجداد. قال شيخنا في المسالك بعد ذكر ذلك: لا اشكال في دخول من ذكر، لاتفاق أهل التفاسير على ذلك، انما الكلام في دخول غيرهم، فان الاقتصار على ما ذكر يقتضى كون علي عليه السلام ليس من أهل البيت لخروجه عن الاصناف الثلاثة مع أنه داخل اجماعا. وقال العلامة: يدخل فيهم الاباء والاجداد والاعمام والاخوال وأولادهم وأولاد الاولاد الذكر والانثى، ثم قال: وبالجملة كل من يعرف بقرابته، وهذا يقتضى كون أهل بيته بمنزلة قرابته، وحكي عن تغلب أنه قال: أهل البيت عند العرب آباء الرجل وأولادهم، كالاجداد والاعمام وأولادهم، ويستوى فيه الذكور والاناث، وما اختاره العلامة من مساواة أهل البيت للقرابة، هو الظاهر في الاستعمال، يقال: الفلانيون أهل بيت في النسب، معروفون، وعليه جرى قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) (1) ” إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة “، والاقوى الرجوع إلى عرف ببلد الموصي، ومع انتفائه يدخل كل قريب: وأما أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فانهم أخص من ذلك بالرواية الواردة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) في حصرهم في أهل الكساء، انتهى كلامه، زيد مقامه وعلت في الخلد أقدامه. أقول: قال الفقيه محمد بن طلحة الشافعي في كتاب مطالب السؤال في مناقب آل الرسول في بيان معاني الال وأهل البيت والعترة ما صورته: وأما اللفظة الثانية وهي أهل البيت فقد قيل: هم من ناسبه إلى جده الادنى، وقيل:


(1) الوسائل ج 6 ص 187 الباب 29 ح 6.


[ 551 ]

من اجتمع معه في رحم، وقيل: من اتصل به بسبب أو نسب، وهذه كلها موجودة فيهم عليهم السلام فانهم يرجعون إلى جده عبد المطلب بنسبهم، ويجتمعون معه في رحم ويتصلون به بسببهم ونسبهم، فهم أهل بيته حقيقة، ثم روى حديثا ” من صحيح مسلم (1) عن زيد بن أرقم، وفيه: فقال له حصين: من أهل بيته يا زيد ؟ نسائه أهل بيته ؟ قال: أهل بيته من حرمت عليه الصدقة بعده. أقول: والمعنى الثاني والثالث مما ذكره ابن طلحة قريب من معنى القرابة المشهور، ويؤيده ما ذكره في كتاب المصباح المنير قال: وأهل الرجل يأهل ويأهل أهولا ” إذا تزوج، وتأهل كذلك، ويطلق الاهل على الزوجة، والاهل أهل البيت والاصل فيه القرابة، وقد أطلق على الاتباع، انتهى، وهو ظاهر في أن الاصل اطلاق أهل البيت على قرابة الرجل، وقد أطلق على أتباعه، وان لم يكن من قرابته، وبالجملة فما نقل عن العلامة لا يخلو من قرب. وكيف كان فالظاهر أن معاني هذه الالفاظ أعنى أهل البيت والال والعترة ونحوها بالنسبة إلى اطلاقها على أهل بيته (صلى الله عليه وآله) وعترته أخص مما هو المشهور من معانيها عرفا ” أو لغة، ولتحقيق ذلك مقام آخر، وأما معاني باقى الالفاظ المتقدمة فقد تقدم تحقيق الكلام فيها في كتاب الوقف، وهذان اللفظان حيث لم يتقدم لهما ذكر تعرضنا للكلام فيهما، والله العالم.

العاشرة: الظاهر أنه لا خلاف في أنه تصح الوصية للحمل الموجود حين الوصية، وان لم تحله الحياة، لكن يكون ذلك مراعى بوضعه حيا “، فتصح بمجرد وجوده وان كان استقرارها مشروطا ” بوضعه حيا، فلو وضعته ميتا ” بطلت الوصية، وان كان حال الوصية حيا ” في بطن أمه، كما أنها تصح بوضعه حيا ” وان لم يكن حال الوصية حيا ” ولم تلجه الروح، ومعنى استقرارها تحقق صحتها من حين موت الموصي، ومع وضعه ميتا ” يتبين البطلان من ذلك الوقت، وحينئذ


(1) مسند احمد ج 4 ص 367.


[ 552 ]

فالنماء المتخلل بين الولادة وموت الموصي يتبع العين، ولم أقف في هذا المقام على نص، غير أن ظاهر الاصحاب الاتفاق على ما ذكرناه، فانه لم ينقل هنا خلاف في شئ من هذه الاحكام. وإذا استقرت الوصية بولادته حيا ” لا يقدح فيها موته بعد ذلك، بل ينتقل إلى ورثته، وهو ظاهر، إلا أن ظاهر كلامهم اشتراط القبول من الوارث، بل صرح في المسالك أيضا ” باشتراط القبول في الحمل، فأوجب القبول على وليه، قال في الكتاب المذكور بعد أن ذكر أن الوصية تنتقل إلى الوارث لو مات بعد ولادته حيا ” ما صورته: لكن يعتبر هنا قبول الوارث لامكانه في حقه، وانما أسقطنا اعتباره عن الحمل لتعذره كما سقط اعتباره في الوصية للجهات العامة، ووجه سقوطه عن الوارث تلقيه الملك عن المولود المالك لها بدون القبول، ثم قال: والمتجه اعتبار القبول في الوصية للحمل مطلقا، فيقبل وليه ابتداء، ووارثه هناو تظهر الفائدة فيما لو ردها قبل قبوله، فان اعتبرناه بطلت، وإلا فلا أثر للرد انتهى أقول: قد تقدم القول في تحقيق اشتراط القبول في الوصية لمعين وعدمه، وبينا أنه لا دليل على ما ذكروه من الاشتراط، بل ظواهر جملة من النصوص العدم، تقدم ذلك في المسألة الثانية من المقصد الاول في الوصية (1) وكذا في المسألة الخامسة والسادسة من المقصد المذكور، واشرنا أيضا ” إلى أن ما ادعوه وان اشتهر بينهم من أن الوصية عقد تفتقر إلى الايجاب والقبول مما لم يقم عليه دليل، كما تقدم ذكره في المسألة الاولى من مسائل المقصد المشار إليه. وبالجملة فانه ليس في هذه المواضع ما يمكن الاعتماد عليه من الادلة الشرعية، سوى مجرد كلامهم وتعليلاتهم، ومن أراد تحقيق الحال يرجع إلى المسائل المذكورة، ثم ان في حكمه أولا ” بأن الحمل من قبيل الجهات العامة، فلا تتوقف الوصية له على القبول، ثم رجوعه عن ذلك في الحمل فحكمه بأنه


(1) ص 387.


[ 553 ]

يقبل وليه، لقائل أن يقول: أنه كما أن للحمل ولي، فكذا الجهات العامة لها ولي وهو الحاكم، فلم جوزت الوصية لها من غير اشتراط القبول ؟ ولم لا توجب أن يقبل لها الحاكم، لانه وليها، والفرق بين مسئلتي الحمل والجهات العامة مع وجود الولي لكل منهما غير ظاهر، كما لا يخفى، وبالجملة فان البناء إذا كان على غير أساس حصل فيه الانعكاس، وذكر فيه الالتباس. بقي هنا شئ وهو أن القبول المشترط هنا هل يشترط فيه القبول اللفطي أو يكفي فيه القبول الفعلي، والرضاء بذلك ؟ صرح العلامة في المختلف في هذه المسألة بالثاني، وهو جيد وقد تقدمت الاشارة إليه في المسائل المتقدم ذكرها أيضا “، والله العالم.

الحادية عشر: المشهور أن الموصى له إذا مات قبل الموصي ولم يرجع الموصي عن وصيته فان الوصية تنتقل إلى ورثة الموصى له، قال شيخنا المفيد (عطر الله مرقده) إذا أوصى الانسان لغيره بشي من خاله فمات الوصي له قبل الموصي بذلك كان ما أوصى به راجعا ” إلى ورثته، فان لم يكن له ورثة رجع إلى مال الموصي، إلى أن قال: ولصاحب الوصية إذا مات الموصى له قبله أن يرجع فيما أوصى له به، فان لم يرجع فهو لخلف الموصى له، ورواه ابن بابويه في كتابه وهو مذهب مشهور للاصحاب، انتهى. وقال ابن الجنيد: ولو كانت الوصية لاقوام بعينهم مذكورين مشارأز إليهم كالذى يقول لولد فلان، وهؤلاء، فان ولد فلان غيرهم لم يدخل في الوصية، ولو مات أحدهم قبل موت الموصي بطل سهمه. قال العلامة في المختلف بعد نقل كلام ابن الجنيد: ولا بأس بهذا القول عندي، لان الوصية عقد يفتقر إلى ايجاب وقبول، وقد بينا أن القبول المعتد به هو الذي يقع بعد الوفاة، فصار الموت حينئذ لا عبرة به، انتهى.


[ 554 ]

وتدل على المشهور وهو المؤيد المنصور صحيحة محمد بن قيس (1) وقد تقدمت في المسألة الخامسة من مسائل المقصد الاول، وتقدم أيضا ” ذكر ما استند إليه العلامة في القول بالبطلان هنا وهو صحيحة أبى بصير ومحمد بن مسلم (2) وموثقة منصور بن حازم، وقد حققنا الكلام في المقام ثمة بما لا مزيد عليه. والفرق بين ما ذكرنا في المسألة السابعة وما ذكر هنا أن مطرح البحث في المسألة السابعة هو أن الوارث هل يرث ابقبول لو مات الموصى له قبل الموصي ولم يقبل أم لا ؟ وليس فيها تعرض لملك الموصى به وعدمه، إلا أنا قد أوضحنا بالادلة الشرعية في أثناء البحث، أنه يملكه الموصى له، ويملكه وارثه بعده والغرض من هذه المسألة هنا بيان أن الموصى به ينتقل بموت الموصى له إلى وارثه ان لم يرجع الموصي عن الوصية أم لا، سواء كان مورثه قد قبل الوصية قبل موت الموصي أم لا، فلو فرض أنه قبل الوصية في حياة الموصي ثم مات في حياته واكتفينا بالقبول الواقع في حياة الموصي لم يفتقر وارثه إلى القبول، ولكن يبقى الخلاف في بطلان الوصية وعدمه، وهو المقصود بالحبث هنا، وان لم يكن قد قبل، انتقل إلى الرواث حق القبول، ومعه يملك الموصى به على الخلاف، وهو المقصود بالذكر هنا، وقد حققنا في المسائل المتقدمة المشار إليها ضعف جميع ما بنوا عليه، وفرعوا عليه من القول بأن الوصية عقد يتوقف على الايجاب والقبول وأنه لا دليل على القبول بوجه، بل الروايات ظاهرة في خلافه، وان الحكم في هذه المسألة المذكورة هنا، هو أنه بموت الموصى له تنتقل الوصية إلى الوارث ما لم يرجع الموصي، سواء كان الموت في حياة الموصي أم بعد موته، وأن ما استند إليه العلامة، وقبله ابن الجنيد (رحمة الله عليه) من القول بالبطلان، ليس في الادلة ما يدل عليه صريحا “، والروايتان المذكورتان فيهما من الاجمال


(1) الكافي ج 7 ص 13 ح 1، التهذيب ج 9 ص 230 ح 903. (2) و (3) التهذيب ج 9 ص 231 ح 906 و 907. وهذه الروايات في الوسائل ج 13 ص 409 ح 1 وص 410 ح 4 و 5.


[ 555 ]

ما يمنع من الاستناد اليهما في الاستدلال، فلا تنهضان قوة في معارضة صحيحة محمد بن قيس، ونحوها مما دل ما دلت عليه من الاخبار الصريحة في المطلوب. وبالجملة فان قوة القول المشهور في الظهور كالنور على الطور لا يعتريها قصور ولا فتور، كما لا يخفى على من نظر بعين التأمل والتدقيق فيما قدمناه في المسائل المشار إليها من التحقيق الرشيق. بقي الكلام فيما لو لم يخلف الموصى له أحدا فان الظاهر من كلام الاصحاب من غير خلاف يعرف أنه يرجع إلى ورثة الموصي، وبذلك صرح شيخنا المفيد (رحمه الله) فيما تقدم من نقل عبارته، وقال المحق في الشرايع: ولو لم يخلف الموصى له أحدا رجعت إلى ورثة الموصي. قال في المسالك: هذا تتمة الحكم السابق: وحاصله ان الموصى له إذا مات في حياة الموصي ولم يخلف وارثا ” رجعت الوصية إلى ورثة الموصي، بمعنى بطلانها حينئذ، وهذا الحكم شامل باطلاقه لما لو كان موت الموصى له قبل قبوله وبعده والحكم في الاول واضح، لانه بموته قبل القبول وعدم قيام أحد مقامه في القبول تبطل الوصية، ويرجع إلى ورثة الموصي، ويحتمل على هذا أن ينتقل حق القبول إلى وارثه العام، وهو الامام، لانه وارث في الجملة، فيرث حق القبول كما يرثه وارثه الخاص، لقيامه مقامه في ارث جميع ما يورث عنه، ويتولاه نائبه العام، وهو الحاكم الشرعي مع غيبته، إلا أن هذا الاحتمال لم يذكروه مع توجهه، وأما الحكم الثاني وهو ما إذا كان موته بعد القبول حيث اعتبرنا القبول المتقدم على الوفاة، فيشكل القول ببطلان الوصية حينئذ، لتمام سبب الملك بالايجاب والقبول، وتوقفه على الشرط وهو الموت لا يوجب بطلانه، ومن ثم انتقل إلى الوارث لو كان، فكما أنه لحصول الشرط يتم الملك للوارث فينبغي أن يتم هنا أيضا.


[ 556 ]

ويمكن الجواب بأن الملك لما كان مشروطا ” بالموت لا يحصل بدونه كما هو ظاهر، وحينئذ فلا بد من مستحق صالح للتملك لينتقل إليه الملك، فان مجرد السبب وان كان تاما ” لم يوجب نقل الملك قبل حصول الشرط، وحينئذ فان كان للموصى له وارث انتقل حق الوصية إليه، وحكم بملكه، لان له أهلية الملك وان لم يقبل بناء على القبول السابق، وان لم يكن له وارث لم يجد الملك محلا قابلا له لينتقل إليه، إذ ليس هناك إلا الموصى له، وقد فاتت أهليته للملك بموته أو وارثه والغرض عدمه. نعم يتمشى على الاحتمال السابق هنا بطريق الاولى، أن ينتقل إلى الامام لتمام سبب الملك وحصول الشرط للملك، والامام وارث للموصى له كالخاص، فينتقل الملك، وان لم نقل بانتقال حق القبول إليه، لان الحق هنا أقوى، انتهى كلامه زيد مقامه. أقول: قد عرفت ما حققناه في المسائل المشار إليها آنفا ” أنه لا دليل على هذا القول الذى يكررون ذكره، ويفرعون عليه ما يذكرونه من الفروع، وان غاية ما يستفاد من الاخبار المتكثرة في باب الوصية هو أنه متى أوصى أحد لاحد بشئ فانه يصح، ويكون لزومه مراعى بموت الموصي قبل الرجوع فيه، فمتى مات الموصي كذلك وجب على الوصي أو الورثة انفاذ الوصية، هذا غاية ما يفهم من الاخبار، وهم انما رتبوا ذلك واستندوا فيما ذكروه إلى كون الوصية عقدا يشترط فيه الايجاب والقبول، مع أنهم لم يوردوا على ذلك دليلا ” إلا مجرد ظاهر اتفاقهم إن تم، وحينئذ فيأتى على ما ذكرناه أنه متى أوصى إلى أحد بشئ ومات الموصى له في حياة الموصي، فان كان له وارث فالاشهر الاظهر كما عرفت أنه تنتقل الوصية إلى الوارث، ويكون لزومها مراعى بموت الموصي، فان مات ولم يرجع وجب انفاذها. وأما إذا مات الموصى له وليس له وارث ومات الموصي والحال هذه من غير أن يرجع في الوصية فظاهرهم كما عرفت أنه تبطل الوصية، لما ذكره هنا في


[ 557 ]

المسالك من التعليلات المذكورة، وزاد احتمال رجوع الوصية إلى الامام عليه السلام ومرجع ما ذكرناه إلى ما ذكره من الحكم الثاني. وأما الاشكال الذى أورده عليه فقد عرفت الجواب عنه بما ذكره، وهو الحق في المقام، والاصحاب قد ذكروا هنا في صورة البطلان أنه تنتقل الوصية إلى ورثة الوصي، وحق الكلام أن يقال إلى الموصي، لان المفروض أن الموصى له مات في حياة الموصي، والحال أنه لا وارث له وقت موته، ومقتضى الحكم ببطلان الوصية في تلك الحال، هو الانتقال إلى الموصي، لان ذلك مفروض في حياته وهو ظاهر هذا. ولو كان موت الموصى له إنما وقع بعد موت الموصي، والحال أنه ليس له وارث، فيحتمل ما ذكره ابن ادريس من البطلان في صورة ما لو تعذر صرف الوصية في الوجه الموصى به، وقد عرفت ضعفه، ويحتمل أن تكون الوصية للامام عليه السلام لانه الوارث لمن لا وارث له، والموصى له قد ملكها واستقر ملكه عليها بالوصية وموت الموصي، ويحتمل وهو الاقرب الصدقة به عنه، لما تقدم في المسائل السابقة من صحيحة العباس بن عامر (1) ” قال: سألته عن رجل أوصى له بوصية فمات قبل أن يقبضها، ولم يترك عقبا “، قال اطلب له وارثا ” أو مولى فادفعها إليه، قلت: فان لم أعلم له وليا “، قال: اجهد على أن تقدر له على ولي فان لم تجده وعلم الله منك الجهد فتصدق بها “. ومن هذه الرواية يعلم بعد ما احتمله في صورة البطلان من الصحة بحمل الوارث على الامام بقوله نعم يتمشى على الاحتمال السابق إلى آخره، فان المتبادر من اطلاق الوارث انما هو الوارث الخاص، فما ذكره من احتمال الامام في كلا الموضعين بعيد جدا، ولهذا لم يذكره غيره من الاصحاب كما اعترف به، والوجه فيه ما ذكرناه، والله العالم.


(1) التهذيب ج 9 ص 231 ح 905، الوسائل ج 13 ص 409 ح 2.


[ 558 ]

    الثانية عشر: قالوا: لو أوصى للاقرب نزل على مراتب الارث من حيث المرتبة لا من حيث الاستحقاق، فان الوصية يتساوى فيها الذر والانثى، والمتقرب بالابوين، والمتقرب بالام، وان كانوا اخوة، والمراد من تنزيله على المراتب مراعاة المرتبة الاولى من مراتب الارث، وتقديمها على الثانية، وكذا الثانية على الثالثة، وحينئذ فلا يعطى الابعد في المرتبة مع وجود الاقرب ومقتضى ذلك تقديم العم من الاب على ابن العم من الابوين، وان كان ابن العم مقدما في الارث لدليل خارج، مع احتمال تقديمه هنا أيضا “، نظرا إلى الاقربية بحسب الارث، لكنه يخرج بقيد المنع من اعطاء الابعد مع وجود الاقرب، هذا ملخص ما ذكروه في ذلك، والله العالم.