مصادر الزكاة

المقصد الثاني

في ما تجب فيه الزكاة من الأموال

وحيث انه من المجمع عليه نصا وفتوى هو وجوبها في الأنعام والنقدين الغلات الأربع وأنها تستحب في بعض الأموال أيضا، فالكلام في هذا المقصد يقتضى بسطه في مطالب أربعة:

المطلب الأول

في الأنعام

والكلام فيه يقع في مقامات ثلاثة:

المقام الأول

في نصب زكاة الابل، وهى اثنا عشر نصابا بالاجماع من علماء الاسلام على ما نقله جملة من الاعلام (1) وكأنه بناء منهم على عدم الاعتداد بالمخالف في بعضها وشذوذه وندرته كما ستقف عليه ان اشاء الله تعالى من الخلاف في المقام ولا تجب في ما دون خمس من الابل فإذا تمت خمسا ففيها شاة ثم إذا بلغت عشرا ففيها شاتان ثم خمس عشرة ففيها ثلاث شياه ثم عشرين ففيها اربع ثم خمسا وعشرين ففيها خمس ثم ستا وعشرين ففيها بنت مخاض وهى التى دخلت في الثانية ثم ستا وثلاثين ففيها بنت لبون وهي التي دخلت في الثانية ثم ستا واربعين ففيها حقة وهى التى دخلت في الرابعة ثم احدى وستين ففيها جذعة وهى التى دخلت في الخامسة ثم ستا وسبعين ففيها بنتا لبون ثم احدى وتسعين ففيها حقتان ثم مائة واحدى وعشرين ففى كل أربعين بنت لبون وفى كل خمسين حقة. ولا خلاف في الخمسة الاول وانما الخلاف في النصاب السادس فان ابن ابى عقيل أسقطه وأوجب بنت مخاض في خمس وعشرين إلى ست وثلاثين وهو


(1) يظهر الحال في مذهب العامة في نصب الابل من التعليقة الآتية.


[ 44 ]

قول الجهور (1) كما صرح به جملة من أصحابنا (رضوان الله عليهم) وفى المدارك نقل هذا القول عن ابن ابى عقيل وابن الجنيد، وهو سهو منه فان ابن الجنيد لم يسقطه غاية الامر انه وافق ابن ابى عقيل في اخراج بنت مخاض في خمس وعشرين. وبما ذكرنا صرح العلامة في المختلف. ويدل على القول المشهور الاخبار الكثيرة ومنها – صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج عن ابى عبد الله عليه السلام (2) المروية في الكافي والتهذيب قال: ” في خمس قلائص شاة وليس في ما دون الخمس شئ، وفى عشر شاتان وفى خمس عشرة ثلاث وفى عشرين اربع وفى خمس وعشرين خمس وفى ست وعشرين بنت مخاض إلى خمس وثلاثين


(1) ذكر في المغنى ج 2 ص 577 نصب الابل كما هنا باسقاط السادس كما نقل عن ابن ابى عقيل ثم قال: وهذا كله مجمع عليه. وفى البداية ج 1 ص 238 اجمع المسلمون عليه إلا في ما زاد على عشرين ومائة ففيه الخلاف، فان مالكا قال إذا زاد على مائة وعشرين فالمصدق بالخيار ان شاء أخذ ثلاث بنات لبون وان شاء أخذ حقتين، وقال ابن القاسم من اصحابه بل يأخذ ثلاث بنات لبون من غير خيار إلى ان تبلغ ثمانين ومائة فيكون فيها حقة وابنتا لبون، وبهذا القول قال الشافعي. وقال عبد الملك بن الماجشون من اصحاب مالك بل يأخذ الساعي حقتين فقط من غير خيار إلى ان تبلغ مائة وثلاثين. وقال الكوفيون أبو حنيفة واصحابه والثوري إذا زادت على مائة وعشرين عادت الفريضة بمعنى ان في كل خمس شاة، فإذا كانت الابل مائة وخمس وعشرين كان فيها حقتان وشاة: الحقتان الممائة وعشرين والشاة الخمس… إلى آخر كلامه وفى المهذب ج 1 ص 144 بعد أن وافق المغنى والبداية في ترتيب النصب قال: إذا بلغت مائة واحدى وعشرين كان فيها ثلاث بنات لبون ثم في كل اربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة ” والاصل فيه رواية انس. وفى البحر الرائق ج 2 ص 213 عد النصب كما تقدم إلى مائة وعشرين، واما الزائد عليه فتفصيله في كل خمس شاة إلى مائة وخمس واربعين ففيها حقتان وبنت مخاض وفي مائة وست وثمانين ثلاث حقاق وبنت لبون وفي مائة وست وتسعين اربع حقاق إلى مأتين. (2) الوسائل الباب 2 من زكاة الانعام.


[ 45 ]

وقال عبد الرحمان هذا فرق بيننا وبين الناس فإذا زادت واحدة ففيها ابنة لبون إلى خمس واربعين فإذا زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين فإذا زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين فإذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين ومائة فإذا كثرت الابل ففى كل خمسين حقة “. وصحيحة ابى بصير – وهو المرادى بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه – عن ابى عبد الله عليه السلام (1) قال: ” سألته عن الزكاة قال ليس في ما دون الخمس من الابل شئ فإذا كانت خمسا ففيها شاة إلى عشر فإذا كانت عشرا ففيها شاتان إلى خمس عشرة فإذا كانت خمس عشرة ففيها ثلاث من الغنم إلى عشرين فإذا كانت عشرين ففيها أربع من الغنم إلى خمس وعشرين فإذا كانت خمسا وعشرين ففيها خمس من الغنم فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين فان لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر فإذا زادت واحدة على خمس وثلاثين ففيها ابنة لبون انثى إلى خمس واربعين فإذا زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين فإذا زادت واحدة ففيها بنتا لبون إلى تسعين فإذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين ومائة فإذا اكثرت الابل ففى كل خمسين حقة. ولا تؤخذ هرمة ولا ذات عوار إلا أن يشاء المصدق ان يعد صغيرها وكبيرها “. وصحيحة زرارة المروية في من لا يحضره الفقيه (2) وهى مثل صحيحة ابى بصير المذكورة إلا ان آخرها هكذا: ” فإذا زادت واحدة فحقتان إلى عشرين ومائة فإذا زادت على العشرين والمائة واحدة ففى كل خمسين حقة وفى كل اربعين بنت لبون “. وما نقله في المعتبر (3) قال: روى أبو بصير وعبد الرحمان بن الحجاج وزرارة عن ابى جعفر وابى عبد الله (عليهما السلام) قالا: ” إذا زادت عن خمس وعشرين ففيها بنت مخاض فان لم تكن فابن لبون ذكر إلى خمس وثلاثين فان زادت فابنة لبون


الوسائل الباب 2 و 10 من زكاة الانعام (2) الوسائل الباب 2 من زكاة الانعام (3) ص 259 والظاهر انه يشير إلى الروايات الثلاث المتقدمة وليست رواية مستقلة


[ 46 ]

إلى خمس واربعين فان زادت فحقة إلى ستين فان زادت فجذعة إلى خمس وسبعين فان زادت فابنتا لبون إلى تسعين فان زادت فحقتان إلى عشرين ومائة – قال وهذا مذهب علماء الاسلام – فان زادت ففى كل خمسين حقة وفى كل اربعين بنت لبون ” قال: وبه قال علماؤنا. ثم نقل اقوال العامة. وهذه الرواية لم يتعرض لنقلها آحد من الاصحاب في كتب الاستدلال ولا من المحدثين في كتب الحديث حتى صاحب الوسائل الذى جمع فيه ما زاد على كتب الحديث الاربعة، إلى غير ذلك من الاخبار. احتج ابن ابى عقيل على ما نقل عنه بصحيحة الفضلاء عن ابى جعفر وابى عبد الله (عليها السلام) (1) قالا: ” في صدقة الابل في كل خمس شاة إلى أن تبلغ خمسا وعشرين فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض وليس فيها شئ حتى تبلغ خمسا وثلاثين فإذا بلغت خمسا وثلاثين ففيها ابنة لبون ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ خمسا واربعين فإذا بلغت خمسا واربعين ففيها حقة طروقة الفحل ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ ستين فإذا بلغت ستين ففيها جذعة ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ خمسا وسبعين فإذا بلغت خمسا وسبعين ففيها ابنتا لبون ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ تسعين فإذا بلغت تسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل ثم ليس فيه شئ اكثر من ذلك حتى تبلغ عشرين ومائة فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الفحل فإذا زادت واحدة على عشرين ومائة ففى كل خمسين حقة وفى كل اربعين بنت لبون ثم ترجع الابل على اسنانها. وليس على النيف شئ ولا على الكسور شئ ولا على العوامل شئ انما ذلك على السائمة الراعية. قال قلت فما في البخت السائمة ؟ قال مثل ما في الابل العربية.. الحديث “. ونقل المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في كتاب الوسائل (2) هذا الحديث عن كتاب معاني الاخبار بما يوافق القول المشهور وذكر انه رواه عن ابيه عن سعد بن عبد الله بن ابراهيم بن هاشم عن حماد بن عيسى مثله، إلا أنه قال على


(1) الوسائل الباب 2 و 7 و 3 من زكاة الانعام (2) الوسائل الباب 3 من زكاة الانعام


[ 47 ]

ما في بعض النسخ الصحيحة – فإذا بلغت خمسا وعشرين فان زادت واحدة ففيها بنت مخاض.. إلى أن قال فإذا بلغت خمسا وثلاثين فان زادت واحدة ففيها ابنة لبون ثم قال فإذا بلغت خمسا واربعين وزادت واحدة ففيها حقة ثم قال فإذا بلغت ستين وزادت واحدة ففيها جذعة ثم قال فإذا بلغت خمسا وسبعين وزادت واحدة ففيها ابنتا لبون ثم قال فإذا بلغت تسعين وزادت واحدة ففيها حقتان ” وذكر الحديث مثله. اقول: وقد اضطرب كلام الاصحاب (رضوان الله عليهم) في الجواب عن صحيحة الفضلاء بناء على الرواية المشهورة، فنقل عن السيد المرتضى (رضى الله عنه) حمل بنت المخاض على كونها بالقيمة عن الخمس شياه، واحتمل بعض حمله على الاستحباب والشيخ (قدس سره) قد أجاب عنه بان قوله عليه السلام ” فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض ” يحتمل أن يكون المراد وزادت واحدة وان لم يذكر في اللفظ لعلمه يفهم المخاطب ذلك، قال: ولو لم يحتمل ما ذكرناه لكان لنا أن نحمل هذه الرواية على ضرب من التقية لانها موافقة لمذهب العامة (1). واعترضه المحقق في المعتبر فقال بعد نقل كلامه: والتأويلان ضعيفان، اما الاضمار فبعيد في التأويل، وأما التقية فكيف يحمل على التقيه ما صار إليه جماعة من محققى الاصحاب ورواه احمد بن محمد ابن ابى نصر البزنطى، وكيف يذهب على مثل ابن ابى عقيل والبزنطي وغيرهما ممن اختار ذلك مذهب الامامية من غيرهم ؟ والاولى أن يقال فيه روايتان اشهرهما ما اختاره المشايخ الخمسة واتباعهم. انتهى. ولا يخفى ما فيه من الوهن الغنى عن التنبيه عليه والتوجيه، والحق انه لا معدل عن أحد الوجهين اللذين ذكرهما الشيخ (قدس سره) ويؤيد الحمل على التقية وهو الذى اختاره المحدث الكاشانى في الوافى صحيحة عبد الرحمان المتقدمة وقوله فيها ” هذا فرق بيننا وبين الناس ” مع ما عرفت من انه مذهب الجمهور، إلا انه يخدشه ان الاشكال في الصحيحة المذكورة ليس مخصوصا بهذا الموضع بل الاشكال


(1) ارجع إلى التعليقة 1 ص 44


[ 48 ]

في جملة النصب المتأخرة إلى النصاب الاخير، فانه لا قائل بذلك من العامة ولا من الخاصة وهو خلاف جملة الاخبار الواردة في المسألة، والامر دائر بين شيئين: اما رد الرواية المذكورة من هذه الجهة مع ما هي عليه من الصحة والاسناد إلى امامين واشتمالها على نصب الانعام الثلاثة وجملة من أحكامها كما سيأتي نقل ذلك كل في موضعه وهو مشكل لا يمكن التزامه، وإما قبولها وحملها على ما يقوله الشيخ من الاضمار والتقدير في كل نصاب، وهو وان بعد لعدم كونه معهودا في الكلام إلا انه في مقام الجمع مما لابد منه. وأما كلام صاحب المعتبر فانه غير موجه ولا معتبر كما لا يخفى عل من تأمل بعين الانصاف ونظر. وينبغى التنبيه على امور الاول – لا يخفى انه قد وقع الخلاف في هذا المقام ايضا في مواضع: منها ما ذهب إليه ابن الجنيد من أن الواجب في خمس وعشرين بنت مخاض انثى فان لم تكن فابن لبون فان لم يكن فخمس شياه. ولم نقف له في الاخبار على مستند. ومنها – ما نقله في المختلف عن الشيخ على بن بابويه من أنه قال في رسالته فإذا بلغت خمسا واربعين وزادت واحدة ففيها حقة وسميت حقة لانها استحقت ان يركب ظهرها – إلى تبلغ ستين فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى ثمانين فان زادت واحدة ففيها ثنى. ثم قال في المختلف: وهو قول ابنه محمد في كتاب الهداية. ولم يوجب باقى علمائنا في احدى وثمانين شيئا أصلا عدا نصاب ست وسبعين. ثم استدل على القول المشهور بالاخبار المتقدمة. اقول: ما نقله هنا من عبارة الرسالة هو عين عبارة كتاب الفقه الرضوي كما قدمنا لك أمثال ذلك في مواضع عديدة من كتاب الصلاة، فانه عليه السلام قال (1) بعد ذكر النصب المتقدمة كما مر في الاخبار: ” فإذا بلغت خمسا وأربعين وزادت واحدة ففيها حقة وسميت حقة – لانها استحقت أن يركب ظهرها إلى أن تبلغ ستين فإذا


(1) ص 22


[ 49 ]

زادت واحدة ففيها جذعة إلى ثمانين فإذا زادت واحدة ففيها ثنى “. ومنه يعلم ان مستند الصدوقين هنا انما هو الكتاب المذكور كما تقدم في تلك المواضع. إلا ان الحكم غريب لخروجه عن مقتضى الاخبار الكثيرة المتفق عليها بين الطائفة سواهما (رضى الله عنها). ولا يخفى ما في تمسكهما بهذا الكتاب في مثل هذا المقام من الدلالة على يقينهما بكونه عنه عليه السلام وثبوته زيادة على تلك الاخبار، وإلا فكيف يجوز منهما الخروج عن تلك الاخبار الصحيحة الصريحة مع قرب العهد إلى العمل بهذا الكتاب. ومنها – النصاب الاخير فقد نقل فيه الخلاف عن المرتضى (رضى الله عنه) في الانتصار كما نقله في المختلف، وليس في التعرض لنقله كثير فائدة وان ادعى عليه الاجماع مع مخالفته له في سائر كتبه ولا سيما المسائل الناصرية، ومن أحب الوقوف على ذلك فليرجع إلى كتاب المختلف.

الثاني – قد اشتمل بعض الاخبار المتقدمة على ان الواجب إخراجه في النصاب الاخير – وهو مائة واحدى وعشرون في كل خمسين حقة وفى كل أربعين بنت لبون، ومنها صحيحة زرارة المتقدم نقلها عن الفقيه، ورواية اخرى له في التهذيب ايضا (1) وصحيحة الفضلاء، وظاهر هذه الروايات التخيير بين هذين الفردين بعد العد باحد العددين، وبه صرح شيخنا الشهيد الثاني في فوائد القواعد كما نقل عنه ونسبه إلى ظاهر الاصحاب. وظاهره (قدس سره) في كتاب المسالك بل صريح ان المراد بذلك كون النصاب أمرا كليا لا ينحصر في فرد وان التقدير بالاربعين والخمسين ليس على وجه التخيير مطلقا بل يجب التقدير بما يحصل به الاستيعاب، فان أمكن بهما تخير وان لم يمكن بهما وجب اعتبار أكثرهما استيعابا مراعاة لحق الفقراء ولو لم يمكن إلا بهما وجب الجمع، فعلى هذا يجب تقدير أول هذا النصاب وهو المائة واحدى وعشرون


(1) الوسائل الباب 2 من زكاة الانعام


[ 50 ]

بالاربعين وتقدير المائة والخمسين وبالخمسين والمائة والسبعين بهما، ويتخير في المائتين وفى الاربعمائة بين اعتباره بهما وبكل واحد منهما. انتهى. وبمثل ذلك صرح المحقق الشيخ على والعلامة في المنتهى، والظاهر انه هو المشهور كما يفهم من عبارة المنتهى. وفيه ان ظاهر ما ورد بالعد بالخمسين خاصة كما تقدم في صحيحتي عبد الرحمان وابى بصير يدفع ذلك، فان ظاهرهما العد بالخمسين مطلقا ولو في نصاب المائة واحدى وعشرين الذى أوجب فيه العد بالاربعين خاصة، ولو كان العد في هذا الموضع متعينا بالاربعين كما ذكره (قدس سره) لما ساغ اطلاق هذه الاخبار بالعد بالخمسين. وايضا فان التخيير في صحيحتي الفضلاء وزرارة وقع على أثر ذكر نصاب مائة واحدى وعشرين الذى أوجب فيه العد بالاربعين خاصة، ولو تعين فيه العد بالاربعين لم يحسن ذكر التخيير في صورة لا يجوز فيها إلا أحدهما. وبالجملة فان الروايات كملا لا تجتمع إلا على القول بالتخيير مطلقا كما هو ظاهر تلك الاخبار المشتملة على الاربعين والخمسين، نعم ما ذكره متضمن للاحتياط ولاريب في أولويته وأما تعينه فهو خلاف ظاهر تلك الاخبار كما عرفت.

الثالث – هل الواحدة الزائدة على المائة وعشرين جزء من النصاب أو شرط في الوجوب وليست بجزء، فلا يسقط بتلفها بعد الحول بغير تفريط شئ كما لا يسقط في الزائد عنها من ما ليس بجزء، للاربعين أو الخمسين على المشهور بين المتأخرين ؟ فيه وجهان، اختار أولهما العلامة في النهاية، وثانيهما جملة من المتأخرين، وتوقف في البيان، من حيث اعتبارها نصا الموجب للجزئية، ومن ايجاب الفريضة في كل خمسين واربعين الظاهر في خروجها. الرابع – قد صرح الاصحاب بان الزكاة في الابل بنوعيها من البخت والعراب وعلى ذلك دلت صحيحة الفضلاء المتقدمة (1) حيث قال فيها: ” قلت ما في البخت السائمة ؟ قال مثل ما في الابل العربية ” قال في المصباح المنير: والبخت نوع من الابل


(1) ص 46


[ 51 ]

الواحد بختى مثل روم ورمى ويخفف ويثقل. انتهى. والاصحاب عبروا عنها بالابل الخراسانية ويؤيده مقابلتها في الخبر بالابل العربية.

الخامس – الاظهر تخير المالك في الخراج ما شاء إذا كان بصفة الواجب كما اختاره جملة من الاصحاب، وقيل انه إذا وقعت المشاحة يقرع حتى تبقى السن التى تجب، بان يقسم ما جمع الوصف قسمين ثم يقرع بينهما ثم يقسم ما خرجت عليه القرعة وهكذا حتى يبقى قدر الواجب. نقل ذلك عن الشيخ وجماعة ولم نقف لهم على مستند على الخصوص. ويدل على الاول صحيحة بريد العجلى (1) قال: ” سمعت أبا عبد الله عليه لاسلام يقول: بعث امير المؤمين عليه السلام مصدقا من الكوفة إلى باديتها فقال له يا عبد الله انطلق.. إلى أن قال فإذا اتيت ماله فلا تدخله إلا باذنه فان اكثره له فقل يا عبد الله اتأذن لى في دخول مالك فان أذن لك فلا تدخله دخول متسلط عليه فيه ولا عنف به، فاصدع المال صدعين ثم خيره أي الصدعين شاء فايهما اختار فلا تعرض له ثم إصدع الباقي صدعين ثم خيره فايهما اختار فلا تعرض له، فلا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق الله في ماله فإذا بقى ذلك فاقبض حق الله منه، فان استقالك فاقله ثم اخلطهما واصنع مثل الذى صنعت اولا حتى تأخذ حق الله في ماله.. الحديث ” ونحوه في الدلالة على المراد غيره ولكن ليس بهذا التفصيل. وهذا الحكم جار في غير الابل من المواشى الزكوية.

السادس – قال شيخنا الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه (2) قال مصنف هذا الكتاب (رحمة الله) اسنان الابل أول ما تطرحه امه إلى تمام السنة حوار فإذا دخل في الثانية سمى ابن مخاض لان امه قد حملت، فإذا دخل في الثالثة سمى ابن لبون لان امه قد وضعت وصار لها لبن، فإذا دخل في الرابعة سمى الذكر حقا


(1) الوسائل الباب 14 من زكاة الانعام (2) ج 2 ص 13


[ 52 ]

والاثى حقة لانه قد استحق أن يحمل عليه، فإذا دخل في الخامسة سمى جذعا، فإذا دخل في السادسة سمى ثنيا لانه قد القى ثنيته، فادا دخل في السابعة القى رباعيته وسمى رباعيا، فإذا دخل في الثامنة القى السن التى بعد الرباعية وسمى سديسا، فإذا دخل في التاسعة فطر نابه وسمى بازلا، فإذا دخل في العاشرة فهو مخلف، وليس له بعد هذا اسم، والاسنان التى تؤخذ في الصدقة من ابن المخاض إلى الجذع. انتهى. وبمثل ذلك صرح ثقة الاسلام الكليني والشيخ، والصدوق قد علل كلا من هذه الاسنان إلا الجذع، وقد علل التسمية بذلك لانه بجذع مقدم انسانه أي يسقط.

السابع – قد صرح الاصحاب (رضوان الله عليهم) بان من وجبت عليه سن من الابل وليس عنده إلا الاعلى منه بسن دفعه واستعاد من الصدق شاتين أو عشرين درهما، ومن لم يكن عنده إلا الادنى بسن دفعه ووجب عليه ان يجبره بشاتين أو عشرين درهما، والحكم مجمع عليه بينهم في ما أعلم. ويدل عليه ايضا ما روه في الكافي عن محمد بن مقرن بن عبد الله بن زمعة بن سبيع عن ابيه عن جده عن جد ابيه (1) ” ان امير المؤمنين عليه السلام كتب له في كتابه الذى كتب له بخطه حين بعثه على الصدقات: من بلغت عنده من الابل صدقة الجذعة وليس عنده جذعة وعنده حقة فانه تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده حقة وعنده جذعة فانه تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما، ومن بلغت صدقته حقة وليست عنده حقة وعند ابنة لبون فانه تقبل منه ابنة لبون ويعطى معها شاتين أو عشرين درهما، ومن بلغت صدقته ابنة لبون وليست عنده ابنة لبون وعنده حقة فانه تقبل منه الحقة ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما، ومن بلغت صدقته ابنة لبون وليست عنده ابنة لبون وعنده ابنة مخاض فانه تقبل منه ابنة مخاض ويعطى معها شاتين أو عشرين درهم، ومن بلغت صدقته ابنة مخاض وليست عنده ابنة مخاض


(1) الوسائل الباب 13 من زكاة الانعام


[ 53 ]

وعنده ابنة لبون فانه تقبل منه ابنة لبون ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما، ومن لم يكن عنده ابنة مخاض على وجهها وعنده ابن لبون ذكر فانه يقبل منه ابن لبون وليس معه شئ.. الحديث ” ورواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن زرارة ابى جفعر عليه السلام مثله. وجمهور المتأخرين ومتأخريهم ومنهم السيد السند في المدارك والفاضل الخراساني في الذخيرة وغيره هما لم ينقلوا إلا الخبر الاول واعتذروا عن ضعف سنده باتفاق الاصحاب على القول بمضمونه مع ان صحيحة زرارة المشار إليها صريحة في ذلك غنية عن هذا الاعتذار. ونقل عن الشيخ على بن بابويه وابنه الصدوق في المقنع جعل التفاوت بين بنت المخاض وبنت اللبون شاة يأخذها المصدق أو يدفعها. كذا نقله عنهما في المختلف اقول: وهذا ايضا مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي حيث قال عليه السلام في الكتاب المذكور (2) بعد ذكر خمسة وثلاثين: فان زادت واحدة ففيها ابنة لبون ومن لم تكن عنده وكانت عنده ابنة مخاض اعطى المصدق ابنة مخاض واعطى معها شاة، إذا وجبت عليه ابنة مخاض ولم تكن عنده وكانت عنده ابنة لبون دفعها واسترجع من المصدق شاة. انتهى.

فروع:

الاول – نقل عن العلامة في التذكرة وبه قطع الشهيد الثاني على ما نقله عنه سبطه في المدارك – الا كتفاء في الجبر بشاة وعشرة دراهم، وكأنه بنى على التخيير بين الشاتين والعشرين درهما في الاخبار. وهو لا يخلو من وجه من حيث الاعتبار إلا انه خلاف ظاهر النص.

الثاني – قد ذكر الاصحاب هنا ان الخيار في دفع الاعلى أو الادنى وفى الجبر


(1) الوسائل الباب 13 من زكاة الانعام (2) ص 22


[ 54 ]

بشاتين أو الدراهم إلى المالك لا إلى المصدق أو الفقير سواء كانت قيمة الواجب السوقية مساوية لقيمة المدفوع على الوجه المذكور أم زائدة عليها أم ناقصة عنها لاطلاق النص. واستشكل فيه بعضهم في صورة استيعاب قيمة المأخوذ من المصدق لقيمة المدفوع إليه، من اطلاق النص وشموله للصورة المذكورة، ومن ان المالك كأنه لم يؤد شيئا، كما إذا وجبت على المالك ابنة مخاض وليست عنده وأعطى عوضها سنا أعلى ابنة لبون فانه يعطيه المصدق حينئذ عشرين درهما، فلو فرضنا كون ابنة اللبون قيمتها السوقية يومئذ عشرين درهما فكأن المالك لم يعط شيئا بالكلية لانه اعطى ابنة لبون وأخذ قيمتها السوقية. وقد نقل هنا عن العلامة في التذكرة القول بعدم الاجزاء، قال في المدارك بعد نقله عنه: وهو متجه. ونفى عنه البعد في الذخيرة ايضا، وهو محتمل حملا للرواية على ما هو المتعارف في ذلك الزمان أو الغالب من زيادة قيمة السن الاعلى على الادنى بذلك المقدار فلا تدخل الصورة المفروضة في اطلاق النص. وينبغى مراعاة الاحتياط في مثل ذلك.

الثالث – مورد الاخبار المتقدمة التفاوت بسن واحد فلو كان التفاوت بازيد كما إذا كانت عنده ابنة مخاض وكان الواجب عليه حقة أو بالعكس فهل يكون الحكم كالاول ويتضاعف الجبران بتضاعف السن فيعطى في الصورة المفروضة ابنة مخاض مع اربع شياه أو اربعين درهما أو يرجع حينئذ إلى القيمة السوقية ؟ قولان والمشهور الثاني قصرا للحكم الخالف للاصل على مورد النص فيجب أخذ القيمة. وهو جيد. وكذا تعتبر القيمة ايضا في ما عدااسنان الابل من البقر والغنم ولا يجب الجبران، فمن عدم فريضة البقر ووجد الاعلى أو الادنى أخرجه بالقيمة فيعطى ما نقص على الاول ويسترد ما زاد على الثاني ان اقتضت القيمة السوقية ذلك.

المقام الثاني:

في نصاب البقر ولها نصابان: ثلاثون وفيها تبيع أو تبيعة على المشهور وهو الذى دخل في الثانية، ثم أربعون وفيها مسنة، اما كون نصابها ذلك


[ 55 ]

فعليه الاجماع نصا وفتوى.

وينبغى أن يعلم انه ليس المراد ان الثلاثين ينحصر في النصاب الاول والاربعين في الثاني بل ان هذا نصابها دائما كما سيظهر لك من الخبر الآتى وكذا من كلام الاصحاب، بمعنى ان الاعداد متى تضاعفت وارتفعت فانه يعد النصاب بالثلاثين والاربعين، وحينئذ فمرجع النصابين إلى نصاب واحد على التخيير ويقدم ما يحصل به الاستيعاب أو يكون به أقرب إليه. واما كون المخرج في النصاب الاول تبيعا أو تبيعة فهو المشهور بل ادعى عليه الاجماع في المنتهى، ونقل عن الشيخ على بن بابويه وابن ابى عقيل ايجاب تبيع حولي خاصة، وبه صرح الصدوق في الفقيه ايضا، وهذا هو الذى تضمنته صحيحة الفضلاء (1) المتقدم صدرها حيث قال فيها بعد ذكر ما قدمنا نقله منها ” وقالا في البقر في كل ثلاثين بقرة تبيع حولي وليس في أقل من ذلك شئ، وفي اربعين بقرة بقرة مسنة، وليس في ما بين الثلاثين إلى الاربعين شئ حتى تبلغ اربعين فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة، وليس في مابين الاربعين إلى الستين شئ فإذا بلغت الستين ففيها تبيعان إلى السبعين، فإذا بلغت السبعين ففيها تبيع ومسنة، إلى الثمانين، فإذا بلغت ثمانين ففى كل أربعين مسنة إلى تسعين، فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبيعات حوليات، فإذا بلغت عشرين ومائة ففى كل أربعين مسنة، ثم ترجع البقر على اسنانها. وليس على النيف شئ ولا على الكسور شئ ولا على العوامل شئ انما الصدقة على السائمة الراعية. وكل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلاشئ عليه حتى يحول عليه الحول فإذا حال عليه الحول وجب عليه… الحديث “. والعجب من المحدث الحر في بدايته مع كونه من متصلى الاخباريين واجلاء المحدثين انه تبع المشهور في هذه المسألة فقال بالتخيير بين التبيع والتبيعة وترك العمل بالخبر مع صحته وصراحته ووجود القائل به من قدماء الاصحاب.


(1) الوسائل الباب 4 و 7 و 8 من زكاة الانعام


[ 56 ]

ومثل هذا الخبر ايضا ما صرح به في كتاب الفقه الرضوي، والظاهر انه هو المعتمد لما ذكره الشيخ على بن الحسين حيث قال: عليه السلام (1) ” وفى البقر إذا بلغت ثلاثين بقرة ففيها تبيع حولي وليس فيها إذا كانت دون ثلاثين شئ، فإذا بلغت اربعين ففيها مسنة إلى ستين، فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان إلى سبعين، فإذا بلغت سبعين ففيها تبيع ومسنة إلى ثمانين، فإذا بلغت ثمانين ففيها مسنتان إلى تسعين، فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبايع، فإذا كثرت البقر سقط هذا كله ويخرج من كل ثلاثين بقرة تبيعا ومن كل اربعين مسنة “. وقال في المدارك – بعد قول المصنف: في كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة.. إلى آخره ما لفظه: هذا قول العلماء كافة وقد تقدم من الاخبار ما يدل عليه. وفيه أولا – ان ما إدعاه من اتفاق العلماء على التخيير في هذا النصاب وان سبقه إليه العلامة في المنتهى إلا انه مردود بما عرفت من خلاف أولئك الفضلاء، ومن ثم نسبه في المختلف إلى المشهور ونقل خلاف ابن ابى عقيل وعلى بن بابويه وثانيا – ان التخيير بين الفردين المذكورين لم نقف له على دليل في الاخبار والرواية التى أشار إلى انها تقدمت وهى صحيحة الفضلاء انما تضمنت التبيع خاصة كما عرفت. إلا ان المحقق في المعتبر (2) نقل صحيحه الفضلاء بما يطابق القول المشهور ولعله كان في بعض الاصول التى كانت عنده حيث قال: ومن طريق الاصحاب ما رواه زرارة ومحمد بن مسلم وابو بصير والفضيل وبريد عن ابى جعفر وابى عبد الله (عليهما السلام) ” قالا في البقر في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة وليس في أقل من ذلك شئ ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ اربعين ففيها مسنة ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ ستين ففيها تبيعان أو تبيعتان ثم في سبعين تبيع أو تبيعة ومسنة ثم في ثمانين مسنتان وفى تسعين ثلاث تبايع “. وهذه الرواية ايضا مثل الاولى التى نقلنا عنه في نصاب الابل لم يتعرض لها


(1) ص 22 (2) ص 260


[ 57 ]

أحد من المحدثين في كتب الاخبار ولا الاصحاب في كتب الاستدلال، وهو عجيب في المقام سيما مع خلو ما ذهبوا إليه في المسألة من الدليل ودلالة هذه الرواية عليه، قال العلامة في المختلف: المشهور ان في ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة، اختاره الشيخان وابن الجنيد والسيد المرتضى وسلار وباقى المتأخرين، وقال ابن ابى عقيل وعلى بن بابويه في ثلاثين تبيع حولي ولم يذكر التبيعة، لنا انه أشهر بين الاصحاب ولان التبيعة أفضل من التبيع فايجابها يستلزم ايجاب التبيع دون العكس فهو احوط فيتعين التخيير. احتجا بما رواه زرارة ومحمد بن مسلم وابو بصير وبريد والفضيل في الحسن عن الباقر والصادق (عليهما السلام) ” قالا في البقر في كل ثلاثين تبيع حولي ” والجواب انه غير مانع من ايجاب الازيد على وجه التخيير. انتهى. وانت خبير بما في هذا الكلام من الضعف الذى لا يخفى على سائر الانام فضلا عن ذوى الافهام، وهل هو الامحض مجازفة في الاحكام. وبالجملة فالاظهر هو ما ذكره الفضلاء المتقدمون لقيام الدليل عليه، سيما مع تكرره في الرواية في النصب الباقية واعتضادها برواية كتاب الفقه الرضوي. وأما ما نقلناه عن المعتبر ففى النفس منه شئ من حيث عدم تعرض أحد لنقل ذلك بالكلية مع تكرر النقل عن المعتبر في كتب الاصحاب في نقل الاقوال والفتاوى وهذا الوضع أولى لما عرفت.

المقام الثالث:

في نصب الغنم وهى خمسة على المشهور وقيل اربعة، فالاول أربعون وفيه شاة، وذهب الصدوق في الفقيه إلى ان النصاب الاول أربعون وواحدة، حيث قال: وليس على الغنم شئ حتى تبلغ أربعين فإذا بلغت اربعين وزادت واحدة ففيها شاة. ورده المتأخرون بعدم وجود الدليل. اقول: لا يخفى ان ما ذكره الصدوق في هذا المقام من هذا الكلام من أوله إلى آخره عين عبارة كتاب الفقه الرضوي (1) ومنه يعلم انه المستند له في ما ذكره. ثم انه ليس في ما زاد على ذلك شئ حتى تبلغ مائة واحدى وعشرين وفيها


(1) ص 22


[ 58 ]

شاتان ثم مائتان وواحدة وفيها ثلاث شياه ثم ثلاثمائة وواحدة وهذا هو النصاب الرابع، فقيل بانه بعد بلوغ هذا المقدار يلغى ما تقدم ويؤخذ من كل مائة شاة فيكون الواجب هنا ثلاث شياه كما تقدم ولا يتغير الفرض إلا ببلوغ أربعمائة. والى هذا القول ذهب جملة من الاجلاء كالشيخ المفيد والمرتضى والصدوق وابن ابى عقيل وسلار وابن حمزة وابن ادريس، وعلى هذا فتكون النصب أربعة. وذهب جملة: منهم الشيخ وابن الجنيد وابو الصلاح وابن البراج والظاهر انه المشهور كما يظهر من المعتبر – إلى انه بعد بلوغ ثلاثمائة وواحد يجب فيها أربع شياه إلى أن تبلغ أربعمائة فليغى ما تقدم ويؤخذ من كل مائة شاة فيكون الواجب هنا اربع شياه ولا يتغير الفرض إلا ببلوغ خمسمائة. ويدل على القول الاول صحيحة محمد بن قيس عن ابى عبد الله عليه السلام (1) قال ” ليس في ما دون الاربعين من الغنم شئ فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة فإذا كثرت الغنم ففى كل مائة شاة. ولا تؤخذ هرمة ولا ذات عوار إلا أن يشاء المصدق. ولا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق. ويعد صغيرها وكبيرها “. ويدل على الثاني صحيحة الفضلاء (2) المتقدم ذكرها في المقامين المتقدمين، حيث قالوا: ” وقالا في الشاة في كل أربعين شاة شاة وليس في ما دون الاربعين شئ، ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ عشرين ومائة فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة، فإذا زادت على مائة وعشرين ففيها شاتان وليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ ما ئتين فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك، فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه، ثم ليس فيها اكثر من ذلك حتى تبغ ثلاثمائة فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك


(1) الوسائل الباب 6 و 11 من زكاة الانعام (2) الوسائل الباب 6 من زكاة الانعام


[ 59 ]

ثلاث شياه، فإذا زادت واحدة ففيها اربع شياه حتى تبلغ أربعمائة فإذا تمت اربعمائة كان على كل مائة شاة وسقط الامر الاول، وليس على ما دون المائة بعد ذلك شئ ” وليس في النيف شئ. وقالا كل ما لم يحل عليه من ذلك عند ربه حول فلا شئ عليه فإذا حال عليه الحول وجب عليه “. أقول: ويعضد الخبر الاول ما في كتاب الفقه الرضوي حيث قال: عليه السلام (1) وليس على الغنم شئ حتى تبلغ أربعين شاة فإذا زادت على الاربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث إلى ثلاثمائة، فإذا كثرت الغنم سقط هذا كله وتخرج عن كل مائة شاة. وبهذه الرواية عبر الصدوق في الفقيه كما هي عادته غالبا في ما يفتى به من الكتاب المذكور. والظاهر ان وجه الجمع بين الخبرين المتقدمين هو حمل صحيحة محمد بن قيس على التقية، فان ما تضمنته من اسقاط هذا النصاب مذهب أصحاب المذاهب الاربعة كما ذكره في التذكرة، ونقله في المعتبر عن الشافعي وابى حنيفة ومالك (2).

تتمة مهمة:

قال في المدارك بعد الكلام في المقام: والمسألة قوية الاشكال لان الروايتين معتبرتا الاسناد والجمع بينهما مشكل جدا، ومن ثم أوردهما المصنف في المعتبر من غير ترجيح واقتصر في عبارة الكتاب على حكاية القولين ونسب القول الثاني إلى


(1) ص 22 (2) افتى بذلك الشيرازي الشافعي في المهذب ج 1 ص 241 وابن رشد المالكى في بداية المجتهد ج 1 ص 241 ونسبه إلى الجمهور إلا الحسن بن صالح فانه قال: إذا كانت الغنم ثلاثمائة شاة وشاة ففيها أربع شياه وإذا كانت اربعمائة شاة وشاة ففيها خمس شياه. وفى بدائع الصنائع للكاسانى الحنفي ج 2 ص 28 بعد أن ذكر ان في المائتين وواحدة ثلاث شياه قال: فإذا بلغت اربعمائة ففيها أربع شياه ثم في كل مائة شاة. ثم هذا قول عامة العلماء وقال الحسن بن حى إذا زادت على ثلاثمائة واحدة ففيها اربع شياه وفى اربعمائة خمس شياه


[ 60 ]

الشهرة، وقال العلامة في المنتهى ان طريق الحديث الاول أوضح من الثاني واعتضد بالاصل فتعين العمل به. وهو غير بعيد، مع ان الرواية الثانية مخالفة لما عليه الاصحاب في النصاب الثاني وذلك من ما يضعف الحديث، ولو كانتا متكافئتين في السند والمتن لامكن حمل الرواية الاولى على التقيه لموافقتها لمذهب العامة أو حمل الكثرة الواقعة فيها على بلوغ الاربعمائة ويكون حكم الثلاثمائة وواحدة مهملا في الرواية. والله العالم. اقول: ما ذكره من مخالفة الرواية الثانية وفى صحيحة الفضلاء لما عليه الاصحاب فانه صحيح بناء على نقله لها من التهذيب فانها فيه (1) هكذا ” وليس في ما دون الاربعين شئ حتى تبلغ عشرين ومائة ففيها شاتان.. إلى آخره ” وأما على ما قدمناه وهو رواية الكليني في الكافي والشيخ في الاستبصار فانه موافق لما عليه الاصحاب، وعلى ذلك اعتمد في الوافى وكذا صاحب الوسائل لمعلومية الغلط في نقل الشيخ في التهذيب، ولا يخفى على من له انس بالتهذيب ما وقع للشيخ (قدس سره) فيه من التحريف والزيادة والنقصان في المتون والاسانيد كما تقدم التنبيه عليه في مواضع من كتاب الصلاة. وأما ما ذكره – من أن الحمل على التقية فرع مكافئة السند والمتن ففيه أما بالنسبة إلى المتن فقد عرفت ما فيه وان هذا الطعن انما نشأ من قصور تتبعه (قدس سره) لكتب الاخبار وجموده على مراجعة التهذيب خاصة مع اعترافه في بعض المواضع من شرحه بما وقع للشيخ فيه من ما اشرنا إليه، وأما بالنسبة إلى السند فانه ليس في طريق الرواية من يشير إليه كلامه سوى ابراهيم بن هاشم وحديثه عند اصحاب هذا الاصطلاح معتمد مقبول وان عدوه في الحسن، ولم نجد له رادا من أصحاب هذا الاصطلاح سواه في الموضع الذى يريد المناقشة فيه، وإلا فانه قد عده في الصحيح في مواضع من شرحه كما تقدمت الاشارة إليه في غير مقام. وبالجملة فان كلامه في هذا


(1) ج 1 ص 355، واللفظ فيه لا يختلف عن الكافي ج 1 ص 151 والاستبصار ج 2 ص 22 نعم في المدارك نقله كما هنا.


[ 61 ]

الشرح مضطرب غاية الاضطراب. واما ما نقله عن العلامة في المنتهى ونفى البعد عنه من أوضحية السند فهو ممنوع بما ذكرناه. والاصل في مقابلة الخبر الصحيح الصريح غير معمول عليه ولا يلتفت إليه مع وجوب تحصيل يقين البراءة من التكليف الثابت بل هو حاكم عليه ورافع له. وبالجملة فالحق ان الخبرين المذكورين صحيحان صريحان في ما دلا عليه ولا وجه للجمع بينهما إلا بحمل صحيحة محمد بن قيس على التقية كما ذكرنا. ثم العجب منهم (قدس الله اسرارهم) في الغاء العمل بهذه القواعد المقررة عن أئمتهم (عليهم السلام) مع استفاضة الاخبار بها التى من جملتها عرض الخبرين المختلفين على مذهب العامة والاخذ بخلافه (1) بل ورد العرض عليه وان لم يكن في مقام الاختلاف (2) بل ما هو أبلغ من ذلك وهو انه إذا احتاج إلى حكم ولم يكن في البلد من يسأله من فقهاء الشيعة سأل قاضى البلد واخذ بخلافه (3) كما لا يخفى على من أحاط بالاخبار وجاس خلال تلك الديار، وهم ينقلون هنا ان صحيحة محمد بن قيس موافقة لمذهب أئمة المخالفين الاربعة واتباعهم (4) ومع هذا يكابرون على العمل بها ويرجحونها على ما عارضها اعراضا عن تلك القواعد المقررة والضوابط المعتبرة، وليس البحث معهم في ذلك مخصوصا بهذا المقام بل هذه عادتهم في جميع ابواب الفقه كما نبهنا عليه في غير موضع من كتابنا هذا. وليت شعرى إلى من خرجت هذه الاخبار عنهم (عليهم السلام) بهذه الضوابط والقواعد ومن المخاطب والمكلف بها في جميع الموارد ؟ هل إلى غير هذه الشريعة ؟ ام إلى شيعة غير هذه الشيعة ؟ إذا أعرضوا عنها في جميع ابواب الفقه كما عرفت وستعرف، سامحنا الله واياهم بعفوه وغفرانه.


(1) و (2) و (3) الوسائل الباب 9 من صفات القاضى وما يجوز ان يقضى به (4) ارجع إلى التعليقة 2 ص 59


[ 62 ]

وأما ما ذكره (قدس سره) – من احتمال حمل الكثرة في رواية محمد بن قيس على بلوغ الاربعمائة ويكون حكم الثلاثمائة وواحدة فيها مهملا – فقد تبعه فيه جملة من أفاضل متأخرى المتأخرين حتى زعموا انه لا تنافى بين الخبرين، قال في الوسائل بعد ذكر صحيحة محمد بن قيس ما صورته: اقول حكم الثلاثمائة وواحدة غير مذكور هنا صريحا فلا ينافى الحديث الاول. انتهى والظاهر انه مبنى على ما ذكره بعض الفضلاء في هذا المقام حيث قال: وقد ظن جمع من متأخرى الاصحاب ان بين هذا الحديث وحديث محمد بن قيس تعارضا في حكم زيادة الواحدة تحوج إلى الترجيح لاشكال الجمع، والحق انه لا تعارض بين الخبرين لخلو رواية محمد بن قيس عن التعرض لذكر زيادة الواحدة على الثلاثمائة، فان قوله: ” فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة ” يقتضى كون بلوغ الثلاثمائة غاية لفرض الثلاث داخلة في المغيى كما هو الشأن في اكثر الغايات الواقعة فيه وفى غيره من الاخبار المتضمنة لبيان نصب الابل والغنم، والكلام الذى بعده يقتضى اناطة الحكم بوصف الكثرة وفرض زيادة الواحدة ليس من الكثرة في شئ فلا يتناوله الحكم ليقع التعارض بل يكون خبر الفضلاء مشتملا على حكم لم يتعرض له في الآخر. انتهى. وفيه انه لا يخفى ان سياق الحديث لبيان نصب الغنم وترتبيها كما هو الواقع في سائر اخبار نصب الابل والبقر والغنم حيث ذكرت النصب فيها على سبيل الترتيب وما يجب في كل نصاب من الفريضة إلى ان وصل في هذا الخبر إلى ثلاثمائة ثم قال: ” فإذا كثرت الغنم ففى كل مائة شاة ” ولا ريب ان مبدأ الكثرة التى ثبت بها هذا الحكم ما بعد الثلاثمائة من الواحدة فصاعدا لا الا أربعمائة الذى هو النصاب الخامس كما توهمه، ونظير هذه العبارة قد وقع في أخبار نصب الابل كما تقدم، فعبر في جملة منها ” فإذا اكثرت الابل ” كما في صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج وصحيحة ابى بصير، وفى بعض ” فإذا زادت واحدة ” كما في


[ 63 ]

صحيحة الفصلاء (1) والمرجع إلى امر واحد وهو الكثرة التى هي من الواحدة فصاعدا وأما قوله ” ان فرض زيادة الواحدة ليس من الكثرة في شئ ففيه مع كونه مردودا بالروايات المشار إليها انه لو تم للزم أن لا يكون للكثرة في شئ من المراتب مبدأ أصلا وهو باطل. وبالجملة فتعارض الخبرين لا مجال لانكاره ولا وجه للجمع إلا بما ذكرناه. بقى هنا شئ يجب التنبيه عليه وهو ما وقع للعلامة في المنتهى من السهو في هذا المقام حيث انه نقل عن ابن بابويه انه روى في الصحيح عن زرارة عن الباقر عليه السلام انه قال: ” فان زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة فإذا كثر الغنم اسقط هذا كله واخرج عن كل مائة شاة ” وجعل هذا الرواية دليلا على القول بما دلت عليه صحيحة محمد بن قيس وهو غفلة منه (قدس سره) واشتباه وقع له، حيث ان صورة ما في الفقيه (2) هكذا: روى حريز عن زرارة عن ابى جعفر عليه السلام قال: ” قلت له في الجواميس شئ قال مثل البقر. وليس على الغنم شئ حتى تبلغ اربعين شاة فإذا بلغت اربعين وزادت واحدة ففيها شاة.. إلى آخر العبارة ” فالعلامة توهم ان قوله ” وليس على الغنم شئ.. إلى آخر العبارة ” من صحيحة زرارة وانما هو من كلام الصدوق المأخوذ من كتاب الفقه الرضوي كما قدمناه ذكره فان العبارة المذكورة بطولها عين مافى كتاب الفقه، نعم كلامه في الكتاب المذكور موافق لما دلت عليه صحيحة محمد بن قيس وكل ما تحمل عليه الصحيحة المذكورة يجب أن يحمل عليه كلامه عليه السلام وقد عرفت انه ليس إلا التقية.

وتنقيح البحث في هذا المقام يتوقف على رسم مسائل:

الاولى إعلم ان ههنا سؤالا مشهورا نقل ان المحقق (رحمه الله تعالى) أورده في درسه، والاحسن في تقريره ان يقال إذا كان يجب في اربعمائة ما يجب في ثلاثمائة وواحدة فاى فائدة


(1) ص 58 و 59 (2) ج ص 14 وفى الوسائل الباب 5 من زكاة الانعام


[ 64 ]

في جعلهما نصابين ؟ وينسحب مثله في المائتين وواحدة والثلاثمائة وواحدة على القول الآخر. والجواب ان الفائدة تظهر في موضعين: في الوجوب والضمان، اما الوجوب فلان محله في الاربعمائة مجموعها وفى الثلاثمائة وواحدة إلى الاربعمائة الثلاثمائة وواحدة خاصة وما زاد فهو عفو. فهذا أحد وجهى الفائدة في كونهما نصابين. وكذا الكلام في نظيره على القول الآخر. وأما الضمان فانه لو تلفت واحدة من الاربعمائة بعد الحول بغير تفريط سقط من الفريضة جزء من مائة جزء من شاة ولو كان محل الفريضة ناقصا عن هذا العدد لم يسقط من الفريضة شئ ما دامت الثلاثمائة وواحدة باقية لان الزائد عفو. وهكذا يقال بالنسبة إلى القول الآخر. وأورد في المدارك على ذلك – واقتفاه الفاضل الخراساني – ان في عدم سقوط شئ في صورة النقص عن الاربعمائة نظر لان الزكاة تتعلق بالعين فتكون الفريضة حقا شائعا في المجموع ومقتضى الاشاعة توزيع التالف على المجموع وان كان الزائد على النصاب عفوا. ولا منافاة بين الامرين. وعندي ان هذا الكلام لا يخلو من المناقشة فان قوله: ” ان الزكاة تتعلق بالعين فتكون حقا شائعا في المجموع ” ان اويد عين المجموع من النصاب والزائد الذى هو عفو فهو ممنوع، وان اريد بعين النصاب فتكون حقا شائعا في مجموع النصاب فهو مسلم لكن لا يلزم منه ما ذكروه، وتوضيحه انا نقول ان الزكاة حق في النصاب شائع في مجموع الغنم من ما كان عفوا، وحينئذ فلا تقتضي الاشاعة توزيع التالف على مجموع الغنم من النصاب والعفو، وغاية ما يلزم ان يقال ان النصاب هنا غير متميز بل هو مخلوط بالعفو ولكن هذا لا يستلزم تقسيط التالف على ما كان عفوا وان كان النصاب شائعا فيه، إذا الحكم انما يتعلق بالنصاب الذى هو محل الوجوب ونقصان الفريضة انما يدور مدار نقصانه والنصاب الآن موجود كملا ووجود هذا العفو مع كونه خارجا عن محل الوجوب في حكم العدم.


[ 65 ]

وان أردت مزيد توضيح لذلك فانا نقول متى كانت الغنم اربعمائه إلا واحدة وحال عليها الحول فان النصاب منها وهو ثلاثمائة وواحدة قد وجبت فيه اربع شياه، فمحل الفرض والوجوب هو النصاب الذى هو ثلاثمائة وواحدة وان كان شائعا. في الجملة المذكورة، والفريضة وهى أربع شياه إنما تعلقت به وان كانت شائعة في المجموع فلو تلفت واحدة من هذه الغنم على الوجه المفروض لم يضر ذلك بالفريضة بل يجب اخراج تلك الاربع شياه التى أوجبها الشارع في النصاب، لان النصاب موجود لم يلحقه نقص بتلف هذه الشياه والايجاب إنما تعلق به، ولو تم ما ذكروه لاستلزم انه متى حال الحول على هذه الغنم المذكورة فانه لا يجوز للمالك التصرف في شئ منها قبل اخراج الزكاة إلا مع ضمانها تحقيقا للشياع الذى ذكروه، بعين ما صرحوا به في التصرف في النصاب بعد حول الحول وقبل اخراج الزكاة من حيث شيوع حصة الفقراء فيه، وهو باطل قطعا فانه مادام النصاب باقيا له التصرف في الزائد بما أراد ولا يتعلق المنع إلا بالنصاب خاصة. وقال في المدارك: ولو تلفت الشاة من الثلاثمائة وواحدة سقط من الفريضة جزء من خمسة وسبعين جزء من شاة ان لم تجعل الشاة الواحدة جزء من النصاب وإلا كان الساقط منه جزء من خمسة وسبعين جزء وربع جزء. وتنظر فيه الفاضل الخراساني في الذخيرة بانه على تقدير عدم كون الواحدة جزء من الفريضة تكون الواحدة مثل الزائد عليها في عدم سقوط شئ من الفريضة تعد التلف كما ذكروه بالنسبة إلى الاربعمائة لو نقصت. وهو كذلك. وكيف كان فبناء الاحكام الشرعية على مثل هذه الفروض الغريبة النادرة مشكل.

الثانية – قد صرح الاصحاب (رضوان الله عليهم) بانه لا تؤخذ المريضة من الصحاح ولا الهرمة ولا ذات العوار، والعوار مثلثة: العيب كما في القاموس. والحكم بعدم أخذ هذه مجمع عليه بينهم.


[ 66 ]

واستدل عليه في المنتهى بقوله تعالى: ” ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ” (1) وتدل عليه صحيحة محمد بن قيس المتقدمة في نصاب الغنم (2) وقوله فيها: ” ولا تؤخذ هرمة ولا ذات عوار إلا ان يشاء المصدق ” ومقتضى الرواية جواز أخذ ذك متى رضى المصدق. هذا إذا كان في النصاب ما هو سالم من هذه الاوصاف ولو كان النصاب كله منها لم يكلف شراء الخالى منها اجماعا. والممتزج يخرج منه بالنسبة. ولا فرق في هذا الحكم بين الغنم والابل والبقر.

الثالثة – المشهور بين الاصحاب بل ادعى عليه في الخلاف الاجماع ان الواجب في الشاة التى تؤخذ في الزكاة من الغنم والابل أن يكون أقله جذعا من الضأن وثنيا من المعز. وقيل ما يسمى شاة، وهو الاصح واليه. ذهب جملة من أفاضل متأخرى المتأخرين، عملا باطلاق الاخبار المتقدمة في نصب الغنم والابل. واستدل على المشهور كما ذكره في المعتبر بما رواه سويد بن غفلة (3) قال: ” اتانا مصدق رسول الله صلى عليه وآله وسلم وقال نهينا أن نأخذ الراضع وأمرنا أن نأخذ الجذعة والثنية ” والظاهر ان الخبر المذكور عامى فانه غير موجود في اصولنا. قال الشيخ في المبسوط: وأسنان الغنم أول ما تلد الشاة يقال لولدها سخلة ذكرا كان أو انثى في الضأن والمعز سواء، ثم يقال بعد ذلك بهمة ذكرا كان أو انثى فيهما سواء فإذا بلغت أربعة اشهر فهى من المعز جفر للذكر والانثى جفرة والجمع


(1) سورة البقرة الآية. 27 (2) ص 58 (3) لم نجد الحديث باللفظ المذكور في ما وقفنا عليه من كتب العامة، وفي سنن ابى داود ج 2 ص 102 رقم 579 عن سويد بن غفلة قال ” اخبرني من سار مع مصدق النبي ” ص ” فإذا في عهد رسول الله ” ص ” ان لا نأخذ من راضع لبن ولا تجمع بين مفترق ولا نفرق بين مجتمع ” وفي المغنى ج 3 ص 605 روى مالك عن سويد بن غفلة قال ” اتانا مصدق رسول الله ” ص ” وقال امرنا رسول الله ” ص ” ان نأخذ الجذعة من الضان والثنية من المغز ” نعم أورد الشيخ في الخلاف ص 116 الحديث باللفظ المذكور في المتن.


[ 67 ]

جفار، وإذا جاوزت أربعة اشهر فهى العتود وجمعها عتدان وعريض وجمعها عرضان ومن حين ما تولد إلى هذه الغاية يقال لها عناق للانثى والذكر جدى، فإذا استكملت سنة فالانثى عنز والذكر تيس، فإذا دخلت في الثانية فهى جذعة والذكر جذع، فإذا دخلت في الثالثة فهى الثنية والذكر الثنى، فإذا دخلت في الرابعة فرباع ورباعية، وإذا دخلت في الخامسة فهى سديس وسدس، فإذا دخلت في السادسة فهى صالغ، ثم لا اسم لها بعد هذا السن لكن يقال صالغ عام وصالغ عامين وعلى هذا ابدا، واما الضأن فالسخلة والبهمة مثل ما في المعز سواء ثم هو حمل للذكر والانثى إلى سبعة اشهر فإذا بلغت سبعة أشهر قال ابن الاعرابي ان كان بين شابين فهو جذع وان كان بين هرمين فلا يقال جدع حتى يستكمل ثمانية أشهر، وهو جذع ابدا حتى يستكمل سنة فإذا دخل في الثانية فهو ثنى وثنية على ما ذكرناه في المعز سواء إلى آخرها. وانما قيل جذع في الضأن إذا بلغ سبعة أشهر وأجزأ في الاضحية لانه إذا بلغ هذا الوقت كان له نزو وضراب والمعز لا ينزو حتى يدخل في السنة الثانية فلهذا اقيم الجذع في الضحايا مقام الثنى من المعز واما الذى يؤخذ في الصدقة فمن الضأن الجذع ومن الماعز الثنى. انتهى كلام الشيخ (قدس سره) وبنحوه صرح العلامة في المنتهى والتذكرة. ومقتضاه ان الجذع من المعز ما دخل في الثانية والثنى ما دخل في الثالثة، والجذع من الضأن ما بلغ سبعة اشهر ان كان بين شابين وما استكمل ثمانية اشهر ان كان بين هرمين، والثنى منها ما دخل في الثانية. وفي الصحاح ان الجذع يقال لولد الشاة في السنة الثانية. وفى النهاية انه من البقر والمعز ما دخل في السنة الثانية، وقيل البقر في الثالثة، ومن الضأن ما تمت له سنة وقيل أقل منها. وعن الازهرى الجذع من المعز لسنة ومن الضأن لثمانية أشهر. وفى المغرب الجذع من المعز لسنة ومن الضأن لثمانية أشهر. وفى كتاب المصباح المنير والجذع ولد الشاة في السنة الثانية. ثم نقل عن ابن الاعرابي ان الجذع من الضأن إذا كان من شابين يجذع لستة أشهر إلى سبعة أشهر وإذا كان من هرمين


[ 68 ]

أجذع من ثمانية إلى عشرة. وهذا الكلام كله متفق على ان الجذع من المعز ما دخل في السنة الثانية ومن الضأن ماله سبعة أشهر إلى عشرة، والقول بالستة نادر. وأما الثنى فقد عرفت من كلام الشيخ انه من المعز ما دخل في الثالثة ومن الضأن ما دخل في الثانية، ونقل عن الجوهرى انه يكون في الظلف والحافر في السنة الثالثة. وبمثل ذلك صرح الفيومى في كتاب المصباح المنير وصاحب القاموس وصاحب المغرب. وفى النهاية الثنية من الغنم ما دخل في السنة الثالثة ومن البقر كذلك. وهو موافق لما تقدم. وقال في الجمل: وإذا دخل ولد الشاة في السنة الثانية فهو ثنى والانثى ثنية. وقال في كتاب مجمع البحرين: والثنى الذى القى ثنيته وهو من ذوات الظلف والحافر في السنة الثالثة ومن ذوات الخف في السنة السادسة وهو بعد الجذع.. إلى ان قال: وعلى ما ذكرناه من معرفة الثنى الجمع من أهل اللغة. وقيل الثنى من الخيل ما دخل في الرابعة ومن المعز ماله سنة ودخل في الثانية. وقد جاء في الحديث والثنى من البقر والمعز هو الذى تم له سنة. وفى الجمع الثنية من الغنم ما دخل في الثالثة وكذا من البقر والابل في السادسة والذكر ثنى، وعن احمد من المعز في الثانية. انتهى إلى هنا كلام صاحب مجمع البحرين. ومنه يظهر الاختلاف في الثنى إلا ان ظاهر المشهور عند أهل اللغة انه في السنة الثالثة من ذوات الظلف بقرا أو معزا اوضانا. واما كلام الفقهاء (رضوان الله عليهم) فالمنقول عن العلامة ومن تبعه من المتأخرين ان الجذع ما كمل له سبعة أشهر والثنى ما كمل له سنة ودخل في الثانية وظاهرهم الاعم من الضأن والمعز. والجمع بين كلامهم وكلام أهل اللغة لا يخلو من الاشكال، ولا ريب ان الاحتياط يقتضى العمل بما ذكره أهل اللغة إلا ان يعلم لهم مستند من الاخبار في ما ذكروه. الرابعة – اختلف الاصحاب (رضوان الله عليهم) في عد الاكولة وفحل


[ 69 ]

الضراب فالمشهور عدهما وذهب جمع من الاصحاب: منهم المحقق في النافع والشهيد في اللمعة والعلامة في الارشاد إلى عدم عدهما، ويدل عليه ظاهر صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج (1) وقوله عليه السلام فيها ” ليس في الاكيلة ولا في الربى – والربى التى تربى اثنين – ولا شاة لبن ولا فحل الغنم صدقة “. وما ذكره في المدارك – من قوله بعد نقلها انها غير صريحة في المطلوب لاحتمال ان يكون المراد بنفى الصدقة فيها عدم أخذها في الصدقة لا عدم تعلق الزكاة بها – بعيد غاية البعد لانها وان لم تكن صريحة كما ذكره إلا انها ظاهرة في ذلك تمام الظهور، والاستدلال لا يختص بالصريح بل كما يقع به يقع بالظاهر بل اغلب الاستدلالات انما هي بالظاهر، ولا يخفى ان المتبادر من قول الشارع ” ليس في هذا صدقة ” انه ليس من ما تجب فيه الصدقة بان يكون من الاجناس الزكوية لا بمعنى انه لا يؤخذ في الزكاة. والتأويل بارتكاب الخروج عن الظواهر انما يصار إليه في مقام ضرورة الجمع وليس هنا ما يعارض هذه الصحيحة ان كان إلا ما يتخيل من اطلاق الاخبار كقولهم (عليهم السلام) (2) ” في كل اربعين شاة شاة ” والقاعدة في مثله حمل المطلق على المقيد. وممن وافقنا على بعد هذا التأويل الفاضل الخراساني في الذخيرة مع اقتفائه أثر كلام السيد المشار إليه غالبا وانتصاره له في كثير من المواضع، حيث قال بعد نقل كلامه: وما ذكره من الاحتمال بعيد جدا. انتهى. وما ايد به هذا الحمل في المدارك من قوله بعد العبارة المتقدمة: بل ربما تعين المصير إلى هذا الحمل لاتفاق الاصحاب ظاهرا على عد شاة اللبن والربى – ففيه ان ما ذكره من الاتفاق غير معلوم ولا مدعى في المسألة، مع مناقشته في الاجماع الذى يدعونه في غير مقام وان كان يستسلقه ويوافقهم في امثال هذا الكلام، ومع


(1) الفروع ج 1 ص 151 وفي الوسائل الباب 10 من زكاة الانعام (2) الوسائل الباب 6 من زكاة الانعام رقم (1).


[ 70 ]

فرض دعواه فاى مانع من العمل بظاهر الخبر وترجيحه على الاجماع المذكور ؟ ومع تسليم العمل به وترجيحه على الخبر فاى مانع من العمل بالخبر المذكور في الباقي من ما لم يقم اجماع ولا دليل على ما ينافيه ؟ وهل هو إلا من قبيل العام الخصوص ؟ وبالجملة فالظاهر عندي هو القول بما دل عليه الخبر المذكور في الاكولة وفحل الضراب كما هو القول الآخر، والقول بما دل عليه ظاهر الخبر من عدم عد شاة اللبن والربى غير بعيد لدلالة الصحيحة المذكورة عليه من غير معارض ظاهر في البين. والى ما ذكرنا يشير كلام المحقق المولى الاردبيلى (قدس سره) حيث قال وايضا روى في الكافي صحيحا عن عبد الرحمان الثقة عن ابى عبد الله عليه السلام (1) انه قال: ” ليس في الاكيلة ولا في الربى التى تربى اثنين ولا شاة لبون ولا فحل الغنم صدقة ” والظاهر منه عدم الحساب في النصاب والقول بذلك غير بعيد كما نقل القول به في الفحل عن ابى الصلاح. انتهى. وتردد المحدث الكاشانى في المفاتيح في هذه المسألة من حيث بعد التأويل المذكور عن ظاهر الخبر. ومن هفوات صاحب الوسائل جموده هنا على القول المشهور وتأويله الخبر المذكور بما ذكره في المدارك. هذا بالنسبة إلى العد واما الاخذ في الفريضة فظاهرهم الاتفاق على انه لا تؤخذ الربى ولا الاكولة ولا فحل الضراب. ويدل على ذلك موثقة سماعة عن ابى عبد الله عليه السلام (2) قال: ” لا تؤخذ الاكولة – والاكولة الكبيرة من الشاة تكون في الغنم ولا والدة ولا الكبش الفحل ” ويؤيد المنع من أخذ الاكولة وفحل الضراب انهما من كرائم الاموال وقد نهى في الخبر عن التعرض لكرائم اموالهم (3). والاصحاب قد عللوا المنع في الربى بالاضرار بولدها، وجعلوا الحد في المنع من أخذها إلى خمسة عشر يوما وقيل إلى خمسين يوما. ولم نقف لشئ من هذين


(1) و (2) الوسائل الباب 10 من زكاة الانعام (3) سنن ابن ماجة ج 1 ص 543.


[ 71 ]

التحديدين على مستند. والذى يفهم من كلام أهل اللغة ان الربى هي التى ولدت حديثا كما في الصحاح وفى النهاية انها القريبة العهد بالولادة. إلا انه قد تقدم في صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج (1) ” والربى هي التى تربى اثنين ” والمستفاد منها تفسير الربى في هذا المقام بذلك، وهو مشكل لمخالفته للعرف وكلام أهل اللغة كما عرفت. إلا ان الصحيحة المذكورة رواها في الفقيه (2) بهذه الصورة ” ولا في الربى التى تربى اثنين ” وهو أظهر إلا ان فيه تخصيص الحكم بالتى تربى اثنين.

الخامسة – الظاهر انه لا خلاف في أن النصاب المجتمع من المعز والضأن وكذا من الابل العراب والبخاتي وكذا من الجاموس والبقر تجب فيه الزكاة، لان كلا من هذين الصنفين داخل تحت جنس واحد من هذه الاجناس التى تعلقت بها الزكاة، والاول يجمعه جنس الغنم والثانى جنس الابل والثالث جنس البقر. وانما الخلاف في انه هل للمالك الخيار في الاخراج من أي الصنفين شاء وان تفاوتت القيم أو انه يجب التقسيط والاحذ من كل بقسطه مطلقا أو يناط بتفاوت القيم ؟ اقوال ثلاثة أشهر ها الثاني وأظهرها الاول واحوطها الثالث، وحينئذ فلو كان عند المالك نصب عديدة بعضها من الابل العراب وبعضها من البخاتى اخرج من العراب عربية ومن البخاتى بختية من كل نصاب من صنفه، وهكذا البقر والغنم. ولو كان النصاب مجتمعا من صنفي ضأن ومعز مثلا فان كانت الغنم متحدة القيم فلا اشكال في اخراج أي صنف كان، وان تفاوتت القيم يرجع إلى التقسيط، كأن يكون عشرون من البقر وعشرون من الجاموس والتبيع من البقر وهو الفريضة قيمته اثنا عشر درهما مثلا ومن الجاموس قيمته أربعة عشر اخرج تبيعا قيمته ثلاثة عشر بقرا كان أو جاموسا، هذا على المشهور واما على ما اخترناه


(1) ص 69 واللفظ هكذا ” والربى التى تربى اثنين “. (2) الوسائل الباب 10 من زكاة الانعام


[ 72 ]

واليه مال جملة من محققى متأخرى المتأخرين فانه يكتفى بما يصدق عليه من ذلك الجنس كما يستفاد من ظواهر الادلة وان كان الاحتياط في ما ذكروه.

السادسة – الظاهر انه لا خلاف في الاجتزاء بالقيمة في النقدين والغلات، ويدل عليه ما رواه ثقة الاسلام في الكافي الصحيح عن محمد بن خالد البرقى (1) قال: ” كتبت إلى ابى جعفر الثاني عليه السلام هل يجوزان يخرج عن ما يجب في الحرث من الحنطة والشعير وما يجب على الذهب دراهم بقيمة ما يسوى أم لا يجوز إلا أن يخرج من كل شئ ما فيه ؟ فأجاب عليه السلام ايما تيسر يخرج ” وراه الصدوق باسناده إلى محمد بن خالد مثله (2). وما رواه في الصحيح عن على بن جعفر (3) قال: ” سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن الرجل يعطى عن زكاته عن الدراهم دنانير وعن الدنانير دراهم بالقيمة ايحل ذلك ؟ قال لا بأس به ” ورواه الحميرى في قرب الاسناد (4) ورواه الصدوق باسناده إلى على بن جعفر (5) ورواه على بن جعفر في كتابه (6). وانما الخلاف في زكاة الانعام هل يجب الاخراج من العين ما دام متمكنا أو يجوز الانتقال إلى القيمة وان امكن الاخراج من العين ؟ قولان نقل أولهما عن الشيخ المفيد في المقنعة حيث قال: لا يجوز اخراج القيمة في زكاة الانعام إلا أن تعدم الاسنان المخصوصة في الزكاة. ويفهم من كلام المحقق في المعتبر الميل إليه. وثانيهما عن الشيخ في الخلاف فانه قال: يجوز اخراج القيمة في الزكاة كلها أي شئ كانت القيمة وتكون القيمة على وجه البدل لا على انها أصل. والى هذا القول ذهب اكثر المتأخرين، واستدل عليه في الخلاف باجماع الفرقة واخبارهم. ورده في المعتبر بمنع الاجماع وعدم دلالة الاخبار على موضع النزاع. وهو كذلك. وسيأتى ان شاء الله تعالى مزيد تحقيق في هذه المسألة في زكاة الغلات. المقام الرابع – في بيان الشروط المتعلقة بالوجوب وهى أربعة: النصاب وقد


(1) و (2) و (3) و (4) و (5) و (6) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب والفضة


[ 73 ]

تقدم الكلام فيه، والحول والسوم وأن لا تكون عوامل، وما يتبع هذا المقصد من بعض المسائل، فالكلام في هذا المقام يقع في مواضع أربعة:

الاول – في الحول وهو من ما وقع الاتفاق عليه نصا وفتوى، ومن الاخبار قولهما (عليهما السلام) في صحيحة الفضلاء (1) المتقدمة ” وكل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شئ عليه فإذا حال عليه الحول وجب عليه، ونحوها غيرها من الاخبار الكثيرة. ولا يخفى ان الحول لغة وعرفا انما هو عبارة عن اثنى عشر شهرا وهى تمام السنة إلا انه لما ورد عنهم (علهيم السلام) اطلاق الحول في الزكاة على أحد عشر شهرا صار هذا معنى شرعيا للحول، فحيثما أطلق في كلام الاصحاب في هذا الباب وكذا في الاخبار فانما يراد به هذا المعنى، والظاهر انه لا خلاف فيه إلا ما يظهر من المحدث الكاشانى في الوافى كما سيأتي. واستدل الاصحاب على ذلك بحسنة زرارة بابراهيم بن هشام (2) التى هي صحيحة عندنا وفيه ” قال زرارة فقلت له رجل كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض اخوانه أو ولده أو أهله فرارا بها من الزكاة فعل ذلك قبل حلها بشهر ؟ فقال إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليها الحول ووجبت عليه فيها الزكاة.. الحديث ” وفى صدر الخبر المذكور ما يدل على ذلك ايضا كما سيأتي ان شاء الله تعالى ذكره. وبالجملة فانه لا اشكال ولا خلاف في ذلك بينهم، انما الخلاف في موضعين:

أحدهما – انه هل يحتسب هذا الشهر بعد حصول الوجوب بهلاله من الحول الثاني أو الاول ؟ قولان أولهما لفخر المحققين ابن العلامة (قدس الله تعالى روحيهما).

والثانى – للشهيد (قدس سره) في البيان والدروس. حجة القول الاول ان الفاء تقتضي التعقيب بلا فصل فبأول جزء منه يصدق


(1) الوسائل الباب 8 من زكاة الانعام (2) الوسائل الباب 12 من زكاة الذهب والفضة


[ 74 ]

انه حال عليه الحول و ” حال ” فعل ماض لا يصدق إلا بتمامه. وربما يناقش في ان التعقيب انما هو مقتضى الفاء العاطفة واما الفاء الجزائية فانه محل خلاف. إلا ان الظاهر ان هذا المعنى من ما يتبادر من ترتب الجزاء على الشرط هنا. حجة القول الثاني ان الحول لغة عبارة عن تمام الاثنى عشر والاصل عدم النقل، قال شيخنا الشهيد الثاني في شرح المسالك: اعلم ان الحول لغة اثنا عشر شهرا ولكن اجمع أصحابنا على تعلق الوجوب بدخول الثاني عشر، وقد اطلقوا على أحد عشر اسم الحول ايضا بناء على ذلك، وورد عن الباقر والصادق (عليهما السلام) (1) ” إذا دخل الثاني عشر فقد حال الحول ووجبت الزكاة ” فصار الاحد عشر حولا شرعيا.. إلى أن قال: إذا تقرر ذلك فنقول لا شك في حصول أصل الوجوب بتمام الحادى عشر ولكن هل يستقر الوجوب به أم يتوقف على تمام الثاني عشر ؟ الذى اقتضاه الاجماع والخبر السالف الاول، لان الوجوب دائر مع الحول وجودا مع باقى الشرائط وعدما لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (2) ” لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول ” وقول الصادق عليه السلام (3) ” لا تزكه حتى يحول عليه الحول ” وقد تقدم في الخبر السالف ” إذا دخل الثاني عشر فقد حال الحول ووجبت الزكاة ” والفاء تقتضي التعقيب بغير مهلة فيصدق الحول باول جزء منه و ” حال ” فعل ماض لا يصدق إلا بتمامه، وحيث ثبت تسمية الاحد عشر حولا شرعيا قدم على المعنى اللغوى لما تقرر من أن الحقيقة الشرعية مقدمة على اللغوية. ويحتمل الثاني لانه الحول لغة والاصل عدم النقل، ووجوبه في الثاني عشر لا يقتضى عدم كونه من الحول الاول لجواز حمل الوجوب بدخوله على المستقر. والحق ان الخبر السابق ان صح فلا عدول عن


(1) الوسائل الباب 12 من زكاة الذهب والفضة. والظاهر ان الرواية ان الرواية عن الباقر ” ع ” كما يظهر بمراجعة الفروع ج 1 ص 148 والتهذيب ج 1 ص 358. (2) سنن البيهقى ج 4 ص 95 (3) الوسائل الباب 15 من زكاة الذهب والفضة، واللفظ ” لا يزكيه.. “.


[ 75 ]

الاول لكن في طريقه كلام والعمل على الثاني متعين إلى أن يثبت، وحينئذ فيكون الثاني عشر جزء من الاول واستقرار الوجوب مشروط بتمامه. انتهى كلامه زيد مقامه. وظاهر هذا الكلام اختيار كون الوجوب غير مستقر بمجرد دخول الثاني عشر وهو خلاف ما عليه ظاهر الاصحاب من استقرار الوجوب بدخوله. وهذا هو الموضع الثاني من موضعي الخلاف المشار إليه آنفا. ثم ان السيد السند في المدارك اعترض جده هنا بكلام اوردناه في شرحنا على المدارك وبينا ما فيه. وظاهر المحدث الكاشانى في الوافى الطعن في دلالة الخبر المذكور وحمله على مورده من حكم الفرار، حيث قال في الكتاب المذكور: لعل المراد بوجوب الزكاة وحول الحول برؤية هلال الثاني عشر الوجوب والحول لمريد الفرار بمعنى انه لا يجوز الفرار حينئذ لاستقرار الزكاة في المال بذلك، كيف والحول معناه معروف والاخبار باطلاقه مستفيضة، ولو حملناه على معنى استقرار الزكاة فلا يجوز تقييد ما ثبت بالضرورة من الدين بمثل هذا الخبر الواحد الذى فيه ما فيه وانما يستقيم بوجوه من التكلف. انتهى. وهو جيد لولا اتفاق الاصحاب قديما وحديثا على العمل بمضمونه في الزكاة مطلقا لا بخصوص هذا الفرد الذى ذكره. اقول: ومن ما يؤيد ما ذكره (طاب ثراه) صحيحة عبد الله بن سنان (1) قال: ” قال أبو عبد الله عليه السلام لما نزلت آية الزكاة ” خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ” (2) وانزلت في شهر رمضان فامر رسول الله صلى الله عليه وآله مناديه فنادى في الناس ان الله تعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة. ففرض الله عليهم من الذهب والفضة وفرض عليهم الصدقة من الابل والبقر والغنم ومن الحنطة والشعير


(1) ارجع إلى الصفحة 3 (2) سورة التوبة الآية 103.


[ 76 ]

والتمر والزبيب، ونادى فيهم بذلك في شهر رمضان وعفالهم عن ما سوى ذلك. قال ثم لم يتعرض لشئ من اموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل فصاموا وافطروا فامر مناديه فنادى في المسلمين ايها المسلمون زكوا اموالكم تقبل صلاتكم. ثم وجه عمال الصدقة وعمال الطسوق ” وهو ظاهر كما ترى في اعتبار حول الاثنى عشر شهرا. ويمكن الجمع بين هذا الخبر والخبر المتقدم بما ذكره شيخنا الشهيد الثاني من حصول الوجوب بدخول الثاني عشر وان كان لا يستقر إلا بتمامه. وما ذكره الحدث المشار إليه – من الاشارة إلى ما في الخبر المذكور من الاشكال في مواضع منه – متجه، فان الخبر طويل مشتمل على بعض الاحكام العويصة الغير الظاهرة بل الظاهرة المخالفة إلا بتكلفات بعيدة، وسيأتى ان شاء الله تعالى نقل الخبر المذكور بتمامه والكلام فيه. إذا عرفت ذلك فاعلم ان تنقيح هذا الموضع يتوقف على رسم مسائل:

الاولى – الظاهر انه لو اختل أحد الشروط الموجبة للزكاة في اثناء الحول بطل الحول، وهو بالنسبة إلى النصاب اتفاقى وأما بالنسبة إلى غيره من الشروطه ففيه خلاف سيأتي التنبيه عليه ان شاء الله تعالى في مواضعه.

الثانية – لو عاوض الانعام بجنسها كالغنم بالغنم الشامل لصنفي الضأن والمعز أو بغير جنسها كالغنم بالبقر مثلا سقطت الزكاة. والخلاف هنا في موضعين: أحدهما – في المعاوضة لا بقصد الفرار، وقد نقل عن الشيخ في المبسوط انه ذهب إلى ان المعاوضة بالجنس لا تقطع الحول لصدق الاسم. وهو ضعيف فان ظواهر الاخبار تعلق الحكم بالاعيان فمتى تبدلت سقط الحكم

الثاني – في المعاوضة بقصد الفرار والمشهور العدم، وقال الشيخ في المبسوط ان بادل بجنسه أو بغير جنسه فرارا وجبت الزكاة. واليه ذهب في موضع من التهذيب وهو منقول عن السيد المرتضى في كتاب الانتصار مدعيا عليه الاجماع. وسيأتى تحقيق المسأله ان شاء الله تعالى في زكاة النقدين.


[ 77 ]

الثالثة – إذا حال الحول على النصاب مستكملا للشرائط ثم تلف منه شئ فان كان عن تفريط ولو بتأخير الاخراج مع التمكن ضمن المالك وإلا وزع التالف على النصاب وسقط من الفريضة بالنسبة، وأما مع وجود الزيادة على النصاب فقد تقدم بيان الحكم فيه في المسألة الاولى من المقام الثالث.

الرابعة – لا خلاف بين الاصحاب (رضوان الله عليهم) في أنه لاتعد الاولاد مع الامهات بل لكل منهما حول بانفراده للاخبار الكثيرة الدالة على أن كل ما لا يحول عليه الحول عند ربه فلا شئ عليه (1) وقوله عليه السلام في صحيحة زرارة (2) ” ليس في صغار الابل شئ حتى يحول عليها الحول من يوم تنتج ” ومثلها غيرها، وحينئذ فلو كانت الاولاد المتجددة نصابا مستقلا كما لو ولدت خمس من الابل خمسا فلكل حول بانفراده، ولو ولدت أربعون من الغنم أربعين وجب في الامهات شاة عند تمام حولها ولم يجب في السخال شئ، فان الزائد على الاربعين عفو حتى يصل إلى النصاب الثاني وهو مائة واحدى وعشرون. واحتمل المحقق في المعتبر وجوب شاة في الثانية عند تمام حولها لقوله عليه السلام (3) ” في كل اربعين شاة شاة ” وفيه ان الظاهر اختصاص الرواية بالنصاب الاول المبتدأ إذلو ملك ثمانين دفعة لم تجب عليه شاتان اجماعا. نعم يبقى الاشكال في مالو كانت الزيادة متممة للنصاب الثاني بعد اخراج ما وجب في الاول، كما لو ولدت ثلاثون من البقر أحد عشر، وثمانون من الغنم اثنين واربعين، فهل يسقط اعتبار الاول ويعتبر الجميع نصابا واحدا من الزمان الثاني بمعنى انه يلغى ما مضى من حول الامهات ويعتبر النصاب من زمان وجود الزيادة، أو وجوب زكاة كل منهما عند انتهاء حوله فيخرج عند انتهاء حول الاول في المثال المتقدم تبيع وشاة وعند


(1) الوسائل الباب 8 من زكاة الانعام (2) الوسائل الباب 9 من زكاة الانعام (3) الوسائل الباب 6 من زكاة الانعام


[ 78 ]

مضى سنة من تلك الزيادة شاتان ومسنة، أو عدم ابتداء حول الزائد حتى ينتهى حول الاول ثم استئناف حول للجميع ؟ أوجه اختار جملة من المتأخرين منها الوجه الاخير لوجوب اخراج زكاة الاول عند تمام حوله لوجود المقتضى وانتفاء المانع، ومتى وجب اخراج زكاته منفردا امتنع اعتباره منضما إلى جزئه في ذلك الحول للاصل وقوله صلى الله عليه وآله (1) ” لا ثنى في صدقة ” وقوله عليه السلام في حسنة زرارة (2) ” لا يزكى المال من وجهين في عام واحد ” والمسألة لا تخلو من اشكال لعدم النص فيها وان كان ما ذكروه من الوجه هو أقرب الوجوه المذكورة.

الخامسة – إذا ارتد المسلم الفطري قبل تمام الحول استأنف ورثته الحول لانتقال المال إليهم ولا يعتبر بما مضى من الحول في ملك المورث كما لو مات. واما الملى فحيث لا يجب قتله حتى يستتاب فلا تجرى عليه احكام الردة ولا تخرج امواله عن ملكه بمجرد الردة وان حجر عليه التصرف فيها حتى يتوب، ولو استتيب ثلاثا ولم يتب وجب قتله وتعلق به الحكم المتقدم.

الموضع الثاني – في السوم وهو لغة الرعى، ولابد أن يكون طول الحول فلا تجب الزكاة في المعلوفة، والحكم مجمع عليه كما نقله غير واحد. ويدل عليه من الاخبار قول الصادقين (عليهما السلام) في صحيحة الفضلاء (3) ” ليس على العوامل من الابل والبقر شئ انما الصدقات على السائمة الراعية “. والظاهر ان وصف الراعية كاشف لما عرفت من أن السوم لغة الرعى كما تدل عليه موثقة زرارة الآتية وقوله عليه السلام (4) في حسنة الفضلاء المشار إليها بعد دكر نصاب الابل ” ولا على العوامل شئ انما ذلك على السائمة الراعية ” وقول ابى عبد الله عليه السلام


(1) النهاية لا بن الاثير مادة ” ثنى ” و ” ثنى ” على وزن ” إلى ” (2) ص 39 (3) الوسائل الباب 7 من زكاة الانعام، وقوله ” من الابل والبقر ” منه (قدس سره) باعتبار وروده فيهما (4) الوسائل الباب 7 من زكاة الانعام. واللفظ مطابق للوافى وفي الفروع والتهذيب والوسائل ” وليس.. ” كما تقدم.


[ 79 ]

في صحيحة زرارة الواردة في الخيل (1) حيث قال له الراوى ” هل على الفرس أو على البعير يكون للرجل يركبهما شئ ؟ قال لا ليس على ما يعلف شئ انما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذى يقتنيها فيه الرجل ” والمرج بالجيم مرعى الدواب والاخبار المذكورة وان لم تشتمل على ذكر الغنم إلا ان عموم الجواب كاف في ثبوت الحكم فان خصوص السبب لا يخصص كما ثبت عندهم في الاصول، مضافا إلى ما في موثقة زرارة الآتية في أول المطلب الثالث (2) من قوله عليه السلام في عد التسعة التى تجب فيها الزكاة ” والابل والبقر والغنم السائمة وهى الراعية ” واتفاق عامة أهل الاسلام على ذلك (3). بقى الكلام في تحقيق السوم الذى يترتب عليه الوجوب والعلف الذى ينقطع به السوم في اثناء الحول، فقيل انه يراعى الاغلب في ذلك وهو منقول عن الشيخ، وقد نص في المبسوط على سقوط الزكاة مع التساوى، وقال ابن ادريس ليس فيها زكاة إلا إذا كانت سائمة طول الحول ولا يعتبر الاغلب في ذلك. واعتبر المحقق في المعتبر استمرار السوم طول الحول وانه يزول بالعلف اليسير، وهو يرجع إلى قول ابن ادريس. واختار العلامة في التحرير والتذكرة اعتبار الاسم فان بقى عليها اسم السوم وجبت الزكاة وإلا سقطت. وظاهر ارجاع ذلك إلى العرف والظاهر انه هو المشهور بين المتأخرين. واختار الشيخ في النهاية سقوطه بعلف اليوم وصرح بعدم اعتبار اللحظة. وتردد في الدروس في اليوم في السنة بل في الشهر واستقرب بقاء السوم. ولا يخفى ما في هذه الاقوال من الاشكال ولا سيما الرجوع إلى العرف كما نبهنا عليه في مواضع من ان العرف مع كونه لا دليل على الرجوع إليه من الاخبار ليس أمرا منضبطا ليصح بناء الاحكام الشرعية عليه.


(1) الوسائل الباب 7 من زكاة الانعام، (2) الوسائل الباب 8 من ما تجب فيه الزكاة رقم 9 (3) المغنى ج 2 ص 596 و 597


[ 80 ]

وانت خبير بان ظواهر الاخبار ولا سيما صحيحة زرارة وقوله عليه السلام فيها ” انما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذى يقتنيها فيه الرجل ” وهو اعتبار السوم طول الحول كما هو ظاهر المحقق وابن ادريس، إلا انه ينبغى الاحتياط في عدم. اسقاط الزكاة بعلف ساعة بل يوم في السنة. والظاهر انه لا فرق في العلف الموجب لسقوط السوم بين كونه من المالك أو الدابة نفسها أو علف الغير لها باذن المالك أو بغير اذنه من مال المالك أو من مال نفسه، ولا بين أن يكون لعذر يمنع من الراعى كالثلج ونحوه أم لا، لصدق المعلوفة في جميع هذه الصور. وأما ما ذكره شيخنا الشهيد

الثاني – من أنه يشكل الحكم في ما لو علفها الغير من مال نفسه نظرا إلى المعنى المقصود والحكمه المقتضية لسقوط الزكاة معه وهى المؤنة على المالك الموجبة للتخصيص كما اقتضته في الغلات عند سقيها بالدوالى – فالظاهر ضعفه لان الاحكام الشرعية لا تبنى على مثل هذه المناسبات، وقيام النصوص في الغلات بما ذكره لا يقتضى الحمل عليه هنا والخروج عن اطلاق النصوص الموجب لسقوط الزكاة عن المعلوفة مع صدق كونها معلوفة. فرع قد صرح جملة من الاصحاب بان السخال – والمراد بها في كلامهم ما هو أعم من أولاد الغنم وان كان أصل التسمية لغة مخصوصة باولاد الغنم بعد وضعها كما تقدم – لا تعد في الحول إلا بعد الاستغناء بالرعى ليتحقق شرط السوم بالنسبة إليها كما دلت عليه الاخبار المتقدمة. ونقل عن الشيخ وجماعة بل الظاهر انه هو المشهور كما صرح به في المسالك ان حولها من حين النتاج، وعليه تدل الاخبار كقوله عليه السلام في روياة زرارة (1) ” وما كان من هذه الاصناف الثلاثة الابل والبقر والغنم فليس فيها شئ حتى يحول عليها


(1) التهذيب ج 1 ص 354 وفي الوسائل الباب 2 من زكاة الانعام رقم ” 3 “.


[ 81 ]

الحول من يوم تنتج ” وصحيحة زاررة أو حسنته بابراهيم بن هاشم عن ابى جعفر عليه السلام (1) قال: ” ليس في صغار الابل شئ حتى يحول عليها الحول من يوم نتتح ” ورواية ثالثة له عن أحدهما (عليهما السلام) (2) وفيها بعد ذكر الاصناف الثلاثه ” وما كان من هذه الاصناف فليس فيها شئ حتى يحول عليه الحول منذ يوم تنتج ” واستقرب الشهيد في البيان اعتبار الحول من حين النتاج ان كان اللبن عن سائمة. والظاهر انه جعله وجه جمع بين أخبار القولين، لانه متى كان اللبن عن سائمة فكأنه يدخل تحت اخبار السوم وان كان عن معلوفة فكأنه يدخل تحت المعلوفة فلا يدخل في السوم إلا بعد الاستغناء بالرعى. ومقتضى المشهور هو تقييد اخبار السوم باخبار النتاج بمعنى ان اشتراط السوم مدة الحول مخصوص بما عدا السخال فان حولها من يوم النتاج وان صدق انها معلوفة. وكيف كان فالاقرب هو القول المشهور وقوفا على ظاهر هذه الاخبار، إلا انه قد روى الكليني والصدوق في الموثق عن اسحاق بن عمار (3) قال: ” قلت لابي عبد الله عليه السلام السخل متى تجب فيه الصدقة ؟ قال إذا اجذع ” ولا يخفى ما فيه من الاشكال لمخالفته الاخبار وكلام الاصحاب، فان الجذع من الغنم بناء على كلام الاصحاب ما كمل له سبعة أشهر وعلى كلام أهل اللغة انه في الضأن كذلك وفى المعز ما دخل في السنة الثانية. ولم اقف على من تعرض للجواب عنه، ويحتمل وان بعد الحمل على الاخذ في الصدقة بناء على ما تقدم من أحد القولين في المسألة وهو ان أقل اسنان المأخوذ في زكاة الغنم جذع من الضأن وثنى من المعز.


(1) و (3) الوسائل الباب 9 من زكاة الانعام (2) الوسائل الباب 7 رقم 6 والباب 9 رقم 1 ولا يخفى ان راوي هذا الحديث هو الشيخ ولم يرد في التهذيب ج 1 ص 360 اللفظ المذكور وانما وردت فيه الفقرة الآتية فقط ” وكل شئ من هذه الاصناف من الدواجن والعوامل فليس فيها شئ حتى يحول عليه الحول منذ يوم تنتج ” واورد اللفظ المذكور في الهامش بعنوان النسخة. نعم في الاستبصار ج 2 ص 24 والوافى والوسائل ذكرت الفقرتان معا.


[ 82 ]

الموضع الثالث – انه يشترط في الانعام أن لا تكون عوامل فانه لا زكاة فيها وان كانت سائمة، والحكم المذكور من ما وقع عليه الاتفاق ايضا. إلا انه قد روى اسحاق بن عمار في الموثق (1) قال: ” سألته عن الابل تكون للجمال أو تكون في بعض الامصار أتجرى عليها الزكاة كما تجرى عليه السائمة في البرية ؟ فقال نعم ” ونحوها رواية أخرى له ايضا رواها في الضعيف عن ابى عبد الله عليه السلام (2) وبسند آخر في الموثق عن ابى ابراهيم عليه السلام (3) قال: ” سألته عن الابل العوامل عليها زكاة ؟ فقال نعم عليها زكاة “. وأجاب عنها الشيخ في التهذيب – بعد الطعن فيها اولا بالاضطراب حيث ان اسحاق رواها تارة مرسلا وتارة مسندا بالحمل على الاستحباب، وتبعه من تأخر عنه من الاصحاب كما هي قاعدتهم في جل الابواب. والاقرب عندي هو الحمل على التقية التى هي الاصل في اختلاف الاخبار وان لم يكن بها قائل من العامة بالكلية كما أوضحناه في كتابنا الدرر النجفية والمقدمة الاولى من مقدمات هذا الكتاب، مع ان ذلك مذهب مالك أحد الائمة الاربعة (4) كما نقله عنه في المعتبر. وقد صرح الاصحاب بان الخلاف المتقدم في السوم جار هنا أيضا، قال في البيان: والكلام في اعتبار الاغلب هنا كالكلام في السوم. وقد صرح الشيخ في المبسوط على ما نقل عنه باعتبار الاغلب هنا ايضا كما ذكره ثمة. والاحتياط لا يخفى. الموضع الرابع – في مسائل تلحق بهذا المقصد:

الاولى – قد صرح الاصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف بانه لا يضم مال انسان إلى غيره وان كانا في مكان واحد بل يعتبر النصاب في مال كل واحد على حدة، ولا يفرق بين مالى المالك ولو تباعد مكانهما بمعنى انه لا يكون لكل واحد منهما حكم بانفراده بل يقدران مجتمعين


(1) و (2) و (3) الوسائل الباب 7 من زكاة الانعام (4) المدونة الكبرى ج 1 ص 268


[ 83 ]

فان بلغا النصاب كذلك وجبت الزكاة وإلا فلا. وهذا الكلام خرج في مقام الرد على العامة حيث ذهب جمع منهم إلى ان الخلطة تجعل المالين مالا واحدا سواء كانت خلطة اعيان كاربعين شاة بين شريكين أو خلطة اوصاف كالاتحاد في المرعى والمشرب والمراح والفحل والحلب والحالب والمحلب مع تميز المالين (1) وهو باطل عندنا لعدم الدليل عليه بل قيام الدليل على خلافه كما في صحيحة محمد بن قيس عن ابى عبد الله عليه السلام (2) قال: ” ولا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق ” أي في المالك، وفي حسنة عبد الرحمان بن الحجاج (3) ان محمد بن خالد سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الصدقة فقال مر مصدقك أن لا يحشر من ماء إلى ماء ولا يجمع بين المتفرق ولا يفرق بين المجتمع ” ويدل على ذلك ايضا اطلاق الاخبار كقوله عليه السلام (4) ” في كل أربعين شاة شاة ” وبالجملة فانه لابد من بلوغ كل نصيب نصابا. ويزيده بيانا ما رواه الصدوق في كتاب العلل عن زرارة عن ابى جعفر عليه السلام (5) في حديث قال فيه ” ثم قال زرارة قلت له ماتى درهم بين خمسة اناس أو عشرة حال عليها الحول وهى عندهم أتجب عليهم زكاتها ؟ قال لا هي بمنزلة تلك – يعنى جوابه في الحرث – ليس عليهم شئ حتى يتم لكل انسان منهم مائتا درهم. قلت وكذلك في الشاة والابل والبقر والذهب والفضة وجميع الاموال ؟ قال نعم”.

الثانية – لو بيع النصاب بعد الحول وقبل اخراج الزكاة فان الزكاة تجب على المشترى ويرجع بها على البائع إلا أن يؤديها البائع. ويدل عليه صحيحة عبد الرحمان بن ابى عبد الله (6) قال: ” قلت لابي عبد الله


(1) المغنى ج 2 ص 607 (2) و (3) الوسائل الباب 11 من زكاة الانعام. (4) الوسائل الباب 6 من زكاة الانعام. (5) الوسائل الباب 5 من زكاة الذهب والفضة (6) الوسائل الباب 12 من زكاة الانعام


[ 84 ]

عليه السلام رجل لم يزك ابله أو شاته عامين فباعها، على من اشتراها ان يزكيها لما مضى ؟ قال نعم تؤخذ منه زكاتها ويتبع بها البائع أو يؤدى زكاتها البائع “. وهذا الخبر من ما يدل على تعلق الزكاة بالعين وان جاز الاخراج من غيره رخصته وتخفيفا كما سيأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى. الثالة – قد تكرر في صحيحة الفضلاء بعد ذكر نصب الابل ثم بعد ذكر نصب البقر انها ترجع على اسنانها. ولم اقف على من تعرض للكلام في معنى ذلك إلا على كلام للسيد ماجد بن هاشم البحراني على ما نقل عنه تلميذه المحدث الكاشانى في الوافى حيث قال: المراد برجوع الابل على اسنانها استئناف النصاب الكلى واسقاط اعتبار الاسنان السابقة كأنه إذا اسقط اعتبار الاسنان واستؤنف النصاب الكلى تركت الابل على اسنانها ولم تعتبر كما يقال رجعت الشئ على حاله أي تركته عليه ولم اغيره. وهو وان كان بعيدا بحسب اللفظ إلا أن السياق يقتضيه، وتعقيب ذكر انصبة الغنم بقوله ” وسقط الامر الاول ” ثم تعقيبه بمثل ما عقب به نصب الابل والبقر من نفى الوجوب عن النيف يرشد إليه، لانه جعل اسقاط الاعتبار بالاسنان السابقة في الغنم مقابلا لرجوع الابل على اسنانها واقعا موقعه وهو يقتضى اتحادهما في المؤدى وربما أمكن حمله على استئناف النصب السابقة في ما تجدد ملكه في اثناء الحول كما أول به المرتضى (رضى الله عنه) ما رووه من استئناف الفريضة بعد المائة والعشرين. وقد يقال أراد برجوعها على اسنانها استئناف الفرائض السابقة بعد بلوغ المائة والعشرين بان يؤخذ للخمس الزائدة بعد المائة والعشرين شاة وللعشر شاتان وهكذا إلى الخمس والعشرين فتؤخذ بنت مخاض وهكذا كما هو قول ابى حنيفة (1) ويكون محمولا على التقية. والوجه هو الاول لما ذكرنا. انتهى كلامه (علت في الخلد اقدامه) وهو جيد وجيه كما لا يخفى على الفطن النبيه. الرابعة – لا خلاف نصا وفتوى في أن ما بين النصابين لا زكاة فيه وهو المشار


(1) ارجع إلى التعليقة 1 ص 44


[ 85 ]

إليه في غير خبر من الاخبار المتقدمة بقولهم (عليهم السلام) (1) ” ليس على النيف شئ ولا على الكسور شئ ” والنيف ككيس وقد يخفف وهو الزيادة وكل ما زاد على العقد فهو نيف إلى أن يبلغ العقد الثاني، ويكون بغير تأنيث للمذكر والمؤنث ولا يستعمل إلا معطوفا على العقود فان كان بعد العشرة فهو لما دونها وان كان بعد المائة فهو للعشرة فما دونه وان كان بعد الالف فهو للعشرة فاكثر. هكذا تقرر بينهم. وفي بعض كتب أهل اللغة وتخفيف لحن عند الفصحاء. وحكى عن ابى العباس انه قال الذى حصلناه من اقاويل حذاق البصريين والكوفيين ان النيف من واحد إلى ثلاثة والبضع من أربعة إلى تسعة، ولا يقال نيف إلا بعد عقد، نحو عشرة ونيف ومائة ونيف والف ونيف. ومنه يظهر المدافعة للقول الاول. وقد جرت عادة الفقهاء في هذا المقام بتسمية ما بين النصابين في الابل شنقا وفي البقر وقصا وفي الغنم عفوا، والشنق بالتحريك وضبطه بعضهم بضم الشين، والوقص بفتح القاف، والمستفاد من كلام اكثر أهل اللغة هو ترادف الشنق والوقص بمعنى ما بين الفريضتين، وبعضهم خص الاول وبالابل والثانى بالبقر كما عليه الفقهاء وهى امور اصطلاحية لامشاحه فيها.

المطلب الثاني

في زكاة النقدين

وهى مشروطة بشروط:

الاول – النصاب ولا خلاف فيه بين الاصحاب (رضوان الله عليهم) وانما الخلاف في قدره من الذهب، والمشهور بين الاصحاب هو ان النصاب الاول عشرون دينارا، والدينار مثقال شرعى، فربما عبر بالمثقال تارة وربما عبر بالدينار اخرى والمرجع واحد كما سيأتي بيانه وفيها نصف دينار، ثم أربعة دنانير وفيها عشر دينار وقيراطان، وهكذا بالغا ما بلغ.


(1) ورد ذلك في ما يخص الانعام في صحيحة الفضلاء في زكاة الابل والبقر، وفي زكاة الغنم هكذا ” وليس في النيف شئ ” فقط، الوسائل الباب 2 و 4 و 6 و 7 من زكاة الانعام. وفي حديث العمل المتقدم ص 83 النفى في الانعام والنقدين وفى اخبار النقدين نفى الزكاة في النيف في بعضها ونفيها في الكسور في آخر ارجع إلى الوسائل الباب 2 رقم 1 و 6 و 7 و 8 من زكاة الذهب والفضة


[ 86 ]

ونقل عن الشيخ على بن الحسين بن بابويه – وحكاه في المعتبر عن ابنه الصدوق وجماعة من اصحاب الحديث – ان النصاب الاول اربعون دينارا فأربعون وهكذا. والاظهر الاول للاخبار المتكاثرة ومنها – ما رواه الشيخ في الصحيح عن احمد بن حمد بن ابى نصر (1) قال: ” سألت أبا الحسن عليه السلام عن ما اخرج من المعدن من قليل أو كثير هل فيه شئ ؟ قال ليس فيه شئ حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا “. وما رواه الكليني عن الحسين بن بشار في الصحيح (2) قال: ” سألت ابا الحسن عليه السلام في كم وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الزكاة ؟ فقال في كل مأتى درهم خمسة دراهم فان نقصت فلا زكاة فيها، وفي الذهب في كل عشرين دينارا نصف دينار فان نقص لا زكاة فيه “. وما رواه فيه في الموثق عن على بن عقبة وعدة من أصحابنا عن ابى جعفر وابى عبد الله (عليه السلام) (3) قالا: ” ليس في ما دون العشرين مثقالا من الذهب شئ فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال إلى أربعة وعشرين، وإذا كملت أربعة وعشرين ففيها ثلاثه اخماس دينار إلى ثمانية وعشرين، فعلى هذا الحساب كلما زاد أربعة دنانير “. وما رواه الشيخ في الموثق عن يحيى بن ابى العلاء عن ابى عبد الله عليه السلام (4) قال: ” في عشرين دينارا نصف دينار ” وما رواه في الموثق عن زرارة عن ابى جعفر عليه السلام (5) قال: ” في الذهب إذا بلغ عشرين دينارا ففيه نصف دينار وليس في ما دون العشرين شئ، وفي الفضة إذا بلغت مأتى


(1) الوسائل الباب 4 من ما يجب فيه الخمس (2) الفروع ج 1 ص 154 وفي الوسائل الباب 1 و 2 من زكاة الذهب والفضة (3) و (4) الوسائل الباب 1 من زكاة الذهب والفضة (5) الوسائل الباب 1 و 2 من زكاة الذهب والفضة.


[ 87 ]

درهم خسمة دراهم وليس في ما دون المائتين شئ، فإذا زادت تسعة وثلاثون على المائتين فليس فيها شئ حتى تبلغ الاربعين، وليس في شئ من الكسور شئ حتى تبلغ الاربعين وكذلك الدنانير على هذا الحساب “. وما رواه في الموثق عن زرارة وبكير (1) ” انهما سمعا أبا جعفر عليه السلام يقول في الزكاة اما في الذهب فليس في أقل من عشرين دينارا شئ فإذا بلغت عشرين دينارا ففيه نصف دينار، وليس في أقل من مائتي درهم شئ فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم فما زاد فبحساب ذلك، وليس في مائتي درهم واربعين درهما غير درهم إلا خمسة دراهم، فإذا بلغت أربعين ومائتي درهم ففيها ستة دراهم فإذا بلغت ثمانين ومائتين ففيها سبعة دراهم وما زاد فعلى هذا الحساب، وكذلك الذهب وكل ذهب. وانما الزكاة على الذهب والفضة الموضوع إذا حال عليه الحول ففيه الزكاة وما لم يحل عليه الحول فليس فيه شئ ” إلى غير ذلك من الاخبار التى يضيق عن نقلها المقام. ويدل على القول الثاني موثقة الفضلاء الاربعة عن ابى جعفر وابى عبد الله (عليهما السلام) (2) انهما قالا: ” في الذهب في كل أربعين مثقالا مثقال، وفي الورق في كل مائتين خمسة دراهم، وليس في أقل من اربعين مثقالا شئ ولا في أقل من مائتي درهم شئ، وليس في النيف شئ حتى يتم أربعون فيكون فيه واحد ” واستدل عليه ايضا بما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن زرارة (3) قال: ” قلت لابي عبد الله عليه السلام رجل عنده مائة درهم وتسعة وتسعون درهما وتسعة وثلاثون دينارا أيزكيها ؟ قال لا ليس عليه شئ من الزكاة في الدارهم ولا في الدنانير حتم تتم أربعين دينارا والدراهم مائتي درهم. قال قلت فرجل عنده أربعة اينق وتسعة وثلاثون شاة وتسعة وعشرون بقرة ايزكيهن ؟ قال لا يزكى شيئا منها لانه


(1) الوسائل الباب 1 و 2 و 15 من زكاة الذهب والفضة (2) التهذيب ج 1 ص 351 وفي الوسائل الباب 1 و 2 من زكاة الذهب والفضة (3) الوسائل الباب 1 من زكاة الذهب والفضة و 1 من زكاة الانعام.


[ 88 ]

ليس شئ منهن قد تم فليس تجب فيه الزكاة “. ويشكل بان هذه الرواية قد رواها الصدوق في الفقيه (1) بما هذه صورته: قال زرارة قلت لابي عبد الله عليه السلام: رجل عنده مائة وتسعة وتسعون درهما وتسعة عشر دينارا أيزكيها ؟ فقال لا ليس عليه زكاة في الدراهم ولا في الدنانير حتى يتم. قال زرارة: وكذلك هو في جميع الاشياء. قال وقلت.. إلى آخر ما تقدم. وبذلك يضعف الاعتماد على رواية الشيخ للخبر المذكور، ولهذا ان المحدث الكاشانى في الوافى انما نقل الخبر برواية الصدوق ثم نبه على رواية الشيخ وقال ان ما في الفقيه هو الصواب. وقال في كتاب الفقه الرضوي (2): ” وليس في ما دون عشرين دينارا زكاة حتى يبلغ عشرين دينارا ففيها نصف دينار، وكل ما زاد بعد العشرين إلى أن يبلغ أربعة دنانير فلا زكاة فيه فإذا بلغ أربعة دنانير ففيه عشر دينار ثم على هذا الحساب. إلى أن قال بعد ذكر احكام عديدة: ونروى انه ليس على الذهب زكاة حتى يبلغ أربعين مثقالا فإذا بلغ أربعين مثقالا ففيه مثقال، وليس في النيف شئ حتى يبلغ أربعين “. وظاهر نقله عليه السلام هذه الرواية بعد فتواه سابقا بما قدمنا نقله يعطى ان هذه الرواية ليست معمولا عليها وان لها معنى آخر يجب أن تحمل عليه، وليس إلا التقية التى هي في الاحكام الشرعية أصل كل بلية وان كان القائل بذلك من العامة قليلا (3) لما حققناه في محل اليق وأشرنا إليه في غير موضع من ما تقدم من انه لا يشترط عندنا في الحمل على التقية وجود القائل بذلك من العامة. وأما النصاب في الفضة فان النصاب الاول مائتا درهم وفيها خمسة دراهم ثم


(1) ج ص 11 وفي الوسائل الباب 5 من زكاة الذهب والفضة (2) ص 22 (3) المحلى ج 6 ص 66


[ 89 ]

ليس فيها شئ حتى تبلغ أربعين وفيها درهم وهكذا، وهو من مالا خلاف فيه نصا وفتوى وقد تقدم في الاخبار السابقة ما يدل عليه، ومثلها غيرها من الاخبار الكثيرة.

الثاني – الحول ولابد من وجود النصاب بعينه بشرائطه مدة الحول، وقد تقدم الكلام في تحقيق الحول. ويدل على هذا الشرط الاخبار الكثيرة ومنها صحيحة زرارة عن ابى جعفر عليه السلام (1) قال: ” الزكاة على المال الصامت الذى يحول عليه الحول ” وموثقة زرارة وبكير المتقدمة في المقام (2) ونحوهما غيرهما.

الثالث – كون الذهب والفضة دنانير ودراهم منقوشة بسكة المعاملة الحاضرة أو القديمة. وتدل عليه جملة من الاخبار: منها – حسنة على بن يقطين بابراهيم بن هشام التى هي صحيحة عندنا عن ابى ابراهيم (3) وفيها ” وكل لم يكن ركازا فليس عليك فيه شئ. قال قلت وما الركاز ؟ قال الصامت المنقوش ” وما رواه الشيخ عن جميل عن ابى عبد الله وابى الحسن (عليهما السلام) (4) انهما قالا: ” ليس على التبر زكاة انما هي على الدنانير والدراهم “. ونحوهما غيرهما. واما اشتراط الملك والتمكن من التصرف فقد تقدم ولا وجه لا عادته هنا كما يذكره بعضهم.

مسائل:

الاولى – لا خلاف بين الاصحاب (رضوان الله علهيم) وغيرهم ايضا ان الدنانير لم يتغير وزنها عما هي عليه الآن في جاهلية ولا اسلام صرح بذلك جملة من علماء الطرفين (5).


(1) الوسائل الباب 14 من ما تجب فيه الزكاة (2) ص 87 (3) و (4) الوسائل الباب 8 من زكاة الذهب والفضة (5) المجموع شرح المهذب ج 6 ص 7 وقد حقق فيه وزن الدينار والدراهم بنحو مبسوط ص 4 و 15


[ 90 ]

قال شيخنا العلامة (اجزل الله اكرامه) في النهاية: والدنانير لم يختلف المثقال منها في جاهليه ولا اسلام. وكذا نقل عن الرافعى في شرح الوجيز (1) انه قال: المثقال لم يختلف في جاهلية ولا اسلام. والدينار مثقال شرعى فهما متحدان وزنا فلدا يعبر في اخبار الزكاة تارة با لدينار وتارة بالمثقال. واما الدراهم فقد ذكر علماء الفريقين ايضا انها كانت في زمن النبي صلى الله عليه وآله سابقا كما كان قبل زمانه بغلية وكان وزن الدرهم منها ثمانية دوانيق، وطبرية وزن الدرهم منها أربعة دوانيق، وهكذا بعده صلى الله عليه وآله إلى زمن بنى امية، فجمعوا الدرهمين وقسموهما نصفين كل درهم ستة دوانيق واستقر امر الاسلام على ذلك. قال شيخنا الشهيد في كتاب الذكرى نقلا عن ابن دريد ان الدرهم الوافى هو البغلى باسكان الغين منسوب إلى رأس البغل ضربه الثاني في خلافته بسكة كسروية ووزنه ثمانية دوانيق، قال: والبغلية كانت تسمى قبل الاسلام بالكسروية فحدث لها هذا الاسم في الاسلام والوزن بحاله وجرت في المعاملة مع الطبرية وهى اربعة دوانيق، فلما كان زمن عبد الملك جمع بينهما واتخذ الدرهم منهما واستقر أمر الاسلام على ستة دوانيق. انتهى. وقد ذكروا في نسبة كل من الدينار والدرهم إلى الآخران الدينار درهم وثلاثة أسباع درهم والدرهم نصف الدينار وخمسه، فعلى هذا يكون مقدار عشرة دراهم سبعة دنانير، وتكون العشرون مثقالا التى هي أول نصب الذهب في وزن ثمانية وعشرين درهما وأربعة أسباع درهم، والمائتا درهم التى هي أول نصب الفضة في وزن مائة واربعين مثقالا، ومن ذلك يعلم نصاب الفضة بهذه المحمديات الجارية في هذه الازمان المتأخرة حيث ان المحمدية منها وزن الدينار مثقال شرعى فيكون النصاب الاول مائة محمدية وأربعين محمدية. واعلم انهم اتفقوا أيضا على ان كل دانق وزنه ثمان حبات من أوساط حب


(1) ج 6 ص 5 من المطبوع بضميمة المجموع شرح المهذب للنووي


[ 91 ]

الشعير كما صرح به علماء الفريقين (1) فالدرهم حينئذ ثمان واربعون شعيرة والدينار ثمان وستون شعيرة وأربعة أسباع شعيرة. إلا انا قد اعتبرنا ذلك بالشعير الموجود في زماننا لاجل استعلام كمية صاع الفطرة بصنج البحرين فوجدنا في ذلك نقصانا فاحشا عن الاعتبار بالمثاقيل الشرعية وهى الدنانير، والظاهر ان حبات الشعير المتعارفة سابقا كانت أعظم حجما واثقل وزنا من الموجود في زماننا.

الثانية – اتفق الاصحاب (رضوان الله عليهم) على انه لا يضم أحد النقدين إلى الآخر على وجه يكون النصاب مركبا منهما بل يجب لكل منهما نصابه المتقدم، ويدل على ذلك صحيحة زرارة المتقدم نقلها عن التهذيب والفقيه (2) المشتملة على السؤال عن من ملك مائة درهم وتسعة وتسعين درهما وتسعة وثلاثين دينارا على رواية التهذيب وتسعة عشر دينارا على رواية الفقيه حيث نفى الزكاة في ذلك حتى يتم كل من النصابين. ومثلها موثقة اسحاق بن عمار الآنية قريبا في مسألة الفرار (3) وأما ما ورد في رواية اسحاق بن عمار عن ابى ابراهيم عليه السلام (4) قال: ” قلت له مائة وتسعون درهما وتسعة عشر دينار أعليها في الزكاة شئ ؟ فقال إذا اجتمع الذهب والفضة فبلغ ذلك مائتي درهم ففيها الزكاة، لان عين المال الدراهم وكل ماخلا الدراهم من ذهب أو متاع فهو عرض مردود ذلك إلى الدراهم في الزكاة والديات ” وحسنة محمد بن مسلم (5) قال: ” سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الذهب كم فيه من الزكاة ؟ قال إذا بلغ قيمته مائتي درهم فعليه الزكاة ” – فقد حملهما الشيخ في التهذيب على ما تندفع به المنافاة، قال: ويحتمل أن يكون


(1) في رد المختار لابن عابدين ج 2 ص 32 المذكور في كتب الشافعية والحنابلة ان درهم الزكاة ست دوانق والدانق ثمان حبات شعير وخمسا حبة من شعيرة معتدلة لم تقشر وقطع من طرفيها ما دق وطال، وهو لم يتغير في الجاهلية والاسلام. وفي كتاب الاوزان والمقادير للشيخ ابراهيم العاملي ص 26 نقل عن الفقهاء ان الدانق ثمان حبات من أوسط حب الشعير ثم قال ص 27 الدانق ثمان حبات قمحات وخمسان. (2) ص 87 و 88 (3) ص 98 (4) و (5) الوسائل الباب 1 من زكاة الذهب والفضة.


[ 92 ]

المراد إذا بلغ كل واحد مائتي درهم ففيه الزكاة، ويجرى هذا مجرى قوله تعالى ” والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا باربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ” (1) والمراد كل واحد منهم ثمانين جلدة.. إلى آخر كلامه. ومرجعه إلى ما ذكره ايضا من ان قيمة عشرين دينارا كانت في ذلك الوقت مائتي درهم، قال: ولذا تراهم يجعلون الدينار في مقابلة عشرة دراهم في الديات وغيرها. وجعل في التهذيب المشار إليه في قوله ” فبلغ ذلك مائتي درهم ” في صدر الخبر الاول كل واحد من الذهب والفضة باعتبار القيمة في الذهب لانهم كانوا يقومون الدنانير على هذا الوجه كل دينار بعشرة دراهم في الديات وغيرها. واحتمل في الاستبصار حمله على التقية، قال لان ذلك مذهب العامة (2). اقول: والحمل الاول قريب في حسنة محمد بن مسلم ولا بأس به في رواية اسحاق إلا ان الاظهر حملهما على التقية. واحتمل بعض الاصحاب حمل الخبر الاول على زكاة التجارة، والظاهر انه مبنى على ان اتخاذ الذهب فيه للتجارة ليتم الحمل المذكور فان المرجع فيه إلى القيمة ويؤيده آخر الحديث. وهذا الاحتمال يمكن اجراؤه ايضا في الحديث الثاني إلا ان الاظهر ما ذكرناه من الحمل على التقية.

الثالثة – اتفق الاصحاب (رضوان الله عليهم) على انه لا زكاة في المغشوش من النقدين ما لم يبلغ الصافى نصابا لعموم أدلة الوجوب. وخصوص ما رواه ثقة الاسلام في الكافي عن زيد الصائغ (3) قال


(1) سورة النور الآية 5. (2) في المغنى ج 3 ص 3: إذا كان له من كل واحد من الذهب والفضة ما لا يبلغ نصابا بمفرده أو كان له نصاب من أحدهما وأقل من نصاب الآخر فذكر الخرقى فيه روايتان أحدهما لا يضم وهو قول ابن ابى ليلى والحسن بن صالح وشريك والشافعي وابى عبيد وابى ثور واختاره أبو بكر عبد العزيز. وثانيهما يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب وهو قول الحسن وقتادة ومالك والاوزاعي والثوري واصحاب الرأي، وروى الاثرم عن احمد التوقف فيه، وفي رواية حنبل عنه انه قطع بالضم. (3) الوسائل الباب 7 من زكاة الذهب والفضة.


[ 93 ]

” قلت لابي عبد الله عليه السلام انى كنت في قرية من قرى خراسان يقال لها بخارى فرأيت فيها دراهم تعمل ثلث فضة وثلث مس وثلث رصاص وكانت تجوز عندهم وكنت أعملها وانفقها ؟ قال فقال أبو عبد الله عليه السلام لا بأس بذلك إذا كانت تجوز عندهم. فقلت أرأيت ان حال عليها الحول وهى عندي وفيها ما يجب على فيه الزكاة ازكيها ؟ قال نعم انما هو مالك. قلت فان اخرجتها إلى بلدة لا ينفق فيها مثلها فبقيت عندي حتى حال عليها الحول ازكيها ؟ قال ان كنت تعرف ان فيها من الفضة الخالصة ما يجب عليك فيها الزكاة فزك ما كان لك فيها من فضة ودع ما سوى ذلك من الخبث. قلت وان كنت لاأعلم ما فيها من الفضة الخالصة إلا انى أعلم ان فيها ما يجب فيه الزكاة ؟ قال فاسبكها حتى تخلص الفضة ويحترق الخبث ثم تزكى ما خلص من الفضة لسنة واحدة ” والظاهر ان قوله ” لسنة واحدة أي السنة التى كانت الدراهم مغشوشة فيها دون ما بعدها من ما جعل سبائك. وقد صرح العلامة في المنتهى بانه لو كان معه دراهم مغشوشة بذهب أو بالعكس وبلغ كل من الغش والمغشوش النصاب وجبت الزكاة فيهما. وهو كذلك بلا اشكال. ويجب الاخراج من كل جنس بحسابه وإلا توصل إليه بالسبك كما تدل عليه الرواية المتقدمة. ولو شك المالك في بلوغ الخالص نصابا قال في التذكرة: لم يؤمر بسبكها ولا بالاخراج منها ولا من غيرها لان بلوغ النصاب شرط ولم يعلم حصوله فاصالة البراءة لم يعارضها شئ. وهو جيد. ثم انه يجب في المخرج ان يكون خالصا إلا إذا علم اشتماله على ما يجب من الخالص. الرابعة – قد صرح الاصحاب (رضوان الله عليهم) بانه يضم الجوهران من الجنس الواحد بعض إلى بعض وان اختلف الرغبة، لعموم ما دل على وجوب الزكاة في الذهب والفضه الشامل ذلك للردئ من كل منهما والجيد والمختلفة القيمة


[ 94 ]

وغيرها، لكن يخرج الواجب بالنسبة ان لم يتطوع المالك بالارغب. وقيل بجواز اخراج الادون لحصول الامثال بما يصدق عليه الاسم، وهو منقول عن الشيخ (قدس سره) ولا يخلو من قرب من حيث ظاهر التعليل المذكور إلا انه ربما يدفع بظاهر قوله عزوجل ” ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون.. الآية ” (1) وما سيأتي في تفسيرها في بحث الغلات من الاخبار الدالة على عدم جواز اخراج الردئ من التمر عن الجيد منه (2) قيل: واولى بالجواز لو اخرج الادنى بالقيمة. ولو اخرج من الاعلى بقدر قيمة الادون مثل أن يخرج نصف دينار جيد عن دينار أدون فالمشهور عدم الجواز من حيث ان الواجب عليه دينار فلا يجزئ ما نقص عنه. واحتمل العلامة في التذكرة الاجزاء، ورده جملة من أفاضل متأخرى المتأخرين بانه ضعيف. أقول: لا ريب ان عدم الاجزاء في هذا الصورة كما هو المشهور انما يتم بناء على المشهور من وجوب الاخذ بالنسبة ان لم يتطوع المالك بالارغب، وإلا فعلى مذهب الشيخ من جواز اخراج الادون الظاهر انه لااشكال في ذلك، لانه متى كان الواجب عليه دينارا واختار دفع الادون وأراد دفع قيمته فدفع نصف دينار خالص بقيمة ذلك الدينار الادون فالمدفوع قيمته حينئذ لا انه الفريضة الواجبة حتى يقال ان الواجب دينار فلا يجزى ما دونه، ولعل الاحتمال المنقول عن العلامة مبنى على هذا.

الخامسة – المشهور بين الاصحاب (رضوان الله عليهم) بل الظاهر الاتفاق عليه – ان الدين لا يمنع وجوب الزكاة متى ملك النصاب. ويدل عليه اطلاق الاخبار الدالة على وجوب الزكاة على من ملك النصاب بالشروط المتقدمة (3).


(1) سورة البقرة الآية 270 (2) الوسائل الباب 19 من زكاة الغلات (3) يستفاد ذلك من اخبار الباب 7 ممن تجب عليه الزكاة من الوسائل


[ 95 ]

وخصوص ما رواه في الكافي في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر عليه السلام وضريس عن ابى عبد الله عليه السلام (1) انهما قالا: ” ايما رجل كان له مال موضوع حتى يحول عليه الحول فانه يزكيه وان كان عليه من الدين مثله أو اكثر منه فليزك ما في يده “. وظاهر الشهيد في البيان التوقف في ذلك حيث نقل عن كتاب الجعفريات عن امير المؤمنين عليه السلام (2) انه قال: ” من كان له مال وعليه مال فليحسب ماله وما عليه فان كان ماله فضل على مائتي درهم فليعط خمسة دراهم ” قال: وهذا نص في منع الدين الزكاة والشيخ في الخلاف ما تمسك على عدم منع الدين إلا باطلاق الاخبار الموجبة للزكاة. انتهى وفيه (أولا) ان الكتاب المذكور مجهول لا يمكن الاعتماد عليه. و (ثانيا) ان ما نقله عنه معارض بالصحيحة المذكورة المؤيدة باطلاق الاخبار وعمل الاصحاب. والظاهر ان شيخنا المذكور غفل عن ملاحظة الصحيحة المذكورة وتوهم انحصار الدليل في الاطلاقات فرام تقييدها بهذا الخبر والحال ما عرفت.

السادسة – لو خلف الرجل نفقة لعياله سنة أو سنتين وبلغت النصاب فالمشهور انه ان كان حاضرا وجب عليه اخراج الزكاة وإلا فلا، ونقل عن ابن ادريس انه لم يفرق بين الحضور والغيبة بل اعتبر التمكن من التصرف وعدمه. والذى دلت عليه الاخبار الاول كصحيحة ابن ابى عمير عن بعض اصحابه عن ابى عبد الله عليه السلام (3) ” في رجل وضع لعياله الف درهم نفقة فحال عليها الحول ؟ قال ان كان مقيما زكاه وان كان غائبا لم يزك ” ونحوها موثقة اسحاق بن عمار (4) وفيها ” ان كان شاهدا فعليه زكاة وان كان غائبا فليس عليه زكاة ” وموثقة


(1) الوسائل الباب 10 ممن تجب عليه الزكاة (2) مستدرك الوسائل الباب 8 ممن تجب عليه الزكاة (3) و (4) الوسائل الباب 17 من زكاة الذهب والفضة.


[ 96 ]

ابى بصير (1) وفيها كما في موثقة اسحاق المذكورة. اقول: ويمكن حمل كلام ابن ادريس على ما يرجع إلى المشهور بان يكون. التعبير بالتمكن من التصرف كناية عن الحضور وعدم التمكن كناية عن الغيبة بناء على ما هو الغالب، ومثله في التعبيرات غير عزيز. وقيد الشيخ الشهيد في البيان الحكم المذكور بعدم العلم بزيادتها، وهو تقييد للنص من غير دليل.

السابعة – لا خلاف بين الاصحاب (رضوان الله عليهم) في سقوط الزكاة عن السبائك والنقار والتبر وانما الخلاف في ما إذا عملها كذلك قبل تمام الحول بقصد الفرار من الزكاة، فقيل بوجوب الزكاة عليه بعد تمام الحول، والظاهر انه المشهور بين المتقدمين نقله في المختلف عن الشيخ على بن الحسين بن بابوبه في الرسالة حيث قال: وليس في السبائك شئ إلا ان تفر بها من الزكاة فان فررت بها من الزكاة فعليك زكاته. وكذا نقله عن ابنه في المقنع. اقول وبهذه العبارة عبر في الفقيه. وممن نقل عنه القول المذكور في المختلف ايضا الشيخ في الجمل والخلاف والمبسوط والسيد المرتضى في الجمل. ونقل في المختلف عن الشيخ المفيد القول بعدم الوجوب ونسبة القول بالوجوب إلى الرواية في الصورة المذكورة، ونقل القول بالعدم ايضا عن الشيخ في النهاية وابن ادريس واختاره وهو المشهور بين المتأخرين ومن ما يدل على القول بعدم الوجوب في الصورة المذكورة اطلاق الاخبار الدالة على ان السبائك والحلى ليس فيه زكاة (2) وما تقدم من الاخبار الدالة على اشتراط النقش بسكة المعاملة في الوجوب (3) وخصوص صحيحة عمربن يزيد (4) قال: ” قلت لابي عبد الله عليه السلام رجل


(1) الوسائل الباب 17 من زكاة الذهب والفضة (2) الوسائل الباب و 9 8 و 11 من الزكاة الذهب والفضة (3) الوسائل الباب 8 من زكاة الذهب والفضة (4) الوسائل الباب 11 من زكاة الذهب والفضة


[ 97 ]

فر بماله من الزكاة فاشترى به ارضا أو دارا أعليه فيه شئ ؟ فقال لا ولو جعله حليا أو نقرا فلاشئ عليه. وما منع نفسه من فضله اكثر من مانع من حق الله الذى يكون فيه “. ورواية على بن يقطين عن ابى ابراهيم عليه السلام (1) قال ” قلت له انه يجمع عندي الشئ الكثير قيمته فيبقى نحوا من سنة أنزكيه ؟ قال لا كل ما لم يحل عليه عندك الحول فليس عليك فيه زكاة، وكل ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شئ، قال قلت وما الركاز ؟ قال الصامت المنقوش. ثم قال إذا أردت ذلك فاسبكه فانه ليس في سبائك الذهب ونقار الفضة شئ من الزكاة ” وحسنة هارون بن خارجة عن ابى عبد الله عليه السلام (2) قال ” قلت له ان أخى يوسف ولى لهؤلاء القوم اعمالا اصاب فيها اموالا كثيرة وانه جعل ذلك المال حليا اراد ان يفر به من الزكاة أعليه الزكاة ؟ قال ليس على الحلى زكاة، وما ادخل على نفسه من النقصان في وضعه ومنه نفسه فضله اكثر من ما يخاف من الزكاة “. وصحيحة على بن يقطين (3) قال: ” سألت أبا الحسن عليه السلام عن المال الذى لا يعمل به ولا يقلب ؟ قال يلزمه الزكاة في كل سنة إلا ان يسبك “. وروى في كتاب العلل عن يونس بن عبد الرحمان عن ابى الحسن – يعنى على بن يقطين – عن ابى ابراهيم عليه السلام (4) قال: ” لا تجب الزكاة في ماسبك. قلت فان كان سبكه فرارا من الزكاة ؟ فقال ألا ترى ان المنفعة قد ذهبت منه فلذلك لا تجب فيه الزكاة ” ورواه البرقى في كتاب المحاسن مثله (5). ومن ما يدل على القول الآخر جملة من الاخبار: منها موثقة محمد بن مسلم (6) قال: ” سألت ابا عبد الله عليه السلام عن الحلى فيه زكاة ؟ قال لا إلا ما فربه من الزكاة “.


(1) و (3) الوسائل الباب 8 من زكاة الذهب والفضة (2) و (4) و (5) و (6) الوسائل الباب 11 من زكاة الذهب والفضة.


[ 98 ]

وفي الموثق عن اسحاق بن عمار (1) قال: ” سألت أبا ابراهيم عليه السلام عن رجل له مائة درهم وعشرة دنانير أعليه زكاة ؟ فقال ان كان فر بها من الزكاة فعليه الزكاة. قلت لم يفر بها ورث مائة درهم وعشرة دنانير ؟ قال ليس عليه زكاة.. الحديث “. وعن معاوية بن عمار في القوى بل الحسن عن ابى عبد الله عليه السلام (2) قال: ” قلت له الرجل يجعل لاهله الحلى من مائة دينار والمائتي دينار وأرانى قد قلت ثلاثمائة فعليه الزكاة ؟ قال ليس عليه فيه زكاة. قلت فانه فر به من الزكاة ؟ فقال ان كان فر به من الزكاة فعليه الزكاة وان كان إنما فعله ليتجمل به فليس عليه زكاة ” ورواه ابن ادريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب معاوية بن عمار مثله (3) فيكون الحديث صحيحا. أقول: ويدل على ذلك ما في كتاب الفقه الرضوي (4) حيث قال عليه السلام ” وليس في السبائك زكاة إلا أن يكون فربه من الزكاة فان فررت به من الزكاة فعليك فيه زكاة “. وبهذه العبارة عبر الشيخ على بن بابويه في ما تقدم نقله عن المختلف وبها عبر ابنه في الفقيه والظاهر انها كذلك في المقنع. والعجب منه (قدس سره) في الفقيه انه بعد ان ذكر هذه العبارة الدالة كما ترى على وجوب الزكاة مع قصد الفرار نقل بعد ورقة تقريبا صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة التى هي كما عرفت من أدلة القول بعدم الوجوب. وكيف كان فمن هذه العبارة يعلم ان مستند الصدوقين في هذا الحكم هو الكتاب المذكور كما نبهنا عليه مرار وان كانت الاخبار الاخر دالة على ذلك، والظاهر ان ايثارهما التعبير بعبارة الكتاب لمزيد الاعتماد عليه زيادة على غيره من كتب الاخبار


(1) الوسائل الباب 5 من زكاة الذهب والفضة (2) و (3) الوسائل الباب 9 و 11 من زكاة الذهب والفضة (4) ص 23


[ 99 ]

كما يدل عليه ايضا عدولهما إلى القول بما فيه مع مخالفته لاكثر الاخبار في جملة من المواضع حتى ان الاصحاب ينسبون تلك الاقوال إلى الشذوذ كما مر وسيأتى ان شاء الله تعالى. إذا عرفت ذلك فاعلم ان الشيخ في كتابي الاخبار قد حمل هذه الاخبار الاخيرة تارة على الاستحباب وتارة على الفرار بعد أن حال الحول. واستدل على الثاني بما رواه عن زرارة في الموثق (1) قال: ” قلت لابي عبد الله عليه السلام ان أباك قال من فربها من الزكاة فعليه أن يؤديها ؟ قال صدق ابى ان عليه أن يؤدى ما وجب عليه وما لم يجب عليه فلا شئ عليه منه. ثم قال لى أرأيت لو ان رجلا اغمى عليه يوما ثم مات فذهبت صلاته اكان عليه وقد مات ان يؤديها ؟ قلت لا. قال إلا ان يكون أفاق من يومه. ثم قال لى أرأيت لو ان رجلا مرض في شهر رمضان ثم مات فيه أكان يصام عنه ؟ قلت لا. قال وكذلك الرجل لا يؤدى عن ماله إلا ما حال عليه الحول “. وجملة المتأخرين حيث اختاروا عدم وجوب الزكاة مع الفرار تبعوا الشيخ في حمل هذا الاخبار فبعضهم اختار الحمل على الاستحباب وبعضهم الحمل على ما إذا كان الفرار بعد الحول. وعندي في كلا الحملين نظر: اما الحمل على الاستحباب فلما اشرت إليه في غير موضع من انه وان اشتهر العمل به بين الاصحاب في الجمع بين الاخبار إلا انه مع كونه لا دليل عليه من الاخبار وليس من القواعد المروية عن الائمة الاطهار (صلوت اللله عليهم) في الجمع بين الاخبار مردود بان الحمل على الاستحباب مع ظهور الادلة في الوجوب مجاز لا يصار إليه إلا مع القرينة، واختلاف الاخبار ليس من قرائن المجاز وان كان قد جرت عادتهم في ابواب الفقه من أوله إلى آخره بحمل الاوامر في مقام الجمع على الاستحباب والنواهي على الكراهة إلا انه من


(1) الوسائل الباب 11 من الزكاة الذهب والفضة


[ 100 ]

قبيل رب مشهور لا أصل له ورب متأصل ليس بمشهور. واما الحمل على الفرار بعد الوجوب ففيه ان ظواهر تلك الاخبار تأباه ولا ترضاه، حيث انها ظاهرة في كون الفرار قبل وقت الوجوب كما هو المدعى منها والمستدل بها عليه، مثل رواية معاوية بن عمار (1) وقوله في آخرها ” ان كان فربه من الزكاة فعليه الزكاة وان كان انما فعله ليتجمل به فليس عليه زكاة، فانه متى جعل محل التقسيم بعد تمام الحول ووجوب الزكاة اقتضى سقوط الزكاة عن من فعله ليتجمل به مع انه لا قائل به بل الاتفاق على الوجوب. ولا جائز ان يحمل الفرار على ما بعد الحول وقصد التجمل على ما قبله لانه يصير الكلام متهافتا منحل الزمام مختل النظام يجل عنه كلام الامام الذى هو امام الكلام كما هو بحمد الله ظاهر لذوى الاذهان والافهام. ونحو ذالك مفهوم الشرط في موثقة اسحاق بن عمار وقوله فيها ” ان كان فر به من الزكاة فعليه الزكاة ” ومثله مفهوم عبارة كتاب الفقه الرضوي، فان مفهومهما الشرطي الذي هو حجة عند المحققين انه ان لم يقصد الفرار فليس عليه زكاة، وهو باطل قطعا اما عرفت من ان التصرف في النصاب بعد حول الحول بالتغيير والتبديل أو السبك وغير ذلك لا يسقط الزكاة. وهكذا موثقة محمد بن مسلم فان نفيه عليه السلام الزكاة عن الحلى محمول على ما قبل الحول البتة وقبل وجوب الزكاة وحينئذ فيكون هو محل الاستثناء. وبالجملة فظهور هذه الاخبار في وجوب الزكاة بعد الحول مع قصد الفرار قبل تمام الحول من ما لا يستطاع ان ينكر كما لا يخفى على من تأمل بعين الانصاف ونظر وما أوردوه دليلا على هذا الحمل ليس فيه دلالة كما ادعوه وانما غايته الدلالة على ما دلت عليه الاخبار الاولة وان كان بوجه أوضح، وحيث كانت العبارة التى نقلها الرواى عن ابيه عليه السلام مجملة لا تفصيل فيها مثل الاخبار التى ذكرناها تأولها وحملها على الاخبار الاولة، وهو جيد بناء على العمل بظاهر تلك الاخبار.


(1) ص 98


[ 101 ]

وليعلم ان الموثقة التى رواها الشيخ هنا قد رواها الكليني في الصحيح عندنا والحسن على المشهور في جملة حديث طويل مشتمل على جمل من الاشكال وانا اذكر الرواية من أولها إلى آخرها وابين منها ما وصل إليه فهمي القاصر وذهني الفاتر وهى ما رواه ثقة الاسلام في الكافي عن على بن ابراهيم عن ابيه عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد الله عن زرارة (1) قال: ” قلت لابي جعفر عليه السلام رجل كان عنده مائتا درهم غير درهم أحد عشر شهرا ثم أصاب درهما بعد ذلك في الشهر الثاني عشر فكملت عنده مائتا درهمم أعليه زكاتها ؟ قال لا حتى يحول عليه الحول وهى مائتا درهم، فان كانت مائة وخمسين درهما فاصاب خمسين بعد أن يمضى شهر فلا زكاة عليه حتى يحول على المائتين الحول. قلت له فان كانت عنده مائتا درهم غير درهم فمضى عليه أيام قبل ان ينقضى الشهر ثم اصاب درهما فاتى على الدراهم مع الدرهم حول أعليه زكاة ؟ فقال نعم وان لم يمض عليها جميعا الحول فلا شئ عليه فيها. قال وقال زرارة ومحمد بن مسلم قال أبو عبد الله عليه السلام ايما رجل كان له مال وحال عليه الحول فانه يزكيه. قلت فان وهبه قبل حله بشهر أو بيوم ؟ قال ليس عليه شئ ابدا. قال وقال زرارة عنه عليه السلام انه قال انما هذا بمنزلة رجل افطر في شهر رمضان يوما في اقامته ثم خرج في آخر النهار في سفر فاراد بسفره ذلك ابطال الكفارة التى وجبت عليه. وقال انه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة ولكنه لو كان وهبها قبل ذلك لجاز ولم يكن عليه شئ بمنزلة من خرج ثم افطر، انما لا يمنع ما حال عليه فاما ما لم يحل فله منعه ولا يحل له منع مال غيره في ما قد حل عليه. قال زرارة قلت له رجل كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض اخوانه أو ولده أو أهله فرارا بها من الزكاة فعل ذلك قبل حلها بشهر ؟ فقال إذا حل الشهر الثاني عشر فقد حال عليها الحول ووجبت عليه فيها الزكاة. قلت فان أحدث فيها قبل الحول ؟ قال جائز ذلك له. قلت انه فربها من الزكاة ؟ قال ما أدخل على نفسه أعظم من ما منع من زكاتها. فقلت له انه يقدر عليها ؟ فقال وما


(1) الوسائل الباب 6 و 12 و 11 من الزكاة الذهب والفضة


[ 102 ]

علمه انه يقدر عليها وقد خرجت من ملكه قلت فانه دفعها إليه على شرط ؟ فقال انه إذا سماها هبة جازت الهبة وسقط الشرط وضمن الزكاة. قلت وكيف يسقط الشرط وتمضى الهبة ويضمن الزكاة ؟ فقال هذا شرط فاسد والهبة المضمونة ماضية والزكاة لازمة له عقوبة. ثم قال انما ذلك له إذا اشترى بها دارا أو ارضا أو متاعا. قال قلت له ان اباك قال لى من فربها من الزكاة فعليه أن يؤديها ؟ فقال صدق ابى عليه ان يؤدى ما وجب عليه وما لم يجب فلا شئ عليه فيه. ثم قال أرأيت لو ان رجلا اغمى عليه يوما ثم مات فذهبت صلاته أكان عليه وقد مات أن يؤديها ؟ قلت لا إلا أن يكون افاق من يومه. ثم قال لو ان رجلا مرض في شهر رمضان ثم مات فيه اكان يصام عنه ؟ قلت لا. قال فكذلك الرجل لا يؤدى عن ماله إلا ما حال عليه الحول ” اقول: قوله عليه السلام ” نعم ” – في جواب السؤال عن من كانت عنده مائتا درهم غير درهم فمضى عليه أيام ثم أصاب درهما فاتى على الدراهم مع الدرهم حول فعليه الزكاة – من ما يدل بظاهره على ان المعتبر في الحول مرور الاحد عشر شهرا من غير اعتبار الايام، فمتى اجتمع النصاب وحمل في اثناء الشهر وان كان في ايام متفرقة عد ذلك شهرا أولا من غير اعتبار الايام وملاحظتها في النقصان والتمام. والظاهر انه كذلك عند الاصحاب وان لم اقف لهم على كلام في هذا الباب إلا انه لم يتعرض أحد منهم للقول بالتلفيق من الشهر الاخير. قول عليه السلام: ” ايما رجل كان له مال وحال عليه الحول فانه يزكيه ” الظاهر كما استظهره في الوافى ايضا انه سقط هذه العبارة ” ثم وهبه ” قبل قوله ” فانه يزكيه ” كما يشير إليه قول الراوى بعد هذا الكلام ” فان وهبه قبل حله ” ولعله ترك لقرينة دلالة المقام من دلالة ما بعده على ذلك، وكيف كان فلا بد من تقدير. قوله عليه السلام: ” إنما هذا بمنزلة رجل.. إلى آخره ” اسم الاشارة هنا يرجع إلى قوله ” ايما رجل.. ” وحاصله تشبيه الفار من الزكاة بعد أن حال عليه الحول بمن


[ 103 ]

أفطر في شهر رمضان متعمدا ووجبت عليه الكفارة ثم سافر في نهاره ذلك لاسقاط الكفارة بعد ما تحقق وجوبها فانه غير نافع في سقوطها، والحال كذلك في من حال على ماله الحول ووجبت فيه الزكاة ثم وهبه فرارا من الزكاة فان ذلك لا يسقط الزكاة بعد وجوبها، وكما ان هذا الحيلة في الصيام لا تفيد نفعا في سقوط الكفارة كذلك في الزكاة، بخلاف من وهب ماله قبل الحول فان حيلته تفيد سقوط الزكاة، كمن سافر في شهر رمضان قاصدا بسفره التوصل إلى الافطار فان يجوز له الافطار ولا كفارة. قوله عليه السلام: ” إنما لا يمنع ما حال عليه.. ” الظاهر ان معناه ان المال الذى لا يمنع الفرار من اخراج الزكاة منه هو المال الذى حال عليه الحول بل تجب عليه الزكاة البتة إذ لا يحل له منع مال غيره وهو حصة ارباب الزكاة بخلاف ما لم يحل عليه الحول. قوله: ” قال زارارة قلت له رجل كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض اخوانه ” هذا هو مستند الاصحاب (رضون الله عليهم) في جعل الحول الشرعي احد عشر شهرا. ومثله قوله سابقا: ” وقال انه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة ” وقد عرفت سابقا ما فيه ولا سيما معارضة صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة (1) لذلك. قوله: ” قلت انه فربها من الزكاة ؟ قال ما أدخل على نفسه أعظم من ما منع ” صريح الدلالة في ما ذهب إليه من جوز الفرار قبل الحول وانه غير موجب للزكاة كما يدعيه اهل القول الآخر، فهو من جملة ادلة القول المشار إليه. قوله: ” قلت له انه دفعها إليه على شرط ” لا يخفى ما فيه من الغموض والاشكال الذى تحيرت فيه فحول الرجال، وذلك فان هذا الشرط المذكور غير معلوم باى معنى هو، وما ذكر ايضا من ضمان الزكاة على تقدير الهبة والحال ان الهبة انما


(1) ص 75


[ 104 ]

وقعت قبل الحول كما هو مقتضى سياق الكلام – مناف لما تقدم من انه لا يلزمه زكاة في هذه الحال، ووجه لزوم الزكاة هنا عقوبة ان اريد به من حيث قصد الفرار فهو مناف لما تقدم من الجواز وعدم الزكاة والا فلا يعلم لهذه العقوبة سبب. والفرق في ذلك – بين الهبة وشراء الدار والارض والمتاع مع قصد الفرار في الجمع – غير ظاهر. واما حمل الكلام على ما إذا كانت الهبة بعد الحول كما صار إليه بعض محققى متأخرى المتأخرين فهو بعيد عن سياق الكلام، ولا يلائمه ايضا كون الزكاة عقوبة لانها حينئذ واجبة باصل الشرع، ولا يلائمه ايضا الفرق بين الهبة وشراء الدار ونحوها. ويمكن ان يقال – والله سبحانه وقائله اعلم بحقيقة الحال ان المعنى انه لما اخبر عليه السلام بانه متى وهبها قبل الحول فرارا من الزكاة فلا شئ عليه قال له الرواى انه يقدر على أخذها بعد حول الحول، اجابه عليه السلام بانه كيف يقدر عليها وقد خرجت من ملكه بالهبة ؟ قال له الراوى انه وهبها بشرط يقتضى رجوعه فيها متى أراد، فاجابه عليه السلام متى كان كذلك فالهبة صحيحة وهذا الشرط فاسد لمنا فاته الهبة وتجب عليه الزكاة حينئذ عقوبة لهذا الشرط. ثم انه فرق بين الهبة على هذه الكيفية وبين شراء الدار ونحوها باعتبار انه في الهبة شرط رجوعها فهذا الشرط أوجب عليه العقوبة بوجوب الزكاة واما الشراء ونحوه فانه من الامور السائغة الجائزة والحال ان الشراء وقع قبل الحول كما هو المفروض. قوله: ” قال زرارة قلت له ان اباك.. ” الظاهر انه رجوع إلى الكلام الاول ولا تعلق له بهذه الجملة المتوسطة التى هي محل الاشكال، حيث ان مقتضى الكلام الاول ان الفرار قبل الحول غير موجب للزكاة، ومراده ان ما ذكرته من عدم الزكاة على من قصد الفرار قبل الحول مناف لما قال ابوك من ان من فربها من


[ 105 ]

الزكاة فعليه ان يؤديها، اجابه عليه السلام بان كلام ابى ليس صريحا في ما تدعيه وانما مراده من قصد الفرار بعد الحول والوجوب فعليه ان يؤدى ما وجب عليه. وجملة من المتأخرين حملوا تلك الروايات الاخيرة الدالة على وجوب الزكاة متى قصد الفرار على هذه الرواية بمعنى الوجوب بعد الحول. وفيه ما عرفت آنفا من ظهور تلك الروايات في المعنى الذى ذهب إليه من استدل بها وانها ظاهرة في كون قصد الفرار قبل الحول، وهو الذى فهمه جملة القائلين بمضمونها، وكذا القائلين بحملها على الاستحباب فانه لولا ظهورها في ذلك لما كان لهذا الاستحباب معنى. وبالجملة فالمسألة لا تخلو من الاشكال لظهور اخبار الطرفين في كل من القولين والظاهر ان أخبار أحد الطرفين انما خرجت مخرج التقية وان كان العامة في ذلك على قولين ايضا فذهب مالك واحمد إلى الوجوب والشافعي وابو حنيفة إلى عدم الوجوب (1) إلا انه غير معلوم عندي كون التقية في أي الطرفين. والسيد المرتضى (قدس سره) في الانتصار لما اختار القول بالوجوب كما تقدم في مسألة معاوضة بعض الانعام ببعض حمل اخبار عدم الوجوب على التقية إلا ان للخصم ايضا ان يحمل اخبار الوجوب على ذلك ايضا. ويمكن ترجيح ما ذكره (قدس سره) بان مذهب ابى حنيفة في زمانه كان مشهورا معمولا عليه بين خلفاء الجور وقضاة ذلك الوقت، وتلامذته المروجون لمذهبه مثل ابى يوسف ونحوه مشهورون ايضا، واما احمد ومالك فانهما في ذلك الوقت ليسا إلا كسائر العلماء ليس لهما مذهب مشهور ولا قول مذكور وانما وقع الاصطلاح على مذهبهما مع ذينك الآخرين في الاعصار الاخيرة في ما يقرب من السنة الستمائة كما ذكره علماء الفريقين وبيناه في كتاب سلاسل الحديد. وبذلك يظهر


(1) في المغنى ج 3 ص 11 ” ما اتخذ حلية فرارا من الزكاة لا يسقط عنه ” وفي المهذب للشيرازي الشافعي ج 1 ص 355 ما يظهر منه عدم الوجوب وكذا في البدائع للكاسانى الحنفي ج 2 ص 15.


[ 106 ]

قوة القول بالوجوب، ويعضده الاحتياط ايضا. والله العالم.

المطلب الثالث

في زكاة الغلات

والكلام في هذا المطلب يقع في مقامات:

المقام الاول:

لا خلاف بين الاصحاب (رضوان الله عليهم) في وجوب الزكاة في الغلات الاربع المشهورة وهى التمر والزبيب والحنطة والشعير، انما الخلاف في ما زاد على هذه الاربع من ما دخله الكيل والوزن كالارز والدخن والسمسم ونحوها، فالاشهر الاظهر انه لا زكاة فيها، ونقل عن ابن الجنيد القول بالوجوب فيها، وحكاه الكليني والشيخ عن يونس بن عبد الرحمان من قدماء اصحابنا. ومن ما يدل على المشهور صحيحة الفضلاء الحسنة على المشهور عن ابى جعفر وابى عبد الله (عليهما السلام) (1) قالا: ” فرض الله الزكاة مع الصلاة في الاموال وسنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تسعة اشياء وعفا عن ما سواهن: في الذهب والفضة والابل والبقر والغنم والحنطة والشعير والتمر والزبيب، وعفا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ما سوى ذلك “. وفي الموثق عن زرارة (2) قال: ” سألت أبا جعفر عليه السلام عن صدقات الاموال فقال في تسعة اشياء ليس في غيرها شئ: في الذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر والزبيب والابل والبقر والغنم السائمة وهى الراعية.. الحديث “. وفي الموثق عن زرارة وبكير ابني اعين عن ابى جعفر عليه السلام (3) قال: ” ليس في شئ انبتت الارض من الارز والذرة والحمص والعدس وسائر الحبوب والفوا كه غير هذه الاربعة الاصناف وان كثر ثمنه زكاة إلا ان يصير مالا يباع بذهب أو فضة تكنزه ثم يحول عليه الحول وقد صار ذهبا أو فضة فتؤدى عنه من كل مائتي درهم خمسة دراهم ومن كل عشرين دينارا نصف دينار “. وفي الموثق عن عبد الله بن بكير عن محمد بن الطيار (4) قال: ” سألت


(1) و (2) و (4) الوسائل الباب 8 من ما تجب فيه الزكاة (3) الوسائل الباب 9 من ما تجب فيه الزكاة


[ 107 ]

أبا عبد الله عليه السلام عن ما تجب فيه الزكاة فقال في تسعة اشياء: الذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر والزبيب والابل والبقر والغنم، وعفا رسول الله صلى الله عليه وآله عن ما سوى ذلك. فقلت أصلحك الله فان عندنا حبا كثيرا ؟ قال فقال وما هو ؟ قلت الارز قال نعم ما اكثره. فقلت أفيه الزكاة ؟ قال فزبرنى قال ثم قال أقول لك ان رسول لله صلى الله عليه وآله وسلم عفا عن ما سوى ذلك وتقول لى ان عندنا حبا كثيرا أفيه الزكاة ؟ إلى غير ذلك من الاخبار التى يضيق بنقلها المقام. واما ما يدل على القول الثاني فاخبار عديدة: منها – صحيحة على بن مهزيار (1) قال ” قرأت في كتاب عبد الله بن محمد إلى ابي الحسن عليه السلام جعلت فداك روى عن ابى عبد الله عليه السلام انه قال وضع رسول الله صلى الله عليه وآله الزكاة على تسعة أشياء: الحنطة والشعير والتمر والزبيب والذهب والفضة والغنم والبقر والابل وعفا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ما سوى ذلك. فقال له القائل عندنا شئ كثير يكون أضعاف ذلك، فقال وما هو ؟ فقال له الارز. فقال أبو عبد الله عليه السلام اقول لك ان رسول الله صلى الله عليه وآله وضع الزكاة على تسعة أشياء وعفا عن ما سوى ذلك وتقول عندنا ارز وعندنا ذرة وقد كانت الذرة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله سلم ؟ فوقع عليه السلام كذلك هو والزكاة على كل ما كيل بالصاع ” وكتب عبد الله وروى غير هذا الرجل عن ابى عبد الله عليه السلام (2) انه سأله عن الحبوب فقال وما هي ؟ فقال السمسم والارز والدخن، وكل هذا غلة كالحنطة والشعير. فقال أبو عبد الله عليه السلام في الحبوب كلها زكاة “. وروى ايضا عن ابى عبد الله عليه السلام (3) انه قال: ” كل ما دخل القفيز فهو يجرى مجرى الحنطة والشعير والتمر والزبيب. قال فاخبرني جعلت فداك هل على هذا الارز وما اشبهه من الحبوب والحمص والعدس زكاة ؟ فوقع عليه السلام صدقوا الزكاة في كل شئ كيل “.


(1) الوسائل الباب 8 من ما تجب فيه الزكاة (2) و (3) الوسائل الباب 9 من ما تجب فيه الزكاة


[ 108 ]

وما رواه في الكافي عن ابى مريم عن ابى عبد الله عليه السلام (1) قال: ” سألته عن الحرث ما يزكى منه ؟ فقال البر والشعير والذرة والارز والسلت والعدس كل هذا من ما يزكى. وقال كل ما كيل بالصاع فبلغ الاوساق فعليه الزكاة “. وما رواه في الكافي الصحيح أو الحسن بابراهيم بن هاشم عن محمد بن مسلم (2) قال: ” سألته عن الحبوب ما يزكى منها ؟ فقال البر والشعير والذرة والدخن والارز والسلت والعدس والسمسم كل هذا يزكى واشباهه ” ورواه في الكافي والتهذيب عن حريز عن زرارة مثله (3) وقال: كل ما كيل بالصاع فبلغ الاوساق فعليه الزكاة قال: وجعل رسول الله صلى عليه وآله وسلم الصدقة في كل شئ انبتته الارض إلا الخضر والبقول وكل شئ يفسد من يومه. وما رواه في التهذيب في الموثق عن ابى بصير (4) قال: ” قلت لابي عبد الله عليه السلام هل في الارز شئ ؟ فقال نعم، ثم قال ان المدينة لم تكن يومئذ ارض ارز فيقال فيه ولكنه قد حصل فيه، كيف لا يكون فيه وعامة خراج العراق منه ؟ ” إلى غير ذلك من الاخبار إلا انها أقل عددا من الاولى. والاصحاب قد جمعوا بين الاخبار بحمل هذا الاخبار الاخيرة على الاستحباب كما هي قاعدتهم وعادتهم في جميع الابواب، وقد عرفت ما فيه في غير مقام. والاظهر عندي حمل هذه الاخبار الاخيرة على التقية التى هي في اختلاف الاحكام الشرعية أصل كل بلية، فان القول بوجوب الزكاة في هذا الاشياء مذهب الشافعي وابى حنيفة ومالك وأبى يوسف ومحمد (5) كما نقله في المنتهى. ويدل على ذلك ما رواه الصدوق (عطر الله مرقده) في كتاب معاني الاخبار باسناده عن ابى سعيد القماط عن من ذكره عن ابى عبد الله عليه السلام (6): ” انه سئل عن


(1) و (2) و (3) و (4) الوسائل الباب الباب 9 من تجب فيه الزكاة. (5) الام ج 2 ص 29 وبدائع الصنائع ج 2 ص 59 والمدونة ج 1 ص 288 (6) الوسائل الباب 8 من تجب فيه الزكاة


[ 109 ]

الزكاة فقال وضع رسول الله صلى الله عليه وآله الزكاة على تسعة وعفا عن ما سوى ذلك: الحنطة والشعير والتمر والزبيب والذهب والفضة والبقر والغنم والابل. فقال السائل: والذرة ؟ فغضب عليه السلام ثم قال كان والله على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله السماسم والذرة والدخن وجميع ذلك. فقال انهم يقولون انه لم يكن ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانما وضع على تسعة لما لم يكن بحضرته غير ذلك ؟ فغضب وقال كذبوا فهل يكون العفو إلا عن شئ قد كان، فلا والله لا اعرف شيئا عليه الزكاة غير هذا فمن فليؤمن ومن شاء فليكفر ” وهو كما ترى صريح الدلالة في قول المخالفين يومئذ بوجوب الزكاة في هذه الاشياء فيجب حمل ما دل على ذلك في ما عدا التسعة على التقية. ومن ما يستأنس به لذلك صحيحة على بن مهرياز المتقدمة حيث انه اقر السائل على ما نقله عن ابى عبد الله عليه السلام في صدر الخبر من تخصيص الوجوب بالتسعة المذكورة والعفو عن ما سواها وانكاره على السائل لما راجعه في الارز ومع هذا قال له ” الزكاة في كل ما كيل بالصاع ” فلو لم يحمل كلامه (عليه السلام) على التقية للزم التناقض بين الكلامين وهو من ما يجل عنه، وهذا بحمد الله ظاهر لكل ناظر ولو كان ما يدعونه حقا من ان اخبار الوجوب انما خرجت عنهم (عليهم السلام) مرادا بها الاستحباب وانه لا تناقض ولا تدافع بين الاخبار في هذا الباب لما خفى هذا المعنى على اصحاب الائمة المعاصرين لهم (عليهم السلام) ولما احتاجوا إلى عرض هذه الاخبار المنقولة عن المتقدمين على المتأخرين منهم (عليهم السلام) ومع تسليم خفاء ذلك عليهم فالاظهر في الجواب هنا لما عرض السائل عليه اختلاف الاخبار ان يقال ان هذه الاخبار ليست مختلفة كما توهمت بل المراد بما ظاهره الوجوب في ما عدا التسعة انما هو الاستحباب لا انه (عليه السلام) يقر السائل على الحصر في التسعة كما عرفت ومع هذا يوجب عليه اخراج الزكاة في ما زاد على التسعة ويقرره على ما نقله من الاخبار الدالة على الوجوب بقوله ” صدقوا الزكاة في كل شئ كيل ” وجميع هذا بحمد الله سبحانه ظاهر لمن نظر بعين الانصاف


[ 110 ]

وجانب التعصب والاعتساف (1). واما ما نقل عن يونس بن عبد الرحمان في الجمع بين الاخبار من حمل اخبار التسعة على صدر الاسلام وحمل ما زاد عليها على ما بعد ذلك ففيه ما ذكره الشيخ (قدس سره) حيث قال بعد حمل الاخبار على الاستحباب: ولا يمكن حمل هذه الاخبار يعنى ما دل على التسعة على ما ذهب إليه يونس بن عبد الرحمان من ان هذه التسعة كانت الزكاة عليها في أول الاسلام ثم أوجب الله تعالى بعد ذلك في غيرها من الاجناس، لان الامر لو كان كما ذكره لما قال الصادق (عليه السلام) عفا رسول الله صلى الله عليه وآله عن ما سوى ذلك لانه إذا أوجب في ما عدا هذه التسعة اشياء. بعد ايجابه في التسعة لم يبق شئ معفو عنه، لهذا القول واضح البطلان. انتهى وهو جيد. وبالجملة فالحمل على التقية في هذا المقام من ما لا يعتريه نقض ولا ابرام. المقام

الثاني – لا خلاف بين الاصحاب (رضوان الله عليهم) في اشتراط النصاب في زكاة الغلات وانه خمسة أوسق والوسق ستون صاعا. ويدل عليه روايات عديدة: منها – صحيحة زرارة عن ابى جعفر عليه السلام (2) قال: ” ما انبتت الارض من الحنطة والشعير والتمر والزبيب ما بلغ خمسة أوساق والوسق ستون صاعا فذلك ثلاثمائة صاع – ففيه العشر، وما كان منه يسقى بالرشاء والدوالى والنواضح ففيه نصف العشر، وما سقت السماء أو السيح أو كان بعلا ففيه العشر تاما، وليس في ما دون الثلاثمائة صاع شئ، وليس في ما انبتت الارض شئ إلا في هذه الاربعة أشياء “. وصحيحة سعد بن سعد (3) قال: ” سألت أبا الحسن عليه السلام عن أقل ما يجب


(1) قوله ” ولو كان ما يدعونه حقا.. إلى هنا ” اخذناه من النسخة الخطية وليس في الطبوعة نعم فيها علامة على قوله ” وهذا بحمد الله ظاهر لكل ناظر ” ربما تشير إلى نقص في العبادة. (2) و (3) الوسائل الباب 1 من زكاة الغلات


[ 111 ]

فيه الزكاة من البر والشعير والتمر والزبيب ؟ فقال خمسة أوساق بوسق النبي صلى الله عليه وآله فقلت كم الوسق ؟ فقال ستون صاعا. فقلت وهل على العنب زكاة أو انما تجب عليه إذا صيره زبيبا ؟ قال نعم إذا خرصه اخرج زكاته “. وصحيحة الحلبي عن ابى عبد الله (عليه السلام) (1) قال: ” ليس في ما دون خمسة أو ساق شئ والوسق ستون صاعا ” إلى غير ذلك من الاخبار المستفيضة. ولا نصاب آخر بعد هذا اجماعا بل كل ما زاد على هذا النصاب قليلا كان أو كثيرا فانه يجب أن يزكى. وربما استدل على ذلك بموثقة اسحاق بن عمار عن ابى ابراهيم عليه السلام (2) قال: ” سألته عن الحنطة والتمر عن زكاتهما فقال العشر ونصف العشر: العشر من ما سقت السماء ونصف العشر من ما سقى بالسوانى. فقلت ليس عن هذا اسالك إنما اسألك عن ما خرج منه قليلا كان أو كثيرا أله حد يزكى ما خرج منه ؟ فقال يزكى ما خرج منه قليلا كان أو كثيرا من كل عشرة واحد ومن كل عشرة نصف واحد. قلت فالحنطة والتمر سواء ؟ قال نعم ” بحمل الخبر المذكور على ان المراد بالقليل والكثير يعنى ما بعد الخمسة أو ساق، ولا بأس به. واما ما ورد في شواذ الاخبار من أن النصاب وسق كما في بعض أو وسقان كما في آخر (3) فقد حملة الشيخ ومن تأخر عنه على الاستحباب، والاظهر الحمل على التقية وان لم يكن بذلك مصرح من العامة مع ان ابا حنيفة لا يعتبر النصاب بل يوجب الزكاة في كل ما خرج قليلا كان أو كثيرا (4) ومنه يعلم ايضا قرب حمل موثقة اسحاق ابن عمار المتقدمة على التقية وان كان الشيخ واتباعه حملوها على ما قدمناه. واحتملوا


(1) الوسائل الباب 1 من زكاة الغلات (2) التهذيب ج 1 ص 352 وفى الوسائل 4 و 3 من زكاة الغلات (3) الوسائل الباب 3 من زكاة الغلات (4) بدائع الصنائع ج 2 ص 59


[ 112 ]

أيضا حملها على الاستحباب. إذا عرفت ذلك فاعلم انه لا خلاف بين الاصحاب (رضوان الله عليهم) في ان الصاع أربعة أمداد وعليه تدل جملة من الاخبار: منها صحيحة عبد الله بن سنان الواردة في الفطرة (1) حيث قال فيها ” صاع من تمر أو صاع من شعير والصاع أربعة أمداد ” ونحوها صحيحة الحلبي (2). وصحيحة زرارة عن ابى جعفر عليه السلام (3) قال: ” كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتوضا بمد ويغتسل بصاع، والمد رطل ونصف والصاع ستة ارطال ” ومقتضاها ان الصاع أربعة امداد. وقد ذكروا أيضا تقدير الصاع بالارطال وانه ستة ارطال بالمدني وتسعة بالعراقى، وتدل عليه رواية جعفر بن ابراهيم بن محمد الهمداني الواردة في زكاة الفطرة عن ابى الحسن عليه السلام (4) وفيها ” الصاع ستة ارطال بالمدني وتسعة ارطال بالعراقى واخبرني انه يكون بالوزن الفا ومائة وسبعين وزنة “. ورواية على بن بلال (5) قال ” كتبت إلى الرجل عليه السلام أساله عن الفطرة وكم تدفع ؟ قال فكتب ستة ارطال من تمر بالمدني وذلك تسعة ارطال بالبغدادي “. ومن ذلك علم المد وانه رطلان وربع بالعراقى ورطل ونصف رطل بالمدني، وقدر ايضا بالدراهم وهو الف ومائة وسبعون درهما كما تضمنته رواية الهمداني المتقدمة ايضا وان عبر عن الدرهم بالوزنة، وقد روى هذا الخبر في كتاب عيون الاخبار (6) وذكر الدرهم عوض الوزنة. واما الرطل فالمدني منه ما كان وزنه مائة وخمسة وتسعين درهما، واما العراقى


(1) و (2) التهذيب ج 1 ص 371 وفي الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة (3) الوسائل الباب 50 من الوضوء (4) و (5) الوسائل الباب 7 من زكاة الفطرة (6) ص 172 وفي الوسائل الباب 7 من زكاة الفطرة


[ 113 ]

فالمشهور ان وزنه مائة وثلاثون درهما، وذكر العلامة في التحرير وموضع من المنتهى ان وزنه مائة وثمانية وعشرون درهما واربعة اسباع درهم. والظاهر انه سهو من قلمه (رحمة الله عليه) وانه تبع فيه بعض العامة (1) كما احتمله بعض اصحابنا ويدل على المشهور رواية ابراهيم بن محمد الهمداني (2) قال: ” اختلفت الروايات في الفطرة فكتبت إلى ابى الحسن صاحب العسكر عليه السلام أسأله عن ذلك فكتب عليه السلام ان الفطرة صاع من قوت بلدك. إلى ان قال تدفعه وزنا ستة أرطال برطل المدينة، والرطل مائة وخمسة وتسعون درهما، تكون الفطرة الفا ومائة وسبعين درهما ” والتقريب ان الرطل العراقى ثلثا الرطل المدنى. ونحوها رواية جعفر بن ابراهيم المتقدمة الدالة مثل هذه على ان الصاع الف ومائة وسبعون درهما، وهذا إنما يتم على ما ذكرناه من القول المشهور دون ما ذهب إليه العلامة. بقى الكلام في انه قد روى الشيخ في التهذيب عن سليمان بن حفص المروزى (3) قال: قال أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) ورواه في الفقيه مرسلا (4) قال: ” قال أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) الغسل بصاع من ماء والوضوء بمد من ماء وصاع النبي صلى الله عليه وآله خمسة أمداد والمد وزن مائتين وثمانين درهما والدرهم وزن ستة دوانيق والدانق وزن ست حبات والحبة وزن حبتى شعير من اوساط الحب لا من صغاره ولا من كباره “. وهذا الخبر من مشكلات الاخبار ومعضلات الآثار لاشتماله على مخالفات عديدة لما عليه علماء الامصار وما وردت به الاخبار عن الائمة الاطهار (عليهم السلام):


(1) المغنى ج 2 ص 700، وفى المجموع شرح المهذب ج 6 ص 16 بعد تقديره بذلك قال وقيل مائة وثلاثون درهما وبه قطع الغزالي والرافعي. (2) الوسائل الباب 8 و 7 من زكاة الفطرة (3) و (4) الوسائل الباب 50 من الوضوء


[ 114 ]

ومنها – بيان قدر الصاع فانه كما عرفت من الاخبار وبه صرح جملة العلماء أربعة أمداد وهذا الخبر دل على انه خمسة امداد، ومثله في هذه المخالفة موثقة سماعة (1) قال: ” سألته عن الذى يجزئ من الماء للغسل ؟ فقال اغتسل رسول الله صلى الله عليه وآله بصاع وتوضأ بمد، وكان الصاع على عهده خمسة أمداد وكان المد قدر رطل وثلاث اواق ” وفي هذه الرواية ايضا مخالفة اخرى في المد حيث انه كما عرفت رطلان وربع بالعراقى ورطل ونصف بالمدني. ومنها – في المد فان المشهور انه مائتا درهم واثنان وتسعون درهما ونصف درهم لانك قد عرفت من الاخبار المتقدمة ان الصاع الف درهم ومائة وسبعون درهما والصاع أربعة أمداد فيكون المد بقدر ربع هذا المذكور وهو ما ذكرناه، وعلى تقدير ما ذكره من أن الصاع خمسة أمداد فالمد خمس هذا المذكور وهو مائتان واربعة وثلاثون درهما، وهو لا ينطبق على ما ذكروه ايضا. ومنها – في الدانق وقد عرفت من ما مضى في نصاب النقدين ان الدانق ثمان حبات من أوساط حب الشعير ونقل على ذلك اتفاق الخاصة والعامة (2) وعلى تقديره فالدرهم ثمان واربعون شعيرة، وهذه الرواية قد تضمنت انه اثنتا عشرة حبة من اوساط حب الشعير وعليه فيكون الدرهم اثنين وسبعين حبة من الشعير. وبالجملة فظاهر الاصحاب الاتفاق على طرح هذا الخبر وكذا خبر سماعة لما عرفت من المخالفة للاخبار وكلام علماء الطرفين وكذا كلام أهل اللغة. والشيخ في الاستبصار قد أجاب عنهما بالنسبة إلى الصاع وتفسيره بخمسة أمداد باجوبة اقربها وان كان لا يخلو من بعد ايضا حمل الخمسة الامداد فيهما على ما إذا شارك صلى الله عليه وآله بعض أزواجه في الغسل، ثم استدل بالاخبار الدالة على انه صلى الله عليه وآله اغتسل مع زوجته بخمسة أمداد من اناء واحد.


(1) الوسائل الباب 50 من الوضوء (2) ارجع إلى التعليقة 1 ص 91


[ 115 ]

والاظهر في الجواب وان لم يهتد إليه سوى شيخنا الصدوق من الاصحاب هو ما يظهر منه (قدس سره) في كتاب معاني الاخبار (1) من الفرق بين صاع الغسل وصاع الفطرة، حيث قال (باب معنى الصاع والمد والفرق بين صاع الماء ومده وبين صاع الطعام ومده) ثم ذكر رواية المروزى ورواية الهمداني المتقدمة وهى الاولى الدالة على ان الصاع ستة ارطال بالمدني وتسعة بالعراقى المشعرة من حيث ذلك بكون الصاع أربعة أمداد لان المد رطل ونصف بالمدني ورطلان وربع بالعراقى، وظاهره حمل رواية المروزى على صاع الماء ورواية الهمداني على صاع الطعام وبذلك يندفع عنه ما أورد عليه في كتاب من لا يحضره الفقيه (2) من ايراده رواية المروزى في باب الغسل الدالة على ان الصاع خمسة امداد وايراده في زكاة الفطرة من الكتاب (3) رواية الهمداني المتقدمة الدالة على ان الصاع أربعة أمداد مع ما يظهر من كلامه في اول كتابه من الافتاء بما يرويه فيه. وتوضيح الفرق المذكور على ما ذكره بعض مشايخنا (رضوان الله عليهم) ان المد والرطل والصاع كانت يومئذ مكاييل معينة فقدرت بوزن الدراهم ونحوها صونا عن تطرق التغيير الذى كثيرا ما يتطرق إلى المكاييل، ومن الظاهر ان الاجسام المختلفة يختلف قدرها بالنسبة إلى مكيال معين فلا يمكن أن يكون الصاع من الماء موافقا للصاع من الحنطة والشعير وشبههما، فلذا كان الصاع المعتبر في وزن الماء لاجل الوضوء والغسل وامثالهما أثقل من ما ورد في الفطرة ونصاب الزكاة ونحوهما لكون الماء أثقل من الحبوب مع تساوى الحجم كما هو معلوم. فظهر ان هذا الوجه أوجه الوجوه في الجمع بين الاخبار. أقول: ما ذكرناه من الجواب عن هذا الاشكال من ما تنبه له شيخنا المجلسي (قدس سره) في كتاب البحار حيث قال – بعد ذكر الخبر المذكور وما خالفه من الاخبار الدالة على ان الصاع أربعة امداد ما صورته: ويمكن الجمع بينها بوجوه:


(1) ص 249 (2) ج 1 ص 23 (3) ج 2 ص 115


[ 116 ]

الاول ما اختاره الصدوق (قدس سره) كما يظهر من الفقيه بحمل خبر المروزى على صاع الغسل وخبر الهمداني على صاع الفطرة حيث ذكر الاولى في باب الغسل والثانى في باب الفطرة، وقد غفل الاصحاب عن هذا ولم ينسبوا هذا القول إليه مع انه قد صرح بذلك في كتاب معاني الاخبار. ثم ذكر نحوا من ما قدمنا ذكره واوضحه ووجهه بما قدمنا نقله عنه. وهو جيد بالنسبة إلى المخالفة الحاصله من روايتي المروزى وسماعة الا انه لا يتمشى له في مثل صحيحة زرارة المتقدمة في المقام (1) الدالة على انه صلى الله عليه وآله كان يتوضا بمد ويغتسل بصاع ثم فسر عليه السلام المد برطل ونصف والصاع بستة ارطال، فانها ظاهرة في كون الصاع فيها انما هو صاع الماء مع انه فسره بما يرجع إلى الاربعة الامداد، لان الارطال فيه محمولة على الارطال المدنية والصاع بستة ارطال فيها والمد برطل ونصف وهو ظاهر في الاربعة الامداد لا الخمسة. ونحو هذه الصحيحة غيرها ايضا. وحينئذ فلا يتم ما ذكره الصدوق من حمل صاع الماء على ما يسع خمسة أمداد ولا ما ذكره من التوجيه لكلامه لانتقاضه بالصحيحة المذكورة ونحوها. هذا. واما باقى الاشكالات في الخبر فلا اعرف للجواب عنها وجها ولم اقف على من تعرض للجواب عنها بل قل من تعرض لذكرها وهى مرجوعة إلى قائلها، والله العالم.

المقام الثالث:

اختلف الاصحاب (رضوان الله عليهم) في الوقت الذى تتعلق به الزكاة في الغلات مع الاتفاق على ان وجوب الاخراج إنما هو بعد التصفية فالمشهور كما ذكره العلامة في المختلف وغيره هو بدو الصلاح في النخل بالاحمرار والاصفرار واشتداد الحب في غيره، وقيل انه عبارة عن ما يصدق عليه التسمية بكونه تمرا أو زبيبا أو حنطة أو شعيرا، وهو منقول عن ابن الجنيد واختاره المحقق في كتبه الثلاثة وحكاه العلامة في المنتهى عن ابيه انه كان يذهب إليه، واليه يميل


(1) ص 113


[ 117 ]

كلام صاحب المدارك وصاحب الذخيرة. قالوا: وتظهر الفائدة في ما لو تصرف المالك بعد بدو الصلاح وانعقاد الحب وقبل البلوغ إلى حد التسمية بتلك الاسماء المذكورة، فانه على المشهور لا يجوز إلا بعد الخرص وضمان الزكاة لتحقق الوجوب يومئذ، وعلى القول الآخر يجوز التصرف ما لم تبلغ الحد المذكور. وكذا تظهر الفائدة في ما لو نقله إلى غيره في تلك الحال ايضا، فعلى المشهور تجب الزكاة على الناقل لتحقق الوجوب في ملكه، وعلى القول الآخر إنما تتعلق بمن بلغت ذلك الحد في ملكه. وظواهر الاخبار المتقدمة في قصر ما تجب فيه الزكاة في الاصناف التسعة التى من جملتها الحنطة والشعير والتمر والزبيب من ما يؤيد القول الثاني إذ من الظاهر انه لا يصدق شئ من هذه الاسماء بمجرد الاحمرار والاصفرار ولا بمجرد انعقاد الحب. واستدل بعض الاصحاب لهذا القول ايضا بصحيحة على بن جعفر عن اخيه موسى عليه السلام (1): ” انه سأله عن البستان لا تباع غلته ولو بيعت بلغت غلته مالا فهل تجب فيه صدقة ؟ فقال لا إذا كانت تؤكل ” وايده ايضا بحسنة محمد بن مسلم (2) قال: ” سألت ابا عبد الله عليه السلام عن التمر والزبيب ما اقل ما تجب فيه الزكاة ؟ قال خمسة أوساق ويترك معا فارة وام جعرور ولا يزكيان وان كثرا “. قال: والمستفاد منها ان الزكاة لا تجب في هذين النوعين، وقد يقال الوجه فيه تعارف اكل هذين النوعين قبل صيرورتهما تمرا فيكون مضمونه موافقا لما رواه الشيخ عن على بن جعفر في الصحيح. واورد الرواية المتقدمة ثم قال: ويصلحان حجة لمن يعتبر في ثبوت الزكاة صدق اسم التمر. انتهى. اقول: فيه ان الظاهر من صحيحة على بن جعفر المذكورة ان المراد من


(1) الوسائل الباب 8 من زكاة الغلات (2) الوسائل الباب 1 من زكاة الغلات


[ 118 ]

غلة البستان انما هو ما عدا الاجناس الزكوية من الفواكه من ما يؤكل عادة ويفسد بعد نضجه وبلوغه لو لم يؤكل عاجلا، واليه الاشارة بقوله عليه السلام ” لا إذا كان يؤكل ” أي لا تجب فيه الزكاة إذا كان من ما يعتاد أكله بعد نضجه والبلوغ إلى حده، ومثلها في ذلك حسنة محمد بن مسلم عن ابى جعفر وابى عبد الله (عليهما السلام) (1) ” في البستان تكون فيه الثمار مالو بيع كان بمال هل فيه الصدقة ؟ قال لا ” فان المراد به ما ذكرناه قطعا من تلك الفواكه التى لا تتعلق بها الزكاة، وان لم يكن ما ذكرناه متعينا بقرينة الرواية الاخرى فلا اقل أن يكون مساويا لما ذكره وبه لا يتم الاستدلال. واما حمل حسنة محمد بن مسلم التى ذكرها على ما ذكره من أن عدم وجوب الزكاة فيها لتعارف اكلها قبل بلوغها الحد المذكور فالظاهر انه ليس كذلك بل الظاهر من جملة من الاخبار انما هو لامره صلى الله عليه وآله بعدم خرصها، فمعنى تركها في الخبر انما هو عدم خرصها على ارباب النخيل، وستأتى الاخبار الصريحة الدالة على ما قلناه ان شاء الله تعالى في بعض المقامات الآتية. إذا عرفت ذلك فاعلم انا لم نقف على حجة للقول المشهور يعتد بها وغاية ما استدل به العلامة في المنتهى دعوى تسمية الحب إذا اشتد حنطة وشعيرا وتسمية البسر تمرا وان أهل اللغة نصوا على ان البسر نوع من التمر والرطب نوع من التمر. ولم نقف على ما يدعيه من كلام أهل اللغة إلا على ما ذكره في القاموس في مادة (بسر) حيث قال: والتمر قبل ارطابه والواحدة بسرة. ولكن كلام اكثر أهل اللغة على خلافه واحتمال التجوز في كلامه قائم كما لا يخفى على من تأمل كتابه قال في الصحاح في ثمر النخل: أوله طلع ثم خلال ثم بلح ثم بسر ثم رطب ثم تمر. وقال في المغرب: البسر غوره خرما. وقال في كتاب مجمع البحرين: قد تكرر في الحديث ذكر التمر هو بالفتح فالسكون اليابس من ثمر النخل. وقال الفيومى في كتاب


(1) الوسائل الباب 8 من زكاة الغلات


[ 119 ]

المصباح المنير: التمر من ثمر النخل كالزبيب من العنب وهو اليابس باجماع أهل اللغة لانه يترك على النخل بعد ارطابه حتى يجف أو يقارب ثم يقطع ويترك في الشمس حتى ييبس، قال أبو حاتم ربما جذت النخلة وهى باسرة بعد ما احلت ليخفف عنها أو لخوف السرقة فيترك حتى يكون تمرا. انتهى. والجميع كما ترى صريح في ان التمر عبارة عن اليابس بعد الرطب، وظاهر عبارة صاحب المصباح دعوى الاجماع من اللغويين على ذلك، وبذلك يعلم ما في كلام العلامة (قدس سره) من عدم تمامية دليلة وانه يجب حمل عبارة صاحب القاموس على ما ذكرناه. نعم هنا روايتان في المقام ربما يصلحان للدلالة على القول المشهور احداهما صحيحة سعد بن سعد الاشعري عن ابى الحسن الرضا عليه السلام (1) في حديث قال: ” سألته عن الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب متى تجب على صاحبها ؟ قال إذا صرم وإذا خرص ” وصحيحته الاخرى وقد تقدمت في المقام الثاني (2) وفيها ” فقلت وهل على العنب زكاة أو انما تجب عليه إذا صيره زبيبا ؟ قال نعم إذا خرصه اخرج زكاته “. والتقريب فيهما ان وجوب الزكاة بالخرص الذى إنما يكون في حال كون الثمرة بسرا أو عنبا مثلا يعطى تعلق الوجوب بذلك الوقت قبل أن تصير تمرا أو زبيبا، إذ الظاهر من الخرص كما ذكره الاصحاب انما هو لجواز تصرف المالك مع ضمان حصة ارباب الزكاة وهو لا يتجه إلا على القول المشهور إلا ان هؤلاء المصرحين هم أرباب القول المشهور، واما على القول الآخر فانه يجوز للمالك التصرف بكل وجه ما لم يبلغ الحد المتقدم ذكره، وعلى هذا لا يظهر للخرص علة وهكذا القول في الحنطة والشعير على تقدير جواز خرصهما. إلا انه يمكن المناقشة في الرواية الاولى بانه متى خص الخرص بالوقت


(1) الوسائل الباب 12 من زكاة الغلات (2) ص 110


[ 120 ]

المذكور وانه وقت الوجوب فلا معنى لقوله في الخبر ” إذا صرم ” لانه لا يخفى ما بين وقتى الصرام والخرص بالمعنى المذكور من المدة، إذ الخرص كما هو المفروض في حال البسرية والعنبية والصرام إنما يكون بعد صيرورته تمرا فكيف يستقيم تعليق الوجوب بكل منهما ؟ بل انما يستقيم ذلك بحمل الخرص في الخبر على وقت كونه تمرا وزبيبا وحنطة وشعيرا، فانه في ذلك الوقت يتعلق به الوجوب سواء صرمه أو خرصه على رؤوس الاشجار والنخل والزرع. واما الرواية الثانية فهى مع الاغماض عن المناقشة في دلالتها اخص من المدعى فيثبت بها الحكم في العنب خاصة فتتعلق به الزكاة من وقت العنبية، واما غيره من الافراد المذكورة فيحتاج إلى دليل، والى هذا يميل كلام السيد السند في المدارك. نعم يبقى الكلام في الروايات الآتية الدالة على ان النبي صلى الله عليه وآله كان يأمر بالخرص على ارباب النخيل، فان حمله على ما بعد يبس الثمرة بعيد وبذلك تكون المسألة محل اشكال. وكيف كان فالاحتياط في العمل بالقول المشهور من ما لا ينبغى تركه.

المقام الرابع:

لا خلاف في انه يشترط بلوغ كل صنف من اصناف الغلات المذكورة نصابا، فلا يضم بعضها إلى بعض ليكمل النصاب من صنفين أو أصناف بل الحكم هنا كما تقدم ايضا في النقدين من عدم ضم أحدهما إلى الآخر والانعام من عدم ضم صنف إلى آخر، وهو من ما لا اشكال فيه. وعليه تدل الاخبار ومنها صحيحة سليمان – وهو ابن خالد – عن ابى عبد الله (عليه السلام) (1) قال: ” ليس في النخل صدقة حتى يبلغ خمسة أوساق، والعنب مثل ذلك حتى يكون خمسة أوساق “. وفي صحيحة زرارة وبكير عن ابى جعفر (عليه السلام) (2) قال: فيها: ” وليس في شئ من هذه الاربعة الاشياء شئ حتى يبلغ خمسة أوساق.. إلى أن قال: فان كان


(1) و (2) الوسائل الباب 1 من زكاة الغلات


[ 121 ]

من كل صنف خمسة أوساق غير شئ وان قل فليس شئ.. الحديث. وصحيحة زرارة (1) قال: ” قلت لابي جعفر ولابنه (عليهما السلام) الرجل تكون له الغلة الكثيرة من أصناف شتى أو مال ليس فيه صنف تجب فيه الزكاة هل عليه في جميعه زكاة واحدة ؟ فقال لا إنما تجب عليه إذا تم فكان يجب في كل صنف منه الزكاة تجب عليه في جميعه في كل صنف منه الزكاة فان اخرجت ارضه شيئا قدر ما لا تجب فيه الصدقة اصنافا شئ لم تجب فيه زكاة واحدة “.

المقام الخامس:

قد صرح جملة من الاصحاب بان الزكاة انما تجب في الغلات إذا ملكت بالزراعة لا الابتياع ونحوه كالارث والهبة. وهو على اطلاقه مشكل فانهم قد صرحوا من غير خلاف يعرف بوجوب الزكاة في ما ينتقل إلى الملك قبل تعلق الوجوب. وذكر شيخنا الشهيد الثاني (قدس سره) في مقام الاعتذار عن ذلك بان مرادهم بالزراعة في اصطلاحهم انعقاد الثمرة في الملك أو احمرارها واصفرارها إذا توقف الوجوب عليه، وحمل الابتياع ونحوه على وقوعه بعد تحقق الوجوب بحصول أحد الامور المذكورة قبل وقوع البيع. وفيه – مع الاغماض عن المناقشة بما فيه من البعد وانه من قبيل الالغاز والمعميات – ان ما ذكره انما يتم على تقدير تعلق الوجوب بالانعقاد وبدو الصلاح ولا يجرى على القول الآخر مع ان ممن صرح بذلك المحقق في الشرائع مع تصريحه فيه بالقول المشار إليه. وجعل المحقق في المعتبر والنافع والعلامة في جملة من كتبه الشرط هو النمو في الملك. وفيه ايضا ان الثمره إذا انتقلت بعد بدو الصلاح كانت الزكاة على الناقل وان حصل النمو في ملك المنتقل إليه على القول المشهور، وكذلك إذا انتقل قبل صدق اسم التمر والزبيب والحنطة والشعير كان الزكاة على المنتقل إليه على القول الآخر


(1) الاستبصار ج 2 ص 39 وفي الوسائل الباب 2 من زكاة الغلات


[ 122 ]

وان حصل النمو في ملك الناقل، وحينئذ فهذا الشرط لا وجه له على كل من القولين. والتحقيق ان يجعل الشرط حصولها في ملكه في الوقت الذى تتعلق الزكاة فيه بمعنى انه يدخل هذا الوقت وهى في ملكه، وهذا الشرط جار على كل من القولين كما لا يخفى والادلة عليه ظاهرة. والله العالم.

المقام السادس

قد صرح الاصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف بان ما سقى سيحا أو بعلا أو عذيا ففيه العشر وما سقى بالدوالى والنواضح ففيه نصف العشر، والمراد بالسيح الجريان قال الجوهرى السيح الماء الجارى. وظاهره انه أعم من أن يكون على وجه الارض أو في الانهار، وهو كذلك كما صرح به الاصحاب واما البعل فقال في الصحاح انه النخل الذى يشرب بعروقه فيستغنى عن السقى. واما العذى بالتسكين والكسر فقال هو الزرع لا يسقيه إلا ماء المطر والدوالى جمع دالية، قال والدالية المنجنون تديرها البقرة والناعورة يديرها الماء وقال ان المنجنون هو الدولاب التى يستقى عليها. ويدل على الحكم المذكور مضافا إلى الاجماع الاخبار المستفيضة: ومنها صحيحة زرارة وبكير عن ابى جعفر عليه السلام (1) قال ” في الزكاة ما كان يعالج بالرشاء والدوالى والنواضح ففيه نصف العشر وان كان يسقى من غير علاج بنهر أو عين أو بعل أو سماء ففيه العشر كاملا ” ونحوها غيرها (2) والحكم موضع اتفاق نصا وفتوى. ثم انه متى اجتمع الامران كان الحكم للاكثر فايهما غلب تبعه الحكم من العشر أو نصف العشر، ومع التساوى يؤخذ من نصفه العشر ومن النصف الآخر نصف العشر وهو يرجع إلى ثلاثة ارباع العشر، وهو من ما لا خلاف فيه أيضا. ويدل عليه ما رواه الشيخ عن معاوية بن شريح عن ابى عبد الله عليه السلام (3)


(1) و (2) الوسائل الباب 4 من زكاة الغلات (3) الوسائل الباب 6 من زكاة الغلات


[ 123 ]

قال: ” في ما سقت السماء والانهار أو كان بعلا فالعشر فاما ما سقت السوانى والدوالى فنصف العشر. فقلت له فالارض تكون عندنا تسقى بالدوالى ثم يزيد الماء وتسقى سيحا ؟ فقال ان ذا ليكون عندكم كذلك ؟ قلت نعم. قال النصف والنصف نصف بنصف العشر ونصف بالعشر. فقلت الارض تسقى بالدوالى ثم يزيد الماء فتسقى السقية والسقيتين سيحا ؟ قال وكم تسقى السقية والسقيتين سيحا ؟ قلت في ثلاثين ليلة أو اربعين ليلة وقد مكث قبل ذلك في الارض ستة اشهر سبعة أشهر قال نصف العشر “. وهل الاعتبار في الكثره بالاكثر زمانا أو عددا أو نفعا ؟ أوجه ثلاثة أقربها إلى ظاهر النص الاول.

المقام السابع:

لا خلاف بين الاصحاب (رضوان الله عليهم) في استثناء حصة السلطان، والمراد بها ما يجعله على الارض الخراجية من الدراهم ويسمى خراجا أو حصة من الحاصل ويسمى مقاسمة، انما اختلفوا في غيرها من المؤن هل يجب استثناؤها كالخراج ام لا وانما يختص بالمالك ؟ قولان فذهب الشيخ في الخلاف والمبسوط إلى ان المؤن كلها على رب المال دون الفقراء، ونسبه في الخلاف إلى جميع الفقهاء، ونقل جمع من الاصحاب عنه في الخلاف دعوى الاجماع عليه إلا من عطاء (1) ونقل عن الفاضل يحيى بن سعيد صاحب الجامع القول بذلك ايضا واختاره شيخنا الشهيد الثاني ايضا في فوائد القواعد على ما نقله عنه سبطه في المدارك وانه ذكر انه لا دليل على استثناء المؤن سوى الشهرة وقال ان اثبات الحكم بمجرد الشهرة مجازفة، والى هذا القول مال جملة من متأخرى المتأخرين. وقال الشيخ في النهاية باستثناء المؤن كلها وهو قول الشيخ المفيد والمحقق وابن ادريس والعلامة ونسبه في المنتهى إلى اكثر الاصحاب وفي المختلف إلى المشهور. واستدل على الاول بعموم الاخبار الدالة على العشر ونصف العشر في


(1) المحلى ج 5 ص 258 رقم 657


[ 124 ]

الغلات الاربع من غير استثناء، نعم ورد استثناء حصة السلطان فيجب الاقتصار عليها كما رواه الكليني والشيخ عنه في الصحيح عندنا أو الحسن على المشهور عن ابى بصير ومحمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السلام (1) انهما قالا له: ” هذه الارض التى يزارع أهلها ما ترى فيها ؟ قال كل أرض دفعها اليك السلطان فما حرثته فيها فعليك في ما اخرج الله منها الذى قاطعك عليه، وليس على جميع ما اخرج الله منها العشر انما العشر عليك في ما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك “. اقول: ومن ما يعضد هذا الخبر ايضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد ابن على بن شجاع النيسابوري وهو مجهول (2) ” أنه سأل ابا الحسن الثالث عليه السلام عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كر ما يزكى فاخذ منه العشر عشرة اكرار وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرا وبقى في يده ستون كرا ما الذى يجب لك من ذلك ؟ وهل يجب لاصحابه من ذلك عليه شئ ؟ فوقع عليه السلام لى منه الخمس من ما يفضل من مؤنته ” وهو كما ترى صريح في أخذ العشر من جميع ما حصل من الارض وان المؤنة إنما خرجت بعد ذلك، وهو وان كان في كلام السائل إلا ان الامام عليه السلام قرره على ذلك ولم ينكره وتقريره حجة كما اتفقوا عليه. وما رواه صفوان واحمد بن محمد بن ابى نصر (3) قالا: ” ذكرنا له الكوفة وما وضع عليها من الخراج وما سار فيها أهل بيته فقال من أسلم طوعا تركت أرضه في يده واخذ منه العشر من ما سقت السماء والانهار ونصف العشر من ما كان بالرشاء في ما عمروه منها وما لم يعمروه منها أخذه الامام فقبله ممن يعمره وكان للمسلمين، وعلى المتقبلين في حصصهم العشر ونصف العشر.. إلى أن قال وعلى المتقبلين سوى قبالة الارض العشر ونصف العشر في حصصهم.. الحديث “.


(1) الوسائل الباب 7 من زكاة الغلات (2) الوسائل الباب 5 من زكاة الغلات (3) الوسائل الباب 4 من زكاة الغلات


[ 125 ]

واستدل العلامة في المنتهى وقبله المحقق في المعتبر على القول المشهور بان النصاب مشترك بين المالك والفقراء فلا يختص أحدهم بالخسارة عليه كغيره من الاموال المشتركة، وبان المؤنة سبب الزيادة فتكون على الجميع، وبان الزام المالك بالمؤنة كلها حيف عليه واضرار به وهو منفى، وبان الزكاة في الغلات تجب في النماء والفائدة وهو لا يتناول المؤنة. ولا ريب في ضعف هذه التعليلات فانها بمجردها لا تصلح لتأسيس الاحكام الشرعية وان زعموها ادلة عقلية مقدمة على النصوص كما هي قاعدتهم الكلية، هذا مع ان جملة من فضلاء متأخري المتأخرين: منهم – السيد السند في المدارك بينوا ضعف هذه الوجوه مشروحا فليرجع إليه من أحب الوقوف عليه. نعم يدل على هذا القول ما في كتاب الفقه الرضوي (1) حيث قال عليه السلام: وليس في الحنطة والشعير شئ إلى ان يبلغ خمسة أوسق والوسق ستون صاعا والصاع أربعة امداد والمد مائتان واثنان وتسعون درهما ونصف، فإذا بلغ ذلك وحصل بعد خراج السلطان ومؤنة العمارة والقرية أخرج منه العشر ان كان سقى بماء المطر أو كان بعلا وان كان سقى بالدلاء والغرب ففيه نصف العشر، وفي التمر والزبيب مثل ما في الحنطة والشعير. اقول: وبهذه العبارة بعينها عبر الصدوق في الفقيه ومنه يظهر ان مستنده في الحكم المذكور انما هو هذا الكتاب، والظاهر ايضا انه هو المستند لغيره من القائلين بهذا القول من متقدمي الاصحاب، ويمكن تخصيص اطلاق تلك الاخبار بهذه الرواية. وبالجملة فالمسألة غير خالية من شوب الاشكال وان كان القول الاول اظهر لقوة مستنده واو فقيته بالاحتياط. وفي هذا المقام

فوائد:

الاولى – قد عرفت ان المراد بخراج السلطان وحصته


(1) ص 22


[ 126 ]

هو ما يأخذه من الارض الخراجية من نقد أو حصة من الحاصل وان سمى الاخير مقاسمة، وحينئذ فيكون هذا الحكم مخصوصا بما إذا كانت الارض خراجية وهى المفتوحة عنوة والآخذ الامام امام عدل كان أو امام جور كخلفاء الاموية والعباسية ومن يحذو حذوهم إلى يومنا هذا كما هو الظاهر من الاخبار وكلام اكثر الاصحاب وان خالف فيه شذوذ من أصحابنا. بقى الكلام في ما لو لم تكن الارض خراجية أو كانت وكان الآخذ ليس ممن يدعى الامامة كسلاطين الشيعة في بلاد العجم فهل يكون ما يأخذونه على الارض والحال هذه مستثنى ويكون على الجميع كحصة السلطان المتقدمة أو يختص بالمالك ؟ اشكال ينشأ من ان هذا ليس من الخراج المستثنى لما عرفت من شروطه ودلالة ظواهر الاخبار على وجوب العشر ونصف العشر على ما اخرجت الارض مطلقا خرج منه حصة السلطان بالدليل المتقدم وبقى ما عداه، ومن ان هذا ظلم لحق المالك في هذه الزراعة فيصير من قبيل السرقة ونحوها من أسباب التلف من غير تفريط فلا تكون مضمونة عليه بل توزع على الجميع ويكون اخراج النصاب بعده ان وقع ذلك قبل استقرار الوجوب وإلا فبالنسبة بين المالك والفقراء. وهو الاقرب. ويؤيده ظاهر رواية سعيد الكندى (1) قال: ” قلت لابي عبد الله عليه السلام انى آجرت قوما ارضا فزاد السلطان عليهم ؟ قال اعطهم فضل ما بينهما. قلت انا لم أظلمهم ولم أزد عليهم ؟ قال انهم إنما زادوا على ارضك ” فانه يستفاد من هذا الخبر انه لا ضمان على من جبره الحاكم وأخذ مال الغير من يده ظلما. ويعضد ذلك ما صرح به شيخنا الشهيد الثاني (قدس سره) في المسالك في صورة ما إذا أخذ الجائر زيادة على الخراج المعتاد ظلما، حيث قال فلا يستثنى الزائد إلا ان يأخذه قهرا بحيث لا يتمكن المالك من منعه سرا أو جهرا فلا يضمن حصة الفقراء من الزائد. انتهى.


(1) الوسائل الباب 16 من المزارعة والمساقاة


[ 127 ]

الثانية – قد أجمع الاصحاب (رضوان الله عليهم) وهو المشهور بين الجمهور ايضا (1) انه بعد أخذ السلطان الخراج من الارض الخراجية فانه يجب على المالك اخراج الزكاة من ما بقى في يده، وعليه تدل الاخبار التى قدمناها، ولم ينقل الخلاف هنا إلا عن ابى حنيفة (2) فانه ذهب إلى انه لا زكاة فيها بعد اخذ الخراج منها، ورده في المعتبر والمنتهى بوجوه اقناعية. إلا انه قد ورد في اخبارنا ما يدل على ذلك: ومنها – رواية ابى كهمش عن ابى عبد الله عليه السلام (3) قال: ” من أخذ منه السلطان الخراج فلا زكاة عليه ” وحملها الشيخ على الارضين الخراجية فيفهم منه حينئذ القول بعدم وجوب الزكاة فيها كما هو المنقول عن ابى حنيفة مع ان العلامة في المنتهى ادعى الاجماع على ما قدمنا نقله عنهم. ومنها – صحيحة سليمان بن خالد (4) قال: ” سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول ان اصحاب ابى أتوه فسألوه عن ما يأخذه السلطان فرق لهم وانه ليعلم ان الزكاة لا تحل الا لاهلها فامرهم ان يحتسبوا به فجاز ذا والله لهم. فقلت أي ابه انهم ان سمعوا ذلك لم يزك أحد ؟ فقال أي بنى حق أحب الله أن يظهره “. ورواية رفاعة عن ابى عبد الله عليه السلام (5) قال: ” سألته عن الرجل يرث الارض أو يشتريها فيؤدى خراجها إلى السلطان هل عليه فيها عشر ؟ قال لا “. ورواية ابى قتادة عن سهل بن اليسع (6) ” انه حيث انشأ سهل اباد سأل أبا الحسن عليه السلام عن ما يخرج منها ما عليه ؟ فقال ان كان السلطان يأخذ خراجه فليس عليك شئ وان لم يأخذ السلطان منها شيئا فعليك اخراج عشر ما يكون فيها “.


(1) المهذب ج 1 ص 157 والانصاف ج 3 ص 113 (2) بدائع الصنائع للكاسانى الحنفي ج 2 ص 57 (3) و (5) و (6) الوسائل الباب 10 من زكاة الغلات (4) الوسائل الباب 20 من المستحقين للزكاة. وفي الفروع ج 1 ص 153 (فجال فكرى) مكان (فجاز ذا) في التهذيب ج 1 ص 359.


[ 128 ]

وصحيحة رفاعة ايضا (1) ” عن الرجل له الضيعة فيؤدى خراجها هل عليه فيها عشر ؟ قال لا “. والمنقول عن الشيخ حمل هذه الاخبار على نفى الزكاة في الحصة التى يأخذها السلطان بعنوان الخراج فيصير حاصل المعنى ان العشر لا يثبت في غلة الضيعة بكمالها قال المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتهى بعد نقل صحيحة رفاعة الاخيرة ونقل تأويل الشيخ المذكور: ولا باس بهذا الحمل إذ هو خير من الاطراح. وفيه ان هذا الحمل وان امكن في هذه الرواية على بعد إلا انه لا يجرى في روايه قتادة لانه حكم عليه السلام بانه مع أخذ الخراج ليس عليه شئ، ونحوها رواية ابى كهمش حيث قال: ” لا زكاة عليه ” وتأويلهما بانه ليس عليه شئ معين في خراج السلطان تعسف محض. وبالجملة فان هذا الاحتمال بعيد غاية البعد. واحتمل بعض الاصحاب حمل الخراج في هذه الاخبار على الزكاة وانه متى أخذها الجائر قهرا فانه تبرأ ذمة المالك وتسقط عنه استنادا إلى ما دل من الاخبار على احتسابها بذلك: كصحيحة يعقوب بن شعيب (2) قال: ” سألت ابا عبد الله عليه السلام عن العشور التى تؤخذ من الرجل أيحتسب بها من زكاته ؟ قال نعم ان شاء “. وصحيحة عيص بن القاسم عن ابى عبد الله عليه السلام (3) ” في الزكاة ؟ قال ما أخذ منكم بنو امية فاحتسبوا به ولا تعطوهم شيئا ما استطعتم فان المال لا يبقى على هذا ان يزكيه مرتين ” ونحو ذلك صحيحة الحلبي (4). وفيه انه وان دلت هذه الروايات على جواز احتساب ما يأخذونه بعنوان الزكاة عن الزكاة الواجبة عليه لكن اطلاق الخراج في تلك الاخبار على الزكاة بعيد جدا. نعم صحيحة سليمان بن خالد حيث لم يصرح فيها بلفظ الخراج قابلة لهذا التأويل بل ظاهرها


(1) التهذيت ج 1 ص 359 وفي الوسائل الباب 10 من زكاة الغلات (2) و (3) و (4) الوسائل الباب 20 من المستحقين للزكاة


[ 129 ]

إنما هو الزكاة مثل هذه الاخبار الاخيرة. على انه قد ورد ما يعارض هذه الاخبار الاخيرة ايضا كصحيحة زيد الشحام (1) قال: ” قلت لابي عبد الله عليه السلام جعلت فداك ان هؤلاء المصدقين يأتوننا فيأخذون منا الصدقة فنعطيهم إياها أتجزى عنا ؟ فقال لا إنما هؤلاء قوم غصبوكم – أر قال ظلموكم – أموالكم وإنما الصدقة لاهلها. وحمله الشيخ على استحباب الاعادة، والاظهر حمله على ما إذا تمكن من عدم الاعطاء بانكار ونحوه ومع ذلك اعطاها كما هو ظاهر سياق الخبر بان يكون معنى ” فيأخذون منا الصدقة ” يعنى يطلبونها منا فنعطيهم مع انه يمكنه أن ينكر ان لا صدقة عليه مثلا. وكيف كان فحيث كانت الاخبار المتقدمة من ما أعرض عن العمل بها كافة الاصحاب قديما وحديثا مع معارضتها بالاخبار المتقدمة في المقام السابع وكونها على خلاف الاحتياط فلا بد من تأويلها أو طرحها وارجاعها إلى قائلها، والاظهر هو حملها على التقية فانه مذهب أبى حنيفة (2) ومذهبه في وقته له صيت وانتشار زيادة على غيره من أصحاب المذاهب فانها إنما اعتبرت في الازمان المتأخرة.

الثالثة – لو قلنا باستثناء المؤن كما هو المشهور فهل تعتبر بعد النصاب فيزكى الباقي منه بعد اخراج المؤنة وان قل أم قبله فان لم يبلغ الباقي بعدها نصابا فلا زكاة ام يعتبر ما سبق على الوجوب كالسقى والحرث قبله وما تأخر كالحصاد والجذاذ بعده ؟ احتمالات ذهب إلى كل منها قائل، فقطع باولها العلامة في التذكرة حيث قال: الاقرب ان المؤنة لا تؤثر في نقصان النصاب وان اثرت في نقصان الفريضة فلو بلغ الزرع خمسة أوسق مع المؤنة وإذا سقطت المؤنة منه قصر عن النصاب وجبت الزكاة لكن لا في المؤنة بل في الباقي. واختار هذا الوجه السيد السند في المدارك ومثله الفاضل الخراساني في الذخيرة. وجزم العلامة في المنتهى بالثاني فقال المؤن تخرج


(1) الوسائل الباب 20 من المستحقين للزكاة (2) بدائع الصنائع للكاسانى الحنفي ج 2 ص 57


[ 130 ]

وسطا من المالك والفقراء فما فضل وبلغ نصابا أخذ منه العشر أو نصف العشر. وهو ظاهر المحقق في الشرائع. وانت خبير بان هذا هو الذى دل عليه كلامه عليه السلام في كتاب الفقه الرضوي فيكون اظهر الاحتمالات لذلك بناء على القول المذكور. واستوجه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الثالث وجعل الاول أحوط.

المقام الثامن:

المشهور بين الاصحاب (رضوان الله عليهم) وجوب الزكاة في حصة العامل في المزارعة والمساقاة مع الشرائط وكذا حصة المالك، لحصول ذلك في ملكهما قبل بلوغ حد الوجوب وهو مناط تعلق الزكاة كما تقدم، ويدل عليه ايضا ما تقدم في حسنة ابى بصير ومحمد بن مسلم (1) وقوله عليه السلام فيها ” انما العشر عليك في ما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك ” وكذا رواية سفوان واحمد بن محمد ابن ابى نصر (2) لقوله عليه السلام فيها ” وعلى المتقبلين سوى قبالة الارض العشر ونصف العشر في حصصهم “. ونقل العلامة في المختلف عن السيد ابن زهرة انه قال: لا زكاة على العامل في المزارعة والمساقاة لان الحصة التى يأخذها كالاجرة من عمله، وكذا لو كان البذر من العامل فلا زكاة على رب الارض لان الحصة التى يأخذها كاجرة ارضه. قال في المختلف: وانكر ابن ادريس ذلك كل الانكار ومنعه كل المنع واوجب الزكاة عليه إذا بلغ نصيبه النصاب. وهو الاقرب، لنا انه قد ملك بالزراعة فيجب عليه الزكاة. واحتج بانه اجرة ولا زكاة في الاجرة اجماعا. والجواب المنع من الصغرى. انتهى. اقول: من ما يدل على ما ذكره ابن زهرة ما رواه الشيخ في الموثق عن عبد الله ابن بكير عن بعض اصحابنا عن أحدهما (عليهما السلام) (3) قال: ” في زكاة الارض إذا قبلها النبي صلى الله عليه وآله أو الامام عليه السلام بالنصف أو الثلث أو الربع فزكاتها عليه وليس


(1) و (3) الوسائل الباب 7 من زكاة الغلات (2) ص 124


[ 131 ]

على المتقبل زكاة إلا ان يشترط صاحب الارض ان الزكاة على المتقبل فان اشترط فان الزكاة عليهم. وليس على أهل الارض اليوم زكاة إلا على من كان في يده شئ من ما أقطعه الرسول صلى الله عليه وآله. وما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم (1) قال: ” سألته عن الرجل يتكارى الارض من السلطان بالثلث أو النصف هل عليه في حصته زكاة ؟ قال لا.. الحديث “. وحمل الشيخ في الخبر الاول نفى الزكاة عن المتقبل على نفيها عن جميع ما أخرجت الارض وان كان يلزمه زكاة ما يحصل في يده بعد المقاسمة مستدلا بما مر. وأنت خبير بان قوله: ” زكاتها عليه ” يعنى على النبي صلى الله عليه وآله أو الامام عليه السلام لا جائز ان يحمل على الحصة التى يأخذها عليه السلام لانها مال للمسلمين كافة فهى من مال بيت المال، وقد تقدم ان مال بيت المال ونحوه من الجهات العامة ليس فيه زكاة فلم تبق إلا حصة المتقبل وقد اخبر أن زكاتها على النبي صلى الله عليه وآله أو الامام فكيف يتم ما ذكره من انه يلزمه زكاة ما يحصل في يده ؟ وبالجملة فما ذكره من التأويل لا يقبله الخبر المذكور واما صحيحة محمد بن مسلم فالظاهر جعلها في عداد الروايات المتقدمة الدالة على ما ذهب إليه أبو حنيفة من ان ما أخذ من السلطان الخراج فلا زكاة عليه (2) لان المراد بالخراج ما هو أعم من الدراهم والدنانير التى يأخذها على الارض أو الحصة من الحاصل المسماة عندهم بالمقاسمه كما أشرنا إليه في ما سبق، وهذه الرواية دلت على انه إذا أخذ السلطان منه حصة فلا زكاة عليه، وحينئذ فتحمل على ما حملت عليه تلك الروايات، وحينئذ فلم يبق الا الرواية الاولى وهى لا تبلغ قوة في معارضة الروايات المتقدمة في السابع.


(1) الوسائل الباب 7 من زكاة الغلات (2) بدائع الصنائع للكاسانى الحنفي ج 2 ص 57


[ 132 ]

ومثلها ايضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن احمد بن محمد بن ابى نصر (1) قال ” ذكرت لابي الحسن الرضا عليه السلام الخراج وما سار به أهل بيته فقال العشر ونصف العشر على من أسلم تطوعا تركت أرضه في يده واخذ منه العشر ونصف العشر في ما عمر منها وما لم يعمر منها اخذه الوالى فقبله ممن يعمره وكان للمسلمين.. إلى ان قال: وما أخذ بالسيف فذلك للامام يقبله بالذى يرى كما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله بخيبر قبل ارضها ونخلها، الناس يقولون لا تصلح قبالة الارض والنخل إذا كان البياض اكثر من السواد. وقد قبل رسول الله صلى الله عليه وآله خيبر وعليهم في حصصهم العشر ونصف العشر “. واحتمال الاشتراط في هذه الاخبار جمعا بينها وبين الموثقة المذكورة الظاهر بعده والمسألة لا تخلو من نوع توقف إذ لا يحضرني الآن محمل لتلك الموثقة المذكورة. ثم ان قوله عليه السلام في الموثقة المشار إليها ” وليس على أهل الارض اليوم زكاة ” لعله من قبيل ما تقدم من تلك الاخبار الدالة على سقوطها عن المالك باخذ الجائر لها بعنوان الزكاة أو الخراج، ولعل استثناء من كان في يده شئ من ما اقطعه الرسول صلى الله عليه وآله من حيث ان تلك القطائع إنما هي في أيدى الظلمة الذين لا يؤخذ منهم شئ يوجب سقوط الزكاة عنهم.

المقام التاسع:

المفهوم من كلام الاصحاب ومنهم المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى وغيرهما من المتقدمين والمتأخرين جواز الخرص في النخيل والكروم وتضمينهم حصة الفقراء، ونقل عليه في المعتبر الاجماع منا ومن اكثر العامة (2). واستدل عليه في المعتبر بما روى (3) من ان النبي صلى الله عليه وآله كان يبعث إلى الناس


(1) التهذيب ج 1 ص 383 وفي الوسائل الباب 4 من زكاة الغلات (2) المغنى ج 2 ص 76 ونيل الاوطار ج 4 ص 205 (3) سنن ابى داود ج 2 ص 110 رقم 1603


[ 133 ]

من يخرص عليهم نخيلهم وكرومهم. ولان ارباب الثمار يحتاجون إلى الاكل والتصرف في ثمارهم فلو لم يشرع الخرص لزم الضرر. وإنما اختلفوا في جواز الخرص في الزرع فاثبته الشيخ وجماعة لوجود المقتضى وهو الاحتياج إلى الاكل منه قبل يبسه وتصفيته، ونفاه ابن الجنيد والمحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى والتحرير، لانه نوع تخمين ولا يثبت إلا في موضع الدلالة، ولان الزرع قد يخفى خرصه لاستتار بعضه وتبدده بخلاف النخل والكرم فان ثمرتهما ظاهرة فيتمكن الخارص من ادراكها والاحاطة بها، ولان الحاجة في النخل والكرم ماسة إلى الخرص لاحتياج اربابها إلى تناولها غالبا رطبة قبل الجذاذ والاقتطاف بخلاف الزرع فان الحاجة إلى تناول الفريك قليلة جدا. أقول: من ما يدل على جواز الخرص في الزرع ما تقدم في المقام الثالث من صحيحة سعد بن سعد الاشعري عن الرضا عليه السلام قال: ” سألته عن الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب متى تجب على صاحبها ؟ قال إذا صرم وإذا خرص ثم ان المحقق في المعتبر ذكر في هذا المسألة فروعا: منها – ان وقت الخرص حين بدو صلاح الثمرة، قال لانه وقت الامن على الثمرة من الجائحة غالبا لما روى (1) ” ان النبي صلى الله عليه وآله كان يبعث عبد الله بن رواحة يخرص على يهود خيبر نخلهم حين يطيب “. ومنها – صفة الخرص ان تقدر الثمرة لو صارت تمرا والعنب لو صار زبيبا فان بلغ الاوساق وجبت الزكاة ثم يخيرهم بين تركه امانة في ايديهم وبين تضمينهم حصة الفقراء أو يضمن لهم حقهم فان اختاروا الضمان كان لهم التصرف كيف شاءوا وان أبوا جعله أمانة ولم يجز لهم التصرف فيه بالاكل والبيع والهبة لان فيه حق المساكين.. إلى غير ذلك من الفروع المذكورة. ثم قال في المدارك بعد نقل جملة تلك الفروع: اقول ان في كثير من هذه


(1) سنن ابى داود ج 2 ص 110 رقم 1606


[ 134 ]

الاحكام نظر أو القدر المتحقق من ذلك جواز البناء على قدر الخرص عند عدم العلم بالمقدار وجواز التصرف في الثمرة بعد الضمان، لان ذلك فائدة الخرص وللاجماع المنقول عليه من جماعة: منهم العلامة في المنتهى، فانه قال: لو أكل المالك رطبا فان كان ذلك بعد الخرص والتضمين جاز اجماعا لان فائدة الخرص اباحة التناول، وان كان بعد الخرص وقبل التضمين بان خرص عليه الخارص ولم يضمنه جاز ايضا إذا ضمن نصيب الفقراء، وكذلك لو كان قبل الخرص إذا خرصها هو بنفسه اما مع عدم الخرص فلا. انتهى. ثم قال في المدارك: واعلم انا لم نقف للاصحاب على تصريح بمعنى الضمان هنا والظاهر ان المراد به العزم على اداء الزكاة ولو من غير النصاب. أقول: إذا عرفت ذلك فاعلم ان في المقام اشكالا لم أقف على من تنبه له ولانبه عليه، وذلك فانه لا ريب في صحة هذا الكلام وما فرعوه عليه من الفروع الداخلة في سلك هذا النظام بناء على ما هو المشهور من أن الوقت الذى تتعلق به الزكاة في الغلات عبارة عن بدو الصلاح وانعقاد الحب واشتداده، واما على القول الآخر من أن الوقت الذى تتعلق به إنما هو ما إذا صارت تمرا وزبيبا وحنطة وشعيرا فلا اعرف وجه صحة لهذا الكلام، كيف وقد جعلوا من فروع القولين عدم جواز تصرف المالك بعد بدو الصلاح وانعقاد الحب إلا مع الخرص والتضمين بناء على القول المشهور وجوازه مطلقا على الآخر، والمحقق المذكور ممن ذهب في كتبه الثلاثة إلى القول بعدم تعلق الوجوب إلا بعد التسمية بتلك الاسماء المذكورة. وفى المعتبر بعد أن صرح بذلك نقل عن الشيخ القول المشهور وفرع الفرع المذكور على القولين ثم بعد هذا بسطرين أو ثلاثة ذكر مسألة الخرص بالنحو الذى نقلناه عنه وهو من أعجب العجاب عند ذوى الالباب. ومثله صاحب المدارك فان ظاهره في تلك المسألة اختيار قول المحقق وفي مسألة الخرص جرى على ما جرى عليه المحقق من انه لابد في صحة التصرف من الخرص والضمان.


[ 135 ]

(لا يقال) ان هذا مبنى عندهم على تقدير القول المشهور (لانا نقول) لو كان الامر كذلك لاشاروا إليه ونبهوا عليه وكلامهم هذا كله انما جرى على سبيل الفتوى في المسالة كغيرها من المسائل كما لا يخفى على من راجع كلامهم وما فيه من زيادة التأكيد في الحكم المذكور. هذا. واما ما ذكره من اخبار الخرص فمنه ما هو عامى ومنه ما لا دلالة فيه مثل خبر إرسال عبد الله بن رواحة يخرص على اليهود فان ذلك ليس من المسألة في شئ، فان الخبر الوارد بذلك في يهود خيبر الذين قبلهم النبي صلى الله عليه وآله ارضها ونخيلها بالنصف فهم شركاء بلا ريب من أول بدو الحاصل، وانما الاخبار الدالة على الخرص ما قدمناه من صحيحة سعد بن سعد الاشعري والروايات الآتية قريبا ان شاء الله تعالى.

المقام العاشر:

قد صرح العلامة في التذكره بانه ان كانت الثمرة جنسا واحدا أخذ منه جيدا كان كالبرنى وهو اجود نخيل الحجاز أو رديئا كالجعرور ومصران الفارة ولا يطالب بغيره، ولو تعددت الانواع أخذ من كل نوع بحصته ولا يجوز اخراج الردئ لقوله تعالى: ” ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ” (1) ولا يجوز أخذ الجيد عن الردئ لقوله صلى الله عليه وآله (2) ” إياك وكرائم اموالهم ” فان تطوع المالك جاز. انتهى. وهو تفصيل حسن. ويدل على ما ذكره من عدم جواز اعطاء الردئ عن الجيد روايات عديدة: منها – ما رواه في الكافي عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليه السلام (3) ” في قول الله عزوجل: يا ايها الذين آمنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم، ومن اخرجنا لكم من الارض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ” (4) قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أمر بالنخل ان


(1) و (4) سورة البقرة الآية 270 (2) سنن ابن ماجة ج 1 ص 543 اول الزكاة (3) الوسائل الباب 19 من زكاة الغلات


[ 136 ]

يزكى يجئ قوم بالوان من التمر وهو من اردأ التمر يؤدونه من زكاتهم تمرا يقال له الجعرور والمعافارة قليلة اللحاء عظيمة النوى وكان بعضهم يجئ بها عن التمر الجيد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لا تخرصوا هاتين التمرتين ولا تجيئوا منهما بشئ وفي ذلك نزل ” ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه ” والاغماض أن يأخذ هاتين التمرتين “. ورواه ابن ادريس في آخر كتاب السرائر نقلا من كتاب المشيخة للحسن ابن محبوب عن صالح بن رزين عن شهاب عن ابى عبد الله عليه السلام (1) مثله. وروى العياشي في تفسيره عن رفاعة عن ابى عبد الله عليه السلام (2) ” في قول الله عزوجل: إلا أن تغمضوا فيه (3) فقال ان رسول الله صلى الله عليه وآله بعث عبد الله بن رواحة فقال لا تخرصوا أم جعرور ولا معافارة وكان اناس يجيئون بتمر سوء فانزل الله: ” ولستم بآخذيه إلا ان تغمضوا فيه ” وذكر ان عبد الله بن رواحة خرص عليهم تمر سوء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا عبد الله لا تخرصوا جعرورا ولا معارفاة ” وعن اسحاق بن عمار عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) (4) قال: ” كان أهل المدينة يأتون بصدقة الفطر إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وفيه عذق يسمى الجعرور وعذق يسمى معافارة كان عظيم نواهما رقيق لحاؤهما في طعمهما مرارة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للخارص لا تخرص عليهم هذين اللونين لعلهم يستحيون لا يأتون بهما فانزل الله: يا أيها الذين آمنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم.. إلى قوله تنفقون ” (5). وهذه الروايات هي التى أشرنا إليها سابقا بانها دالة على الخرص.

المقام الحادى عشر:

المشهور بين الاصحاب (رضوان الله عليهم) الاجتزاء بالقيمة في الغلات والانعام والنقدين، وهو بالنسبة إلى الانعام لا يخلو من إشكال لما قدمنا سابقا في المسالة السادسة من المسائل الملحقة بالمقام الثالث في زكاة


(1) و (2) و (4) الوسائل الباب 19 من زكاة الغلات (3) سورة البقرة الآية 271 (5) سورة البقرة الآية 270


[ 137 ]

الغنم من أن الدليل إنما دل على ذلك في الغلات والنقدين خاصة واما الانعام فلم يقم على إجزاء القيمة فيها دليل، وقد تقدم ان ذلك مذهب الشيخ المفيد واليه يميل كلام المحقق في المعتبر. والعجب من الشيخ الحر في الوسائل انه ترجم الباب (1). هكذا ” باب جواز اخراج القيمة عن زكاة الدنانير والدراهم وغيرهما ” ولم يورد من الاخبار الدالة على ذلك إلا صحيحتي على بن جعفر والبرقي المتقدمتين (2) المشتملة إحداهما على الغلات والثانية على النقدين، وهذا من بعض غفلاته. ولا ريب ان ما ذهب إليه الشيخ المفيد (قدس سره) هنا بمحل من القوة فان مقتضى الادلة وجوب اخراج الفرائض المخصوصة فلا يجوز العدول عنها إلا بدليل، ويؤيده ايضا ظواهر جملة من الاخبار مثل خبر محمد بن مقرن وصحيحة زرارة المتقدمتين في المقام الاول من المطلب الاول (3) في زكاة الابل حيث دلا على ان من ليس عنده السن المفروض اعطى سنا ادنى منه وجبره بعشرين درهما أو أعلى منه بسن أعطاه واسترجع من المصدق عشرين درهما، ولو كانت القيمة جائزة بالمعنى الذى ذكروه لامر به عليه السلام عملا بسعة الشريعة المحمدية وجريا على سهولة التكليف المبنى عليه قواعد تلك الملة المصطفوية. وبالجملة فالقول به يحتاج إلى الدليل وليس فليس، وبه يظهر قوة قول الشيخ المفيد (قدس سره) فموافقة الشيخ المشار إليه مع كونه اخباريا للقول المشهور هنا مع ما هو عليه من القصور لا يخلو من غفلة فانه من أرباب النصوص الذين يحومون حولها على العموم أو الخصوص وغاية ما استدل به العلامة هنا للقول المشهور في مطولاته ان المقصود بالزكاة دفع الخلة ورفع الحاجة وهو يحصل بالقيمة كما يحصل بالعين، فان الزكاة إنما شرعت جبرا للفقراء ومعونة لهم وربما كانت القيمة انفع في بعض الاوقات فاقتضت الحكمة التسويغ. ولا يخفى ما في أمثال هذه التعليلات من الضعف وعدم الصلاحية


(1) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب والفضة (2) ص 72 (3) ص 52 و 53


[ 138 ]

لتأسيس الاحكام الشرعية عليها. نعم تصلح لان تكون توجيها للنص وبيانا للحكمة فيه إذا ثبت. بقى الكلام في أن ظاهر كلام الاصحاب تصريحا في مواضع وتلويحا في اخرى ان المراد بالقيمة هنا ما هو أعم من الدراهم والدنانير من أي جنس إذا أخرجه بحساب الدراهم والدنانير، قال الشيخ في الخلاف: يجوز اخراج القيمة في الزكاة كلها أي شئ كانت القيمه، وتكون القيمة على وجه البدل لا على انها أصل. انتهى والذى تضمنه الخبران المشار اليهما آنفا اللذان هما المستند في المسألة ظاهرهما خصوص النقدين، ففى صحيحة على بن جعفر (1) قال: ” سألته عن الرجل يعطى عن زكاته عن الدارهم دنانير وعن الدنانير دراهم ؟ قال لا بأس “. وصحيحة البرقى (2) قال: ” كتبت إلى ابى جعفر الثاني عليه السلام هل يجوز أن يخرج عن ما يجب في الحرث من الحنطة والشعير وما يجب على الذهب دراهم بقيمة ما يسوى أم لا يجوز إلا أن يخرج من كل شئ ما فيه ؟ فأجاب عليه السلام ايما تيسر يخرج ” والظاهر ان المراد من قوله: ” أيما تيسر ” يعنى الامرين المذكورين. ويؤيده ايضا ما رواه في الكافي عن سعيد بن عمر وعن ابى عبد الله عليه السلام (3) قال: ” قلت يشترى الرجل من الزكاة الثياب والسويق والدقيق والبطيخ والعنب فيقسمه ؟ قال: لا يعطيهم إلا الدراهم كما أمر الله “. قال المحدث الكاشانى في كتاب الوافى – بعد نقل هذا الخبر على أثر الخبرين الاولين – ما صورته: هذا الحديث لا ينافى ما قبله لان التبديل إنما يجوز بالدراهم والدنانير دون غيرهما. انتهى. إلا انه نقل المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في كتاب الوسائل (4)


(1) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب والفضة، واللفظ بعد قوله ” دراهم ” هكذا ” بالقيمة أيحل ذلك ؟ “. (2) و (3) و (4) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب والفضة


[ 139 ]

عن كتاب قرب الاسناد لعبد الله بن جعفر الحميرى انه روى فيه عن محمد بن الوليد عن يونس بن يعقوب قال: ” قلت لابي عبد الله عليه السلام عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة فاشترى لهم منها ثيابا وطعاما وأرى ان ذلك خير لهم ؟ قال فقال لا بأس “. وقد جمع بين هذا الخبر وما قبله بحمل الاول على استحباب الا خراج من العين وان جاز بالقيمة كما دل عليه هذا الخبر. وفيه بعد فان الزكاة في الخبر لا يتعين كونها من الدراهم بخصوصها حتى يصير الامر بالدراهم من العين بل ظاهرها العموم وان المخرج إذا أعطى على جهة القيمة فالواجب أن يكون دراهم، وذكر الدراهم هنا خرج مخرج التمثيل فلا ينافى اعطاء الدنانير. وبالجملة فالرواية ظاهرة في انه لا يجوز إلا النقدان اصالة أو قيمة، والمسألة لا تخلو من اشكال والاحتياط في الوقوف على ظواهر تلك الاخبار ويؤيده ايضا ما يأتي ان شاء الله تعالى في مسألة أقل ما يعطى الفقير من الزكاة. ثم لا يخفى انه على تقدير القول بالقيمة كائنا ما كان فهل يكون الاعتبار بوقت الاخراج مطلقا لانه وقت الانتقال إليها أو يقيد ذلك بما إذا لم يقوم الزكاة على نفسه فلو قومها على نفسه وضمن القيمة فالواجب هنا ما ضمنه زاد السوق قبل الاخراج أو انخفض ؟ وجهان محتملان اختار أولهما السيد السند في المدارك والفاضل الخراساني في الذخيرة وثانيهما العلامة في التذكرة، والمسألة لا تخلو من توقف وان كان ما ذكره العلامة أقرب لانه متى كان التقويم جائزا والضمان صحيحا فان المستقر في الذمة هو القيمه. وقول السيد (قدس سره) ان وقت الاخراج هو وقت الانتقال إلى القيمة ممنوع في هذه الصورة بل الانتقال من حين التقويم والضمان.

المقام الثاني عشر:

لا ريب ان ما زاد من هذه الغلات على مؤنة السنة فانه يجب فيه الخمس كما صرح به جملة من الاصحاب كما سيجئ تحقيقه ان شاء الله في كتاب الخمس، ويدل على ذلك هنا ما قدمناه من رواية محمد بن على بن شجاع المتقدمة في.


[ 140 ]

المقام السابع من مقامات هذا المطلب (1).

بقى هنا شئ وهو ان المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر في كتاب الوسائل (2) قال: ” باب استحباب اخراج الخمس من الغلات على وجه الزكاة ووجوب اخراج خمسها ان فضلت عن مؤنة السنة ” ثم أورد دليلا على الحكم الثاني رواية ابن شجاع المشار إليها، واورد على الحكم الاول ما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة (3) قال: ” سألته عن الزكاة في الزبيب والتمر فقال في كل خمسة أوساق وسق، والوسق ستون صاعا، والزكاة فيهما سواء، فاما الطعام فالعشر في ما سقت السماء وأما ما سقى بالغرب والدوالى فانما عليه نصف العشر ” وقد تبع في ذلك الشيخ (قدس سره) فانه بعد ان نقل هذه الرواية عن الكافي بالاضمار وعن التهذيب بالاسناد إلى ابى عبد الله عليه السلام طعن فيها بالاضطراب من حيث الاضمار تارة والاظهار اخرى ثم حمله على الاستحباب تارة وعلى الخمس اخرى باطلاق الزكاة عليه مجازا. والاظهر في معنى الخبر المذكور ما ذكره المحدث الكاشانى في الوافى حيث قال – بعد رد طعن الشيخ بالاضطراب بالمنع وان ذلك لا يوجب اضطرابا – ما صورته: ويحتمل أن تكون لفظة ” وسق ” بعد خمسة أوساق من مزيدات النساخ ولهذا ربما لا توجد في بعض نسخ الكافي. وقوله: ” في كل خمسة أوساق، يعنى في كل من الزبيب والتمر خمسة أوساق، وليس الطعام بمعنى الحنطة بل ما يطعم يعنى فاما الطعمة منها لاهلها أو هو مصدر فانه جاء بمعنى الاطعام ايضا يعنى فاما اطعام المستحق منها فالعشر ونصف العشر، وعلى التقديرين فهو بيان لمقدار ما يخرج من الزبيب والتمر من غير تعرض للحنطة والشعير بوجه كما لا تعرض لهما في السؤال، وعلى هذا فلا إشكال. انتهى. وهو وان كان لا يخلو من بعد إلا انه جيد في مقام التأويل،

المقام الثالث عشر:

قد صرح جملة من الاصحاب من غير خلاف يعرف


(1) ص 124 (2) و (3) الوسائل الباب 5 من زكاة الغلات


[ 141 ]

بانه تضم الثمار المتباعدة في البلاد بعضها إلى بعض وان تفاوتت في الادراك وان حكمها في ذلك حكم البلد الواحدة فإذا بلغ بعضه الحد الذى يتعلق به الوجوب، فان كان نصابا أخذ منه الزكاة ثم يؤخذ من الباقي قل أو كثر بعد أن يتعلق به الوجوب، وان كان الذى أدرك اولا أقل من النصاب يتربص به حتى يدرك الآخر ويتعلق به الوجوب فيكمل منه النصاب الاول ثم يؤخذ من الباقي كائنا ما كان، ونقل العلامة في التذكرة اجماع المسلمين عليه. قال في المنتهى: لو كان له نخل يتفاوت إدراكه بالسرعة والبطؤ بان يكون في بلدين مزاج أحدهما أسخن من الآخر فتدرك الثمرة في الاسخن قبل ادراكها في الآخر فانه تضم الثمرتان إذا كانا لعام واحد وان كان بينهما شهر أو شهران أو اكثر، لان اشتراك ادراك الثمار في الوقت الواحد متعذر وذلك يقتضى اسقاط الزكاة غالبا. ولا نعرف في هذا خلافا. انتهى. أقول: ويؤيده ان في بلادنا البحرين نخلا يسمى الطيار يسبق سائر النخيل في بدو الصلاح بما يقرب من شهر ونخلا يسمى خصبة عصفور يتأخر إلى آخر الوقت ويكون ما بينه وبين الاول ما يقرب من شهرين. وبالجملة فالظاهر ان الحكم لا اشكال فيه لدخوله تحت عموم الادلة واطلاقها خاتمة المشهور بين الاصحاب (رضوان الله عليهم) تعلق الزكاة بالعين ونقل عن شذوذ من أصحابنا تعلقها بالذمة والاظهر الاول، ويدل عليه ظواهر النصوص كقولهم (عليهم السلام) (1) ” في كل اربعين شاة شاة ” و ” في كل عشرين مثقالا من الذهب نصف مثقال ” (2) ونحو ذلك، و ” في ما سقت السماء العشر ” (3) ونحو


(1) الوسائل الباب 6 من زكاة الانعام (2) الوسائل الباب 1 من الزكاة الذهب والفضة (3) الوسائل الباب 4 من زكاة الغلات


[ 142 ]

ذلك من الالفاظ التى من هذا الباب. ويمكن خدشه بحمل ” في ” على السببية دون الظرفية ويؤيده قولهم (عليهم السلام) (1) ” في خمس من الابل شاة ” فانه لا مجال هنا لا عتبار الظرفية. واستدل على ذلك ايضا بانها لو وجبت في الذمة لتكررت في النصاب الواحد بتكرر الحول، وللزم ان لا تقدم على الدين مع بقاء عين النصاب إذا قصرت التركة، وللزم أن لا تسقط بتلف النصاب من غير تفريط، وللزم أن لا يجوز للساعي تتبع العين لو باعها المالك بعد الحول قبل أن يؤدى زكاتها، واللوازم كلها باطلة بالاتفاق فالملزوم مثله. ولا يخفى انه وان كان للمناقشة في بعض ما ذكر مجال إلا انه يحصل من المجموع ما يفيد دلالة على الحكم المذكور. والاجود الرجوع في ذلك إلى الروايات ومنها – صحيحة عبد الرحمان بن ابى عبد الله (2) قال: ” قلت لابي عبد الله عليه السلام رجل لم يزك ابله أو شاءه عامين فباعها على من اشتراها أن يزكيها لما مضى ؟ قال نعم تؤخذ منه زكاتها ويتبع بها البائع أو يؤدى زكاتها البائع “. وما رواه ابن بابويه عن ابى المغراء عن ابى عبد الله عليه السلام (3) قال: ” ان الله تبارك وتعالى اشرك بين الاغنياء والفقراء في الاموال فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم. وصحيحة عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه السلام (4) قال: ” ان الله فرض في أموال الاغنياء للفقراء ما يكتفون به ولو علم ان الذى فرض لا يكفيهم لزادهم.. الحديث “.


(1) الوسائل الباب 2 من زكاة الانعام (2) الوسائل الباب 12 من زكاة الانعام (3) الوسائل الباب 2 من مستحقين للزكاة، والرواية للكليني (4) الوسائل الباب 1 من ما تجب فيه الزكاة


[ 143 ]

وحسنة عبد الله بن مسكان وغير واحد عن ابى عبد الله عليه السلام (1) قال: ” ان الله تعالى جعل للفقراء في أموال الاغنياء ما يكفيهم ولولا ذلك لزادهم. وفي حسنة الوشاء عن ابى الحسن الرضا عليه السلام (2) قال: ” قيل لابي عبد الله عليه السلام لاى شئ جعل الله الزكاة خمسة وعشرين في كل الف ولم يجعلها ثلاثين ؟ فقال ان الله تعالى جعلها خمسة وعشرين اخرج من أموال الاغنياء بقدر ما يكتفى به الفقراء.. الحديث “. وفي رواية قثم عن ابى عبد الله عليه السلام (3) قال: ” قلت له جعلت فداك اخبرني عن الزكاة كيف صارت من كل الف خمسة وعشرين لم تكن أقل ولا أكثر ما وجهها ؟ فقال ان الله تعالى خلق الخلق كلهم فعلم صغيرهم وكبيرهم وغنيهم وفقيرهم فجعل من كل الف انسان خمسة وعشرين مسكينا “. وفي رواية مؤمن الطاق عن أبى عبد الله (عليه السلام) (4) ” ان الله حسب الاموال والمساكين فوجد ما يكفيهم من كل الف خمسة وعشرين درهما “. فهذه الاخبار كلها كما ترى ظاهرة الدلالة مكشوفة المقالة في أن الزكاة حصة متعلقة بالاموال ومفروضة فيها ومنتزعة منها، ومن الظاهر انه ليس المراد مطلق الاموال بل الاموال الزكوية بالشرائط المقررة في غيره هذه الاخبار. احتج من قال بتعلق الزكاة بالذمة بانها لو وجبت في العين لكان للمستحق إلزام المالك بالاداء من العين، ولمنع من التصرف في النصاب إلا مع اخراج الزكاة. وأجاب المحقق في المعتبر عن الاول بالمنع من الملازمة فان الزكاة وجبت جبرا للفقراء فجاز أن يكون العدول عن العين تخفيفا عن المالك ليسهل عليه دفعها. قال: وكذا الجواب عن جواز التصرف إذا ضمن الزكاة. وهو جيد. والظاهر من ضم الاخبار بعضها إلى بعض ما ذكر هنا وما تقدم دالا على جواز اخراج القيمة في النقدين والغلات هو انها وان وجبت في العين إلا ان


(1) الوسائل الباب 1 من ما تجب فيه الزكاة (2) و (3) و (4) الوسائل الباب 3 من زكاة الذهب والفضة


[ 144 ]

الشارع رخص للمالك ووسع عليه – كما هو المعهود من بناء الشريعة المحمدية المبنية على السهولة ورفع الحرج – أن يدفع من غير النصاب سواء كان من مال آخر غير عين الفريضة أو قيمة فلا منافاة. وبذلك يظهر ان ما ذكره جملة من المتأخرين في هذا المقام – من انه على تقدير تعلقها بالعين فهل هو بطريق الاستحقاق فالفقير شريك أو بطريق الاستيثاق فيحتمل انه كالرهن ويحتمل كتعلق ارش الجناية بالعبد ؟ قالوا: وتضعف الشركة بالاجماع على جواز إدائها من مال آخر وهو مرجح للتعلق بالذمة. وعورض بالاجماع على تتبع الساعي العين لو باعها المالك ولو تمحض التعلق بالذمة امتنع. وفرعوا على ذلك ما لو بيع النصاب بعد الحول وقبل إخراج الزكاة فانه ينفذ ذلك في نصيبه قولا واحدا، وفي قدر الفرض يبنى على الخلاف فعلى الشركة يبطل البيع ويتخير المشترى الجاهل لتبعيض الصفقة، وعلى القول بالذمة يصح البيع قطعا فان أدى المالك لزم وإلا فالساعي يتبع العين فيتجدد البطلان ويتخير المشترى للتبعض، وعلى الرهن يبطل البيع إلا أن يتقدم الضمان أو يخرج من غيره، وعلى الجناية يكون البيع التزاما بالزكاة فان اداها نفذ وان منع تتبع الساعي العين – من ما لا حاجة تلجئ إليه ولا حكم يتوقف عليه بل الظاهر انه تطويل بغير طائل وكلام لا يرجع إلى حاصل، والاخبار في ما ذكرناه مكشوفة القناع وهى الاحرى بالاقتداء والاتباع. والله العالم.

المطلب الرابع

في ما يستحب فيه الزكاة

وهى أصناف:

(الاول) مال التجارة، وعرفوه بانه الذى يملك بعقد معاوضة بقصد الاكتساب به، فخرج منه ما ملك لا بعقد كالميراث وحيازة المباحات ونحو ذلك وان قصد به الاكتساب وكذا خرج ما يملك بعقد لا على جهة المعاوضة كالهبة والصدقة والوقف ونحو ذلك. والمراد بالمعاوضة ما كانت معاوضة محضة وهى ما يقوم طرفاها بالمال كالبيع والصلح ونحوهما، ويخرج الصداق والخلع فان أحد العوضين ليس مالا، وكذا


[ 145 ]

يخرج ما لم يقصد به الاكتساب كأن يقصد القنية والصدقة. وعلى جميع ذلك تدل ظواهر الاخبار، ففى صحيحة محمد بن مسلم الحسنة في المشهور (1) قال: ” سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى متاعا وكسد عليه وقد زكى ماله قبل ان يشترى المتاع متى يزكيه ؟ فقال ان كان امسك متاعه يبتغى به رأس ماله فليس عليه زكاة وان كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما امسكه بعد راس المال. قال وسألته عن الرجل توضع عنده الاموال يعمل بها ؟ فقال إذا حال الحول فليزكها “. وصحيحة اسماعيل بن عبد الخالق (2) قال: ” سأله سعيد الاعرج وانا حاضر اسمع فقال انا نكبس الزيت والسمن نطلب به التجارة فربما مكث عندنا السنة والسنتين هل عليه زكاة ؟ قال ان كنت تربح فيه شيئا أو تجد رأس مالك فعليك فيه زكاة وان كنت إنما تربص به لانك لا تجد إلا وضيعة فليس عليك زكاة حتى يصير ذهبا أو فضة فإذا صار ذهبا أو فضة فزكه للسنة التى تتجر فيها “. ورواية ابى الربيع الشامي عن ابى عبد الله عليه السلام (3) ” في رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه وقد كان زكى ما له قبل أن يشترى به هل عليه زكاة أو حتى يبيعه ؟ فقال ان كان أمسكه ليلتمس الفضل على رأس المالك فعليه الزكاة. ورواية محمد بن مسلم (4) وفيها ” قال: كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة إذا حال عليه الحول “. وفي كتاب الفقه الرضوي (5) ” وان كان مالك في تجارة وطلب منك المتاع برأس مالك ولم تبعه تبتغى بذلك الفضل فعليك زكاته إذا حال عليك الحول وان لم يطلب منك برأس مالك فليس عليك الزكاة ” إلى غير ذلك من الاخبار الكثيرة الظاهرة في ما ذكرناه.


(1) و (2) و (3) و (4) الوسائل الباب 13 من ما تجب فيه الزكاة (5) ص 23


[ 146 ]

والمشهور اشتراط مقارنة قصد الاكتساب للتملك فلو قصد به القنية أولا ثم نوى به الاكتساب لم تتعلق به الزكاة، والاخبار مطلقه لا يفهم منها هذا التقييد ولهذا ذهب جمع من الاصحاب: منهم – المحقق في المعتبر والشهيد في الدروس والشهيد الثاني في جملة من كتبه إلى أن مال القنية إذا قصد به التجارة تتعلق به الزكاة نظرا إلى انه مال تجارة فيدخل تحت تلك الاخبار. وهو جيد. ولابد من استمرار نية الاكتساب طول الحول ليتحقق كونه مال تجارة فلو نوى القنية في اثناء الحول انتفى الاستحباب، وهو من مالا خلاف فيه وعليه تدل ظواهر الاخبار المتقدمة وغيرها.

ثم ان استحباب الزكاة هنا مشروط عند الاصحاب بشروط:

أحدها – بلوغ النصاب وهو نصاب النقدين بان تبلغ قيمة مال التجارة أحد نصابي الذهب أو الفضة وهو مجمع عليه من الخاصة والعامة (1) ولم أقف على دليل على وجوب اعتبار النصاب هنا فضلا عن كونه نصاب أحد النقدين سوى الاجماع المدعى في المقام، وما يدعونه من أن ظاهر الروايات ان هذه الزكاة بعينها زكاة النقدين فيعتبر فيها نصابهما ويتساويان في قدر المخرج فلا يخفى ما فيه، والمسألة تخلو من اشكال، فان ظاهر الروايات الاطلاق. وظاهرهم بناء على ذلك اعتبار النصاب الثاني كما في النقدين فإذا بلغت القيمة عشرين دينارا أو مائتي درهم ثبتت الزكاة وهى ربع العشر ثم الزائد إذا بلغ النصاب الثاني وهو أربعة دنانير أو اربعون درهما ثبتت فيه الزكاة وإلا فلا. وفي فهم ذلك من الاخبار تأمل، ولهذا ان شيخنا الشهيد الثاني قال انه لم يقف على دليل يدل على اعتبار النصاب الثاني هنا وان العامه صرحوا بالاول خاصة (2) واعترضه سبطه في المدارك بان الدليل على اعتبار الاول هو بعينه الدليل


(1) المغنى ج 3 ص 31، والهداية للمرغينانى ج 1 ص 74، وبدائع الصنائع ج 2 ص 20 (2) راجع المغنى ج 3 ص 31، وبدائع الصنائع ج 2 ص 20


[ 147 ]

على اعتبار الثاني والجمهور إنما لم يعتبروا النصاب الثاني هنا لعدم اعتبارهم له في زكاة النقدين (1) كما ذكره في التذكرة. ومراده (قدس سره) بالدليل على النصاب الاول هو ما ذكروه من كون هذه الزكاة بعينها زكاة النقدين فتحصل المساواة في الحكم مطلقا. وقد عرفت ما فيه. وظاهرهم أيضا تفريعا على ما تقدم الاتفاق على وجود النصاب في الحول فلو نقص في اثناء الحو ل ولو يوما سقط الاستحباب.

وثانيها – الحول فلا بد من وجود ما يعتبر في الزكاة من أول الحول إلى آخره وعليه يدل ما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم وهى الاولى من الاخبار المتقدمة من قوله: ” وسألته عن الرجل توضع عنده الاموال.. الحديث ” وروايته الاخيرة ايضا وثالثها – ان يطلب برأس المال طول الحول أو زيادة فلو طلب بما هو انقص من رأس المال سقط الاستحباب، وعليه تدل الاخبار المتقدمة وغيرها. وهل يشترط في زكاة التجارة بقاء عين السلعة طول الحول كما في المالية أم لا فتثبت الزكاة وان تبدلت الاعيان بالمعاوضات مع بلوغ القيمة النصاب ؟ قولان أشهرهما بين المتأخرين الثاني بل ادعى عليه الاجماع واظهرهما الاول، وهو الظاهر من كلام الشيخ المفيد في المقنعة وابن بابويه في من لا يحضره الفقيه وهو ظاهر المحقق في الشرائع وبه جزم في المعتبر، وعليه تدل ظواهر الاخبار كقوله


(1) في المغنى ج 3 ص 6 – بعد ان ذكر ان نصاب الفضة مائتا درهم ونصاب الذهب عشرون مثقالا – قال وفي زيادتها وان قلت، روى هذا عن على وابن عمر وبه قال عمر بن عبد العزيز والنخعي ومالك والثوري وابن ابى ليلى والشافعي وابو يوسف ومحمد وابوعيد وابو ثور وابن المنذر، وقال سعيد بن المسيب وعطاء وطاووس والشعبى ومكحول والزهري وعمرو بن دينار وابو حنيفة لا شئ في زيادة الدرهم حتى تبلغ اربعين ولا في زيادة الدنانير حتى تبلغ اربعة دنانير لقوله صلى الله عليه وآله ” من كل اربعين درهما درهما ” وفي بدائع الصنائع ج 2 ص 17 نحو ذلك، كذا في بداية المجتهد ج 1 ص 218 ونسب القول الاول إلى الجمهور.


[ 148 ]

عليه السلام في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (1) ” ان كان أمسك متاعه يبتغى به رأس ماله ” وقوله: ” وان كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله ” وقوله في رواية ابى الربيع المتقدمة ايضا (2) ” ان كان أمسكه ليلتمس الفضل. إلى آخره ” ومثلها صحيحة اسماعيل بن عبد الخالق المتقدمة ايضا (3) فانها كلها ظاهرة بل صريحه في بقاء العين طول الحول.

تنبيهات يتوقف عليها تحقيق الكلام في المقام.

(الاول) ما ذكرناه من استحباب الزكاة في مال التجارة هو المشهور بين الاصحاب ونقل المحقق عن بعض علمائنا قولا بالوجوب، وبذلك صرح الشيخ في بعض كلامه، قيل وهو الظاهر من كلام ابن بابويه، ونقل عن ابن ابى عقيل انه قال اختلفت الشيعة في زكاة التجارة فقالت طائفة منهم بالوجوب وقال آخرون بعدمه وقال وهو الحق عندي. أقول: ويدل على القول بالوجوب ظواهر كثير من الاخبار كالاخبار المتقدمة من حيث التعبير فيها بقوله: ” فعليك فيه الزكاة ” أو ” فعليه ” من ما هو ظاهر في الوجوب، ومثل الاخبار المذكورة كثير في الاخبار ايضا تركنا نقلها اختصارا. واستدل على القول بالاستحباب كما هو المشهور بما دل من الاخبار على عدم الوجوب مضافا إلى الاخبار المتقدمة الدالة على ثبوت الزكاة في التسعة المتقدمة خاصة: منها – ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن زرارة (4) قال: ” كنت قاعدا عند ابى جعفر عليه السلام وليس عنده غير ابنه جعفر عليه السلام فقال يا زرارة ان أبا ذر وعثمان تنازعا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فقال عثمان كل مال من ذهب أو فضة يدار وبه ويعمل به ويتجربه ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول. فقال أبو ذر


(1) و (2) و (3) ص 145 (4) الوسائل الباب 14 من ما تجب فيه الزكاة.


[ 149 ]

اما ما اتجر به أو دير وعمل به فليس فيه زكاة إنما الزكاة فيه إذا كان ركازا أو كنزا موضوعا فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة. فاختصما في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله قال فقال القول ما قال أبو ذر. فقال أبو عبد الله عليه السلام لابيه ما تريد إلا ان يخرج مثل هذا فيكف الناس أن يعطوا فقراءهم ومساكينهم فقال ابوه عليه السلام اليك عنى لا أجد منها بدا “. وما رواه ايضا في الموثق عن اسحاق بن عمار (1) قال: قلت لابي ابراهيم عليه السلام الرجل يشترى الوصيفة يثبتها عنده لتزيد وهو يريد بيعها أعلى ثمنها زكاة ؟ قال لا حتى يبيعها. قلت فان باعها أيزكى ثمنها ؟ قال لا حتى يحول عليه الحول وهو في يده ” ورواه في الكافي عنه ايضا بسند فيه سهل (2). وما رواه في الموثق عن ابن بكير وعبيد وجماعة من اصحابنا (3) قالوا: ” قال أبو عبد الله عليه السلام ليس في المالك المضطرب به زكاة فقال له اسماعيل ابنه يا أبه جعلت فداك أهلكت فقراء أصحابك فقال أي بنى حق أراد الله ان يخرجه فخرج ” وما رواه في الصحيح عن سليمان بن خالد (4) قال: ” سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل كان له مال كثير فاشترى به متاعا ثم وضعه فقال هذا متاع موضوع فإذا أحببت بعته فيرجع إلى رأس مالى وأفضل منه هل عليه فيه صدقة وهو متاع ؟ قال لا حتى يبيعه. قال فهل يؤدى عنه ان باعه لما مضى إذا كان متاعا ؟ قال لا “. وأنت خبير بان ظواهر الاخبار المتقدمة كما عرفت هو الوجوب وصريح هذه الاخبار نفى الوجوب، والشيخ قد جمع بين الاخبار بحمل الاخبار المتقدمة على الاستحباب وتبعه على ذلك الاصحاب كما هي عادتهم وقاعدتهم في جميع الابواب. وعندي فيه توقف لما عرفته في غير موضع من ما تقدم، نعم لو كان في الاخبار من أحد الطرفين ما يدل على الاستحباب صريحا أو ظاهرا لزال الاشكال، واما ان الاستحباب يثبت بمجرد اختلاف الاخبار وجمعها عليه فهو


(1) و (2) و (3) و (4) الوسائل الباب 14 من ما تجب فيه الزكاة


[ 150 ]

من ما لا دليل عليه يوجب الركون إليه، وكيف لا والاستحباب حكم شرعى يتوقف على الدليل الواضح ومجرد اختلاف الاخبار ليس بدليل يوجب ذلك كما لا يخفى على المنصف، ومع ذلك فانه لا ينحصر الجمع بين الاخبار في ما ذكروه بل لا يبعد حمل الروايات المتقدمة على التقية، حيث ان الوجوب مذهب ابى حنيفة والشافعي واحمد (1) على ما نقله في المعتبر، وفي صحيحة زرارة وموثقة ابن بكير وعبيد وجماعة من أصحابنا ما يشير إلى ذلك. والمسألة لذلك لا تخلو من الاشكال. ولم أر من تنبه لما ذكرناه سوى المحدث الكاشانى في الوافى حيث قال بعد ان نقل الاخبار الاخيرة ونعم ما قال: في هذه الاخبار ما يشعر بان الاخبار الاولة إنما وردت للتقية إلا ان صاحب التهذيبين وجماعة من الاصحاب حملوها على الاستحباب. انتهى.

(الثاني) اختلف الاصحاب (رضوان الله عليهم) في انه هل تتعلق الزكاة بعين مال التجارة أم بالقيمة ؟ قولان اختار ثانيهما الشيخ واتباعه والظاهر انه هو المشهور قال في المنتهى: قال الشيخ تتعلق بالقيمة وتجب فيها. ونقل الخلاف عن بعض العامة (2) وهو مشعر بعدم الخلاف عندنا، والذى يدل عليه اعتبار نصاب النقدين والشريعة السهلة وأصل جواز التصرف بالبيع وغيره في اموال التجارة، والتعلق بالعين يمنع عن ذلك إلا مع التخمين والضمان كما في الزكاة. انتهى. وظاهر المحقق في المعتبر والعلامة في التذكرة اختيار الاول واستحسنه في المدارك، والمسألة محل تردد لعدم الوقوف فيها على نص يقتضى المصير إلى أحد القولين. واستحسانه في المدارك لهذا القول مع عدم اقامته دليلا عليه لا أعرف له وجها. وتظهر فائدة الخلاف في جواز بيع العين على تقدير القول بالوجوب بعد


(1) المغنى ج 3 ص 30 (2) المغنى ج 3 ص 31


[ 151 ]

الحول وقبل اخراج الزكاة أو ضمانها فيجوز على القول بتعلقها بالقيمة ويمتنع على تقدير تعلقها بالعين، وفي ما لو زادت القيمة بعد الحول فيخرج ربع عشر الزيادة على تقدير التعلق بالعين وربع عشر القيمة قبل تمام الحول على تقدير التعلق بالقيمة.

(الثالث) لا خلاف في ان مقدار الزكاة في مال التجارة هي زكاة النقدين كما تقدم سواء اشترى بهما أو بغيرهما من العروض، وعلى كل تقدير فهو يقوم بالدراهم والدنانير، وهو ظاهر في ما إذا اشترى بهما لان نصاب العرض مبنى على ما اشترى به ورأس المال انما يعلم بعد التقويم به. ولو كان الثمن عروضا قوم بالنقد الغالب واعتبر بلوغ النصاب ووجود رأس المال به. ولو تساوى النقدان كان مخيرا بالتقويم بايهما شاء.

(الرابع) لو اشترى نصابا للتجارة مثل أربعين شاة أو ثلاثين بقرة ثم حال الحول عليها فالمشهور بل ادعى عليه الاجماع غير واحد هو وجوب الزكاة المالية وسقوط زكاة التجارة لقول الصادق عليه السلام في صحيحة زرارة أو حسنته على المشهور بابراهيم بن هاشم (1) ” لا يزكى المال من وجهين في عام واحد ” وحينئذ فلا ريب في سقوط زكاة التجارة على القول باستحبابها. ونقل المحقق في الشرائع قولا باجتماع الزكاتين هذه وجوبا وهذه استحبابا، ثم قال: ويشكل ذلك على القول بوجوب زكاة التجارة. مع انه في المعتبر ادعى الاتفاق على عدم اجتماعهما فقال: ولا يجتمع زكاة العين والتجارة في مال واحد اتفاقا. ونحوه قال العلامة في التذكره والمنتهى.

اقول: لا ريب في ضعف هذا القول المذكور بعد ما عرفت من دلالة الخبر الصحيح الصريح على نفى ذلك. وأما ما ذكره من الاشكال وتبعه غيره واطالوا البحث به في هذا المجال على تقدير القول بوجوب زكاة التجارة فلا طائل تحته ولا ثمرة فيه بعد ما عرفت من


(1) ص 39


[ 152 ]

اتفاقهم على الاستحباب وردهم لهذا القول والاعراض عنه الموجب لبطلانه وحمل الاخبار كلها على ما ادعوه. واما على ما ذكرناه من دلالة الاخبار المتقدمة عليه فالامر فيه لا يخلو من الاشكال لما عرفت من امكان حمل الاخبار المذكورة على التقية ومن شهرة القول باستحباب الزكاة المذكورة قديما وحديثا بل قيل بوجوبها وحمل الاخبار المذكورة على التقية يقتضى سقوطها راسا. والله العالم.

الثاني من الاصناف المتقدمة – الخيل الاناث السائمة والبراذين، ويخرج عن كل عتيق ديناران وعن كل برذون دينار، والمراد بالعتيق كريم الاصل وهو ما كان ابواه عربيين والبرذون بكسر الباء خلافه. وقد صرحوا بانه بشترط فيها شروط ثلاثة: السوم والحول والانوثة. والمستند في ذلك ما رواه ثقة الاسلام في الكافي والشيخ عنه في التهذيب في الصحيح أو الحسن على المشهور عن محمد بن مسلم وزرارة عنهما (عليهما السلام) قالا ” وضع أمير المؤمنين عليه السلام على الخيل العتاق الراعية في كل فرس في كل عام دينارين وجعل على البراذين دينارا “. وحسنة زرارة (2) قال: ” قلت لا بى عبد الله عليه السلام هل في البغال شئ ؟ فقال لا فقلت فكيف صار على الخيل ولم يصر على البغال ؟ فقال لان البغال لا تلقح والخيل الاناث ينتجن وليس على الخيل الذكور شئ. قال قلت فما في الحمير ؟ فقال ليس فيها شئ. قال قلت هل على الفرس أو البعير يكون للرجل يركبهما شئ ؟ فقال لا ليس على ما يعلف شئ انما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذى يقتنيها فيه الرجل فاما ما سوى ذلك فليس فيه شئ ” اقول: المرج بالجيم المرعى. وانما حملت هاتان الروايتان على الاستحباب مع ان ظاهر هما الوجوب لما تقدم من انتفاء الوجوب عن ما سوى الاصناف التسعة. واحتمل بعضهم ان هذه الزكاة انما هي في اموال المجوس يومئذ جزية أو


(1) و (2) الوسائل الباب 16 من ما تجب فيه الزكاة


[ 153 ]

عوضا عن انتفاعهم بمراعي المسلمين. وظاهر الخبر الثاني يدفعه.

الثالث – كل ما أنبتت الارض من ما يدخله المكيال والميزان غير الاربعة المشهورة التى اتفقوا على وجوب الزكاة فيها، ومستند الاستحباب عندهم هو الجمع بين الاخبار الدالة على الوجوب في هذه الاشياء والاخبار الدالة على حصر الوجوب في التسعة المتقدمة. وقد قدمنا ان الاظهر حمل ما دل على الوجوب في هذه الاشياء على التقية.

الرابع – غلات الاطفال والمجانين ومواشيهم تقصيا من خلاف الشيخ ومن تبعه ومن الاخبار الدالة على ذلك. وفيه ما تقدم سابقا من أن ما ورد فيه الاخبار من غلات الاطفال فهى محمولة على التقية (1) وما لم يرد فيه خبر فلا وجه فيه للاستحباب، لان الاستحباب حكم شرعى يتوقف على الدليل وخلاف بعض الاصحاب مع كونه خاليا عن الدليل لا يوجب الحكم بالاستحباب.

الخامس – الحلى المحرم كالخلخال للرجل، ذكره الشيخ وتبعه الجماعه، ولم نقف له على دليل مع ورورد الاخبار (2) بانه لا زكاة في الحلى، وهى مطلقة شاملة للمحلل والمحرم، وروى (3) ان زكاته اعارته.

السادس – المال الغائب والمدفون الذى لا يتمكن صاحبه من التصرف فيه إذا مضى عليه احوال ثم وقع في يده فانه يستحب أن يزكيه لسنة، وقد تقدم ما يدل عليه من الاخبار في الشرط الخامس من شروط وجوب الزكاة من المقصد الاول.

السابع – العقار المتخذ للنماء كالحمامات والخانات والدكاكين والبساتين على ما صرحوا به، واستحباب الزكاة في حاصلها مقطوع به في كلامهم ولم يوردوا


(1) في المغنى ج 2 ص 622، والمحلى ج 5 ص 201 وجوب الزكاة في مال الصبى والمجنون، وفي بدائع الصنائع ج 2 ص 4 ذكر الاختلاف في ذلك واختار العدم. (2) الوسائل الباب 9 من زكاة الذهب والفضة (3) الوسائل الباب 10 من زكاه الذهب والفضة


[ 154 ]

لذلك دليلا، ولم نقف له على دليل ولا على مخالف فيه، وكأنه مسلم الثبوت بينهم. ثم انه على تقدير الاستحباب صرحوا بانه لا يشترط هنا الحول ولا النصاب للعموم قاله العلامة في التذكرة، ولا ادرى أي عموم أراد مع عدم الدليل كما عرفت ؟ واستقرب الشهيد في البيان اعتبارهما. ولا يخفى انه لو كان النماء المتخذ من هذه العقارات من الاموال الزكوية تعلق به حكم الزكاة المالية بلا خلاف ولا اشكال فيصير محل الاستحباب في كلامهم مخصوصا بالعروض الغير الزكوية.

    الثامن – ما ذكره جملة منهم في ما إذا قصد الفرار قبل الحول بناء على القول بعدم وجوب الزكاة بقصد الفرار كما تقدم، فانهم بناء على القول المذكور حملوا الاخبار الدالة على وجوب الزكاة متى قصد الفرار بسبك الدارهم والدنانير أو ابدال الجنس بغيره على الاستحباب تارة، فحكموا على كل من فعل ذلك قبل حول الحول باستحباب الزكاة عليه بعد الحول، وتارة على حصول الفرار بعد حول الحول وقد تقدم الكلام في هذين الحملين وبينا ما فيهما. والله العالم.